ظلت على مدى عقود "الأخطاء الطبية" واحدة من المعضلات التي تواجه الكثير من دول العالم، وتسببت بموقف ملايين البشر على مدى عقود، بيد أن الكثير من الدول بدأت سن قوانين وتشريعات مقترنة بمساعي عملية للحد من تلك الأخطاء، ومحاسبة المقصرين. الرياض: تأخذ الأخطاء الطبية أشكالا عدة، وهي ليست ظاهرة محلية مقتصرة على دول بعينها، بل مشكلة عالمية تعاني منها معظم دول العالم بما فيها الدول التي تمتلك أنظمة صحية متطورة لكن هذا لا يبرر وقوعها بالتأكيد.
في السعودية حضر مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز مرة أخرى بعد أيام من قضية الطفلة رهام الحكمي، إذ كشفت فتاة سعودية اسمها أبرار أنها وقعت ضحية وثيقة كشف طبي مزور صدر عن أحد المستشفيات الحكومية، وجاء في التقرير الطبي بأن شاباً تقدم للزواج بها سليم ولايعاني من أمراض، إلا أن التقرير لم يكن صحيحاً إذ وقعت الفتاة ضحية انتقال مرض الإيدز لها من زوجها.
أسباب الأخطاء الطبية:
لعل من أبرز أسباب الأخطاء الطبية: تأخر وصول نتائج التحاليل في الوقت المناسب أو عدم توفر هذه النتائج على الإطلاق، وعدم فحص المريض بشكل جيد، ونقص تدريب الطاقم الطبي، والتشخيص الخاطئ أو نقص في الأجهزة الطبية.
ودفع انتشار هذه الأخطاء بعض مراجعي المستشفيات الحكومية إلى اللجوء لأكثر من طبيب حتى لا يقع ضحية الإهمال، وتؤكد الدراسات أن خمسة ملايين شخص ماتوا بسبب الأخطاء الطبية خلال العقد الماضي في كل من أوروبا وكندا والولاياتالمتحدة الأميركية وأستراليا ونيوزلندا، وتقدر قيمة الخسارة الناتجة عن تلك الأخطاء بنحو 1 تريليون دولار.
ومع أن الولاياتالمتحدة تعد أكثر دول العالم إنفاقا على الرعاية الصحية بواقع 1.5 تريليون دولار سنويا فإن عدد الموتى بسبب الأخطاء الطبية يبلغ حوالي 120.000 شخص بينما يصل عدد المصابين إلى مليون شخص، ووفقا لوزارة الصحة الفرنسية فإن 400 خطأ طبي يرتكب يوميا أي حوالي 150000 سنويا.
في عام 1997 صدر تقرير الأخطاء الطبية في الولاياتالمتحدة الأميركية مما دفع الرئيس كلينتون حينها إلى تشكيل لجنة لدراسة الأمر ووضع التوصيات اللازمة التي أدى تطبيقها إلى تقليص عدد الوفيات الناجمة عن الأخطاء الطبية بنسبة 50% خلال أول خمس سنوات من تطبيق التوصيات، وفي بريطانيا يبلغ عدد الوفيات الناتجة عن الأخطاء الطبية 40.000 شخص سنويا، و يتوقع أن تتضاعف هذه الأرقام في الدول النامية حيث الإحصاءات غير متوفرة وسبب الوفيات غير معروف.
في الأردن قامت مديرية الرقابة على المؤسسات الصحية بتحويل 46 حالة خطأ طبي في عام 2006 إلى القضاء التي تراوحت بين الوفاة و الإعاقة الدائمة، وفي البحرين سجلت لجنة التحقيقات البرلمانية وجود 1202 ادعاء بالتسبب بوفاة ناجمة عن خطأ طبي عام 2003 و1201 ادعاء عام 2006 حسب بعض الأرقام المصرح بها.
ورفعت للقضاء السعودي أكثر من 1120 دعوى قضائية بسبب الأخطاء الطبية في عام 2005، ويتحدث البعض أن الأخطاء الطبية التي تشهدها المستشفيات السعودية أكبر بكثير من الإحصاءات الرسمية التي تصدرها وزارة الصحة فكثير من الحالات لا تسجل نتيجة عدم شكوى المتضررين أو اعتبارها قضاء و قدر أو لعلم أهل المريض بعدم وجود قانون يحميه، وتنوعت هذه الأخطاء بين عملية تبديل المواليد كما حدث في منطقة نجران، وصرف أدوية خاطئة وعمليات غير دقيقة مرورا بالتسبب بالوفاة , ووصولا إلى نقل فيروس مرض نقص المناعة( الإيدز).
