كتب \صلاح السقلدي بالتزامن مع ما نشرته وسائل إعلام أمريكية بالأيام الثلاثة الماضية ،منها صحيفة "وول ستريت جورنال " الشهيرة عن نيّة واشنطن بإطلاق مشاورات مباشرة بين المملكة العربية السعودية وحركة الحوثيين "أنصار الله" باليمن أعلنَ المبعوث الأممي مارتن جريفيت الأربعاء قائلاً: ( رحّب كلا الطرفين - يقصد طرفي الصراع الشرعية والحوثيين - باقتراحي بشأن تنفيذ اتفاق الحديدة والمُلاحظات المقدّمة وهذا تطوُّر مُهم للعمليّة السياسية في اليمن). في وقت يزور فيه حاليا نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان واشنطن لغرض بحث المقترحات الأمريكية وسبل استئناف التسوية السياسية باليمن - بحسب قناة الحدث السعودية- وهي الزيارة التي رأى فيها جريفيت كذلك مؤشرا أمريكيا سعوديا ممتاز على دعم جهود الأممالمتحدة لجمع فرقاء الصراع باليمن على طاولة المشاورات السياسية ،المشاورات التي قال جريفيت الخميس أنها ستُدشّنُ مِن على متن سفينة تابعة للأمم المتحدة قبالة الحُديدة خلال يوم أو يومين. وهذا يشي إلى أن ثمة عمل دبلوماسي محموم يجري على مستوى يمني وإقليمي ودولي ،يرافقه رغبة سعودية متعاظمة للخروج من الوضع المتدهور باليمن. تأتي هذه التحركات بالتوازي مع انخفاض مستوى التمنَع لدى الحكومة اليمنية في الرياض بشأن مدينة الحُديدة والساحل الغربي،-وهو التمنّعُ الذي ظل يلازم خطابها منذ توقيع اتفاقية استكهولم -وتزايد رغبتها بطيِّ موضوع الحُديدة دون شروط مسبقة، خصوصاً بعد أن أضحى موضوع اقتحامها ضربٌ من المستحيل وبالذات بعد انسحاب القوات الإماراتية ، وتزايد انسحابات القوات الجنوبية من هناك بوتيرة كبيرة على خلفية أحداث الجنوب الأخيرة, وهذه المؤشرات تدل قطعا على أن الحُديدة هي النافذة التي ستطل من خلالها الرياض على عميلة التسوية المتوقعة ،وهي البوابة الواسعة التي ستشرعها أمام نفسها وأمام الجميع للخروج من دوامة عنيفة تعصف بالكل منذ قرابة خمسة أعوام. فليونة الخطاب الإعلامي السعودي بالأيام القليلة الماضية نحو الحل السلمي للأزمة باليمن يشير إلى أن المملكة العربية السعودية أدركت نهائياً استحالة الحسم العسكري لإسقاط الحركة الحوثية في صنعاء وتعثر جهود التحالف باستمالة قوى حليفة فاعلة بالشمال يمكن الركون عليها. زادت هذه القناعة السعودية تترسخ بعمق بالأسابيع الماضية مع إعلان الإمارات سحب قواتها من شمال اليمن, وتفجر الأوضاع العسكرية بالجنوب، بين القوات الجنوبية التي يقودها المجلس الانتقالي الجنوبي المسنود من الإمارات, وبين قوات موالية للشرعية في عدن، وامتدادها الى شبوة، وما تلاها من تأزم للعلاقة بين الدوليتين بشكل أكثر وضوحا ممن كان عليه بالسابق. فالسعودية ترى في ومواراة الحكومة اليمنية من المشهد أو حتى إضعافها أكثر مما حاصل لها من ضعف سيفقد التحالف -والسعودية تحديدا - مصوغ شرعية حربها باليمن، فضلاً عن الضغوطات الهائلة التي تتعرض لها الرياض من الحكومة اليمنيةالموجدة هناك، وهو الأمر الذي دفع المملكة الى أن ترمي بكل ثقلها السياسي والإعلامي وحتى العسكري الى جانب قوات الشرعية في شبوة لتطييب خاطرها والتهدئة من روعها نظير ما حدث لها في عدن وأبين من تجاهل واستخفاف. إلا أن هذا التطييب الذي بلغ ذروته بهزيمة قوات الانتقالي بشبوة رأت فيه الإمارات إهانة وصفعة لها من السعودية وحزب الإصلاح قبل أن تكون صفعة لحلفائها الجنوبيين وقواتهم العسكرية والأمنية، كما أنها ترى في الدعم العسكري والسياسي والإعلامي اللامحدود الذي تقدمه الرياض للشرعية في شبوة بالذات دعماً مُبالغاً به ويصب بمصلحة حلفاء قطرباليمن، وسيشكّل معضلة للتحالف في اليمن في قادم المراحل، وهذا ما دفع الإمارات الى الرد بالمثل في عدن وعلى مشارف المدينة، حين قصفت طائراتها قوات تتبع الشرعية كانت تعتزم التوجه صوب عدن أودت بالعشرات من القتلى والجرحى. وتحت غبار هذه التطورات الدراماتيكية المتسارعة، وكثافة نقع المعركة الإعلامية والسياسية المحتدمة بين القوى المتصارعة المنضوية تحت لواء التحالف ,وما تلقيه بظلالها الداكنة على مستقبل العلاقات بين الرياض وأبوظبي، وتعثر الحسم العسكري شمالا، والانسحاب العسكري الإماراتي التدريجي الذي أبقى الرياض وحيدة تغوص في رمال اليمن المتحركة فقد وجدت السعودية أنه لا بد مما ليس من بدٌ, بالتوجه صوب الطاولة السياسية كمخرج وسُلَم طوارئ سياسي آمن, ولسان الحال السعودي يردد: الانسحاب الذي يحفظ كرامتك وهيبتك هو انتصارا بحد ذاته. ولا نستبعد أن المملكة هي من أوعزت لواشنطن بتبني فكرة الحوار المباشر مع الحوثيين لئلا تبدو بموقف من يتوسل التفاوض مع الحوثيين, الذين لم يعلقوا على هذه الإنباء حتى اللحظة، في وقت استطاعت فيه الرياض بالأسابيع الماضية أن تروّض حزب الإصلاح -أقوى اللاعبين بالساحة – وتضعه تحت سطوة سياسة العصاء والجزرة، بعد أن تلاعبت بأعصابه الى أبعد مدى, حين خلقت له حالة الهلع بسيطرة الانتقالي الجنوبي بسهولة على عدن وأبين بسهولة، قبل أن تصالحه في شبوة. وتحت هكذا تنويما سياسيا تتبعه السعودية مع حزب الإصلاح وعلى وقع الأحداث الأخيرة وتضاعف عدد الهجمات الحوثية على الحد الجنوبي السعودي وعلى المصالح الحيوية -من مطارات ومناوشات نفطية - فلن نستبعد أن تنفرد المملكة بتسوية مع الحركة الحوثية" أنصار الله" -على خطُى تجربة تفاهمات ظهران الجنوبيين لتبدد من خلالها مخاوفها الأمنية ,وتشكل هذه التسوية المفترضة " توطئة لتسوية سياسية وأمنية مع باقي القوى بالساحة اليمنية والإقليم, وربما يتم إشراك الجنوب هذه المرة بهكذا تسويات منتظرة، سواء من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي منفردا أو بمعية قوى وشخصيات جنوبية بالداخل والخارج هي نصيرة للقضية الجنوبية.