متابعة وترتيب / الخضر عبدالله : (عدن الغد) تنفرد بنشر مذكرات ( الطريق إلى عدن ) الرئيس علي ناصر : الحلقة ( الثامنة ) النفوذ البريطاني في الجنوب أوقف الحروب القبلية ولم تنته الحروب القبلية في دثينة إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وامتداد النفوذ البريطاني إلى إمارات وسلطنات ومشيخات الجنوب حيث تم صلح شامل في كافة مناطق الجنوب بواسطة البريطانيين والضابط البريطاني فكس، وفي المنطقة الشرقية قام الضابط السياسي ماكنتوش في عام 1951م بإخضاع قبائل العوالق السفلى والعوالق العليا وأصبحت المنطقة تحت النفوذ البريطاني وقد استخدم معهم سياسة الترغيب والترهيب، حيث كانوا يقدمون لهم الذخائر والرواتب لكسب ولائهم للسلطات البريطانية. ولكن الأهم من سياسة الحزم في ترويض القبائل هو تعليم أبنائهم احترام النظام والقانون والإدارة وفتح فرص التجنيد والتوظيف لهم. دخول الانجليز إلى دَثينة عام 1942م لقد حدثنا العم سليمان عن دخول الإنجليز إلى هذه المنطقة التي أنهكتها الحروب بين القبيلتين المذكورتين وقبائل المنطقة الأخرى مثل: الحرب بين أهل منصور وأهل زامك ، وبين أهل باجعم وأهل زامك (1)، وأهل محكل وأهل ناصر حسين، وبين المياسر وآل وليد، وبين المياسر والسعيدي وغيرها من الحروب.. حروب صغيرة وكبيرة، لا تتوقف إلا بتدخل الشيخ (2) أو السيد، أو الضابط السياسي البريطاني. وهذه الحروب هي التي مهدت الطريق أمام البريطانيين، لمد نفوذهم إلى المحميات الغربية والشرقية لعدن، بعد أن كانوا يرتبطون معها بمعاهدات حماية وقعوها مع سلاطينها.. أما الآن، فبعد أن أنهكت تلك الحروب القبائل الكاسرة القاطنة في تلك المنطقة، فقد دخلت إليها القوات الإنجليزية في الأربعينيات من القرن العشرين من غير قتال.. ولم تكن قبل ذلك تجرؤ على أن تطأ أقدامها هذه الأرض.. وكان الإنجليز من موقعهم المريح في المستعمرة (عدن التي احتلوها في عام 1839م) يغذون هذه الفتن والحروب، ويمدون كل الأطراف، والقبائل بالسلاح والمال ضمن سياستهم التي عرفوا بها: (فرق تسد).. دخول بريطانيا مناطق دثينة وقد اكتوت قبيلة أهل حسنة وبقية قبائل دثينة بنيران تلك الصراعات والحروب مما أضعفها وسهل على الانجليز دخولها دون صعوبة تذكر.. وقد قال شاعر آل فضل المشاكس منصور عشال عن أهل حسنة ودثينة لدى قبولهم بدخول الإنجليز إلى أراضيهم: دام البقاء لله يا ارض امحساني سامحش ويقبلش في خير وإحساني لكن الشاعر عشال ما لبث إن أصيب بالإحراج عندما دخل الإنجليز ارض قبيلته في الوضيع التي ينتمي إليها فقال مبررا : أنا لا أدبوني قد تأدب بحر مالي يعصرونه يخرجوا القير من الحالي وقال: الا سال ما شمسان لما أملى الرمال خمستعشرالف دي عديت سركالي لا كان هو فارس لفارس ما نبالي با لسي ميدان للفتنة ولقتالي وفي ذات الموضوع قال الشاعر بن علي مقبل: يا ابن فرج شع كن حكم الله درج جات الفرنجية مقاطيع النصيب من بعد ذاك الهرج والمهرى العوج عقالكم تصبح كما البحري (3) الأديب . وقد رد عليه اليهودي منصور صالح: يا بن علي مقبل مقادير السماء دي جابت المطلوب إلى عند الطليب هذا أعجمي ماشي معانا له بصر ولا معي منشار يقطع بالقضيب . لا مجال للمعايرة أمام عدو يملك القوة وهكذا أدرك شاعرنا أن لا مجال لمعايرة الآخرين لعجزهم عن مقارعة عدو يملك كل أسباب القوة بينما هم في حالة من الضعف والتفكك لا تسمح لهم حتى بالحد الأدنى من القدرة على المقاومة الفاعلة ضد الاستعمار البريطاني الذي بدأ بترويض سكان المنطقة الذين كانوا قبائل مقاتلة بالفطرة، عبر تشجيع الفلاحين على زراعة محاصيل جديدة مثل القطن والخضروات والفواكه. وشكَّلