مع ازدياد الكم الهائل في الحصول على شهادات الدراسات العليا من الماجستير والدكتوراه ،خصوصاً في مثل هذا الظرف الذي نعيشه نحن اليمنيين ، ثمة تساؤلات طرأت على بال الكاتب في معرفة أهم العوامل التي جعلت عقارب الساعة تمشي عكس ماهي عليها ، فضلاً عما قد يتفق عليه جميع القُراء أن أغلب أو معظم دكاترة الحاضر - حديثي الحصول على الدكتوراه - ليسوا كدكاترة الماضي من حيث الحصيلة العلمية والمعرفية التي نلمسها على واقعنا في المؤسسات التعليمة ، فصارت الشهادات العليا تتصدر أرقام هائلة من بعض الدول كماليزيا ، تركيا ، الهند ، السودان ، وغيرها من البلدان الأخرى ، دون إحراز الحصيلة المتوقع حصولها في هذا الإطار الأكاديمي. إلا أن هناك مِن الكُتّاب من انتقد فكرة المسبحة التعليمية حد وصفه "ثانوية ، بكالوريوس ،ماجستر ، دكتوراة " متسائلاً ما الذي أضافته هذه المراحل إلى رصيد هذا الطالب أوالباحث ، مدعماً تعليله أنه كلما زاد المقبلون على الدراسات العليا زادت فجوة الإخلال بالمسار التعليمي على مستوى المؤسسات وإدراتها. ولا يخفاك عزيزي القارئ، عن أن بعض الشركات التكنلوجيه كقوقل وآبل وغيرها من الشركات ، صارت تشترط الخبرة عن الشهادة ، لاسيما في الوقت الذي يفضلون فيه الإعتماد على مواهب مختلفة بمجالات الرقمنة والحوسبة السحابية وغيرها من المناحي المعقدة على مستوى التكنولوجيا، ولا شك أن ذلك سيفتح الباب أمام المواهب الحقيقية لإقناع تلك الكيانات العملاقة ، وهذا ما أكدته شبكة (سي إن بي سي) حيث قالت أن عشرات الشركات العالمية المتخصصة في مجالات التكنلوجيا والكمبيوتر قد بدأت بشكل فعلي في اتباع سياسات مغايرة على مستوى التطبيق والتطوير التقني، مشيرة إلى أن الموهبة ستكون هي الركيزة الرئيسية لها في اختيار الخبراء والمطوِّرين العاملين لدى تلك الكيانات العملاقة ، وبالتالي فإني أتفق مع من يُرجح أنه مع المدى الطويل سنجد أن الدراسات الأكاديمية التي تعني بالتقنية قد تشهد تغيراً جذرياً أكاديمياً لتوفير مناهج متقدمة تُسهّل من انخراط طلابها في الوظائف المرموقة بشركات كغوغل وغيرها مثلاً. إلا أني أرى أن الإلمام بمناهج البحث العلمي وقواعده ، والتعمق في التخصص لدى الباحث، والتوسع بالقراءة والإطلاع يعزز من نضاله ، ويضمن له المسار الصحيح لنيله شهادة اكاديمية ، لا سعياً وراء الشهرة ورغبة بمناداته بلقب دكتور، وصار البعض يتضايق من عدم مناداته بهذا اللقب كما نرى في وقتنا الحالي ، وعدم الاستشعار أنها مسؤولية وتكليف أمام الله وامام البشر لا تشريف فحسب. بيد أننا صرنا لا نعتبر الحصول على هذه الشهادة الأكاديمية معياراً كافياً على الإطلاق؛ كون بعض المؤسسات العلمية لا تعمل بالمعايير العالمية ، حتى صار القصور في المعرفة غير مستنكر بشدة ،وأصبحنا نلاحظ قلة القدرة على تقديم الحلول في المشاكل التي تعايشها مجتمعاتنا ، فصرنا نتساءل إذن فما مدى اعتبار هذه الشهادة ، والى أين المصير؟ فأحياناً يقع في نفوسنا الإجلال والقدر المبجل لشخصية ما ، كونه يحمل شهادة عليا " دكتوراة " مضيفاً جوار اسمه حرف الدال ، فنفاجئ ببعض منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي ، تحمل ركاكة في مدى موسوعته الثقافية ، وعدم إلمامه بقواعد اللغة والإملاء ، وخلو تعبيره من اللغة الأكاديمية التي من المفترض أنه يتميز بها عن غيره ، ليس إلا برهاناً للمجتمع الذي حوله أنه متخصص ومتمكن في مجاله، وأنه انفق سنوات من لُب عمره من الجهد والوقت في دراسته وبحثه ، ولم تضيع هدراً ، وأنه أهلٌ لما هو فيه..
وبالمقابل تجد بعض المتخصصين في الدراسات العليا من حملة الشهادات الأكاديمية ، يجذب انتباه الناس ومن حوله في إثرائه حول بعض المواضيع التي لا تربطه بها أي صله ، سوى أنه أكاديمي مثقف وواسع الإطلاع ، حتى أنه يزرع في نفس القارئ الشك أنه أحد متخصصي هذا المجال الذي يثريك من ثمراته. فنحن في الحقيقة مازلنا بطور التعلُم ، ولعل هذه الكلمات ستحفزنا أكثر عندما نكون أهلا ً لحملة هذه الشهادة الأكاديمية ، وحتى لا أخرج عن صلب الموضوع، فمن العوامل التي لا تجعل هذا الطالب أو الباحث يتفنن في إتقان تخصصه ، ويتحمل المسؤولية التي كُلف بها نحو مستقبله من وجهة نظري: أولاً : زعمه أن الهدف من الدراسات العليا ليس إلا رغبة ً في الحصول على لقب دكتور ؛ كي يتميز أو يتفاضل به عن غيره.. ثانياً : التخطيط للعمل في مجال خاص خارج إطار تخصصه منذ أول وهلة أن يضع قدمه على هذه المرحلة ، مما يُوّلد في نفس المقبلين على الدراسات العليا نوعا ً ما من الإحباط ؛ نتيجة إهمال ما قام به من جهد ثم لجأ لعمل خاص كالتجارة أو بعض الحِرف ، دون أي مسوغ منطقي. ثالثاً : الخوض في هذه المرحلة إرضاءً للوالدين دون قناعة ذاتية ؛ نتيجة ضغوط عائلية مما يضطر الطالب أو الباحث أن يتجاوز المدة القانونية المقررة في اللائحة الجامعية دون أن يحقق هدفه بالكامل. رابعاً : وهذا ما يُراود كل من هو مهتم بدرجة الماجسيتر فقط ، أن يكمل دراسته ثم يقرر العودة الى وطنه ، فيجد أن أمامه حواجز تجبره على البقاء خارج وطنه ؛لأنه لو عاد الى موطنه دون أن يعمل ستندثر معلوماته التي جناها ، ويصاب بالإحباط ؛ نتيجة البقاء في البيت دون العمل خلال هذا الظرف التي تعيشه بلدنا ، لذا يلجأ العديد من الطلاب في مواصلة مرحلة الدكتوراه ، وإن كان يعتقد أن سوق العمل لا يتطلب منه كأعلى شهادة سوى الماجستير، وهو المتعارف عليه في المؤسسات والشركات ، وأن الدكتوراة شهادة تهتم في الجانب الأكاديمي كالجامعات والمؤسسات التعليمية ...الخ ختاماً وأخيراً : ومما يجدر به الإشارة في هذا السياق أن أوجه نصيحة لكل طالب وباحث مبتدئاً بنفسي "أن نُعيد ترتيب أوراقنا أول بأول خصوصا ، ونحن في السنوات الأُول ، وأن نُعَبِّد طريق سُلمنا الأكاديمي بنشر الأوراق البحثية المُحكَّمة من قبل المجلات العالمية المعتبرة ، والتي لها صيتها بين النخب الأكاديمية والباحثيين ، فهي بمثابة الخبرة لك أيها الباحث ، وأن نتفنن في في إتقان لغة أجنبية على الأقل ؛ كي تتلائم أو تتواكب رسالتنا مع الواقع الذي نحن فيه ، و نكون نخبة لها اعتبارها بين الأمم.