قبل بضعة اعوام فقط أنهت السيدة هيلاري كلينتون تأليف كتابها المثير للجدل والذي كان بعنوان " خيارات صعبة "، وبالرغم من المحتوى الصادم للكتاب الا ان وزيرة الخارجية الاميريكية الاسبق لم تتردد بنشره، لا ادري هل كان نوعا من الاعتراف بالذنب منها لما بدر من دولتها من خطأ كارثي؟ ام ان نشره حينها كان لاغراض سياسية تتعلق بحملتها الانتخابية ضمن سباق الرئاسة مع الرئيس الحالي ترامب؟..بعيدا عن ذلك كله تحدث كتابها عن حقيقة تدريب ضباط المخابرات الاميريكية لجماعات جهادية في اكثر من بلد اسلامي بغرض استخدامها في حروب محتملة قد تهدد أمن الولاياتالمتحدة وكذا لضمان مصالح بلدها في تلك البلدان .. هكذا وبكل وقاحة حاولت الوزيرة تبرير المسؤولية الاخلاقية والجنائية بصنع الارهاب!! اعترافها ذاك بالطبع آثار جدلا واسعا باعتبار ما ذكر اسرار دولة يمكن استخدامها لاحقا لملاحقة ضباط المخابرات الاميريكية جنائيا، الا ان الوزيرة تعود لتؤكد بان ما فعله ضباطها كان حقا خيارا صعبا ومشروعا يجب اتخاذه للخروج من دائرة التكهن بنوايا حلفاءها بتوجية ضربة استباقية تعيد لامريكا دورها الريادي في أخذ زمام المبادرة دائما. وهو بالفعل ما حصل لاحقا اذ استطاع الامريكان إغراق العالم بفوبيا الاسلام بعد ربطه بالارهاب او"الاسلام الرديكالي "كما يسوق له الساسة الغربيون ..اذن سرعان ما سيتبادر للاذهان اليوم هو ان اي حالة جمود سياسي قائمة سيعزو سببها الى وصول اطرافها المتحالفة مرحلة التوجس المتبادل في حسن نوايا بعضها، وكذا تخوفها اي تلك الاطراف من القفز الى المجهول وان كان ظنا منها بانه هدفها المنشود، وهذا ربما ما كانت تقصده السيدة كلينتون بالخيار الصعب!! استطاع الرئيس هادي بالفعل إفشال المخطط الحوثعفاشي بالانقضاض على اليمن ككل عندما طلب من دول التحالف التدخل لاعادة شرعيته.. وبغض النظر عن حيثيات تشكيل ذلك التحالف وهدافه المبهمة، الا انه استطاع بتر ايادا طامعة كانت تنتظر تلك الفرصة السانحة لتغيير البلد ديموغرافيا برمته وادخالها دوامة تفوق ضبابيتها دوامة اليوم بمراحل .. لا اعلم ما الذي جعل هادي بعدها يبقى مسلوب الارادة فاقدا القرار؟ .. يعيش الرئيس الهرم اليوم تائها في منفاه ليس له من الامر شيئ او هكذا يبدو، فبينما شعبه اللطيم تقاذفته امواج الحرب والازمات المفتعلة زمنا ولازالت، يكتفي وهو رئيسه الشرعي بالقاء خطابات الصبر والوعود. - لربما حالة العجز المستغرب تلك، والتي يعيشها هادي اليوم قد اكدت وصول الرجل الى مرحلة " الخيار الصعب "، مفسرة صمته المريب ذلك؟ وهنا يبرز السؤال الاهم, هل لازال هادي يمتلك قليل من دهاء كلينتون وضباطها لتحديد خياره الصعب والسير فيه؟ ام انه بالفعل كما يقال قد سلم قراره واختياره منذ مدة لقادة التحالف، وانتهى الامر بالنسبة له، اذ ليس بيده الان سوى لعب دور الرئيس المشرعن فحسب؟ ضربة معلم جيدة كانت، عندما استطاعت مجموعة من القيادة الجنوبية تشكيل كيان سياسي جنوبي جديد، وذلك بعد ان تم اقصاء معظمها من مناصب تقلدتها في شرعية هادي، فسرعان ما تم الاعلان عن ولادة المجلس الانتقالي الجنوبي حتى تم تفويضه شعبيا بعدها من عدن. وبعيدا كذلك عن حيثيات تشكيل المجلس الانتقالي وخلفيته، الا ان هدفه المعلن بحد ذاته كان كافيا لجعله طرفا سياسيا مؤثرا كما تإكد لاحقا ..وكغيره من الاطراف السياسية سيجنح المجلس الانتقالي لادبيات الشراكة مع الحليف الداعم طالما وان هناك ثمة تقاطعا بالمصالح معه. وهنا لا يؤخذ على الانتقالي التزام تعهدات الحلف المبرم فتلك هي الحال دوما مع هكذا ظروف محيطة واخطار محدقة، لكن ما سوف يؤخذ على الانتقالي باعتباره قد بات المكون الجنوبي الابرز والمعول عليه انتزاع استحقاقات شعبه المفوض له! ذلك الجمود والتراخي في التعاطي مع كثير من المستجدات على الساحة الجنوبية. وعلى عكس الحوثيين اللذين استطاعوا فرض امرا واقعا بعد ان ازاحوا الشركاء بعد الخصوم متصدرين المشهد الشمالي كطرف وند سياسي وحيد اجبر العالم التخاطب معه على هذا الاساس.. يبدو ان الانتقالي قد اصبح مقيدا بخياراته اللامدروسة والتي حجمت فعلا حضوره واضعفت قراره .. -لا ندري ماهي حدود الحركة بالنسبة للانتقالي حاليا سوى انه بات يصارع للحفاظ على الثقة والتفويض الشعبي كمكسب ملموس .. ولربما ايضا بات هو الاخر يعيش مرحلة "الخيار الصعب "!، وفيها هل يبقى اسيرا لرغبات حليفه الداعم وابداء التثاقل عند مطالبته بالاسراع قليلا نحو الهدف، وان كان ذلك على حساب رصيده الشعبي؟ ام ان حالة التخوف من القادم والمغامرة اليه، قد تمكنت من عقول قادته فباتوا عندها لايملكون الشجاعة للصراخ عاليا بمظلوميتهم والتحرر من اصفاد الوعود الكاذبة؟ وهنا ايضا سنستشعر مدى شجاعة السيدة كلينتون وضباطها في اتخاذ خيارهم الصعب ذاك! اذن فحالة الجمود والترقب تلك والتي يعيشها كلا من هادي والانتقالي، حتما ستلقي بضلالها على الداخل، وسيتعين هنا احد الامرين : - اما آلتماس العذر للجميع باعتبار الخيارات الماثلة امامهم تفوق اماكاناتهم القيادية، ومحاولة الشعب التكيف والتسليم ببواطن الايام القادمة!! واما البحث عن بدائل اخرى جديدة بامكانها تحريك رمال الحال المؤسفة بالبلد، وهنا لا نقصد بالتاكيد الاطراف السياسية الاخرى التي شاركت بحدوث الازمة الراهنة، فبطبيعة الحال تلك الاطراف قد اثبتت فشلها ومن الصعب اعادة تدويرها كما يحاول البعض تسويق ذلك، وانما تقتصر احتمالية البديل تلك على توافر الرغبة والقناعة في ذلك، باعتبارها ارضا ولادة لاتتوقف عن انجاب قيادات وطنية جديدة كلما اقتضت الضرورة لذلك. اخيرا..وضع كتاب كلينتون "خيارات صعبة " الزر على خياره وانتهى الامر ..فمتى نضع نحن وقادتنا الزر على خيارنا وننهي واقعنا المرير؟... الخوف كل الخوف ان ليس ثمة زرا او خيارا ترك لنا منذ البداية!!