تحديد معيار الخطأ الطبي
يعتقد المراقبون أنه يجب أن تكون هناك عقوبات محددة ليتجنبها الطبيب ويطالب بها المريض إن تم التقصير في تقديم الخدمات الطبية له، وتكون بمثابة مرشد للمريض في حالة وجود أخطاء طبية، وقد تم إعداد مبادئ توجيهية طبية في الولاياتالمتحدة الأميركية على مستوى كل ولاية يستعين بها الطبيب في تحديد المعيار الطبي الواجب اتباعه في الإجراءات الطبية وبعد ذلك تبنت الحكومة الفيدرالية معيارا ومبادئ طبية على مستوى جميع الولايات أصبح لها تأثير واضح في تحديد المسؤولية التقصيرية القانونية في حال الخطأ الطبي.
تجارب عالمية
أدانت المحكمة العليا في باريس د.ستيفن دولاجو وشركة تأمين لدفع 37000 يورو لمزارع اتهم الجراح بوضع الفقرة في الموضع الخطأ عندما أجرى له عملية أسفل الظهر.
وفي 2002 حاول البرلمان الفرنسي أن يوفق بين حقوق أصحاب المهن الصحية وحقوق المرضى فأقر قانون ينص على إنشاء المكتب الوطني لتعويض الحوادث الطبية، وقسم عبء دفع التعويض المالي عن الخطأ الطبي بين هذا المكتب وشركات التأمين، وفي عام 2008 أقرت الإمارات قانون المسؤولية الطبية الذي يتضمن أحكاما خاصة بالأخطاء الطبية.
في ديسمبر 1994 رفعت امرأة شكوى للبورد الأميركي تفيد أن طبيب المسالك البولية الذي يعالج والدتها المسنة أخطأ في تشخيص حالة والدتها وافترض أن الدم الموجود في عينة البول هو نتيجة التهابات في حين أنه تم اكتشاف أنها مصابة بسرطان المثانة وفي حالة متقدمة لا ينفع معها العلاج لذا توفيت بعد فترة و جيزة، فقام البورد الأميركي للولاية بمراجعة الحالة ومراجعة تاريخ الطبيب ولكن نظرا لامتياز تاريخ الطبيب طيلة عمله الطبي فلم يرى البورد أن الأمر يحتاج إلى عقاب فأحال القضية إلى برنامج التوسط و التفاوض الطبي لكن المرأة لم تقبل أية تعويض مادي عن والدتها فما كان من الطبيب إلا الاعتذار وقبول اقتراحها بالانضمام إلى دورة تعليمية طبية عن سرطان المثانة كما تبرع بألف دولار للمجمع الأميركي للسرطان.
في المقابل، أمرت محكمة عليا أميركية شركة جونسون أند جونسون و شركة ماكنيل بي بي سي التابعة لها بتعويض سامانثا ركيس، البالغة من العمر الآن 16 عاما ووالديها ب109 مليون دولار بعد انتكاسة هددت حياتها بسبب تناولها دواء مسكن لآلام الأطفال الذي أدى إلى تلف بدماغها وعجز بنسبة 20% في رئتيها كما أصيبت بالعمى وتبدل 90% من جلدها وكان هذا المبلغ بسبب عدم تحذير الشركة المذكورة المستهلكين من الآثار الجانبية للدواء كما ادعى الوالدين.
وفي الإمارات ألزمت إحدى المحاكم شركة طبية بدفع 2.5 مليون درهم كتعويض لمريض أصيب بكسر في فقرات الرقبة وتمدد في النخاع الشوكي أدى لإصابته بعجز بنسبة 80% في أطرافه العلوية و السفلية.
أما في لندن فقد دفعت السلطات الصحية البريطانية في 2013 أكثر من مليون جنيه استرليني كتعويضات لمرضى، لقيام جراحين باستئصال خصيتيهم بالخطأ، كما نجح 56 مريضا في الحصول على تعويضات مالية في السنوات الأربع الماضية بسبب وقوعهم ضحايا أخطاء الجراحين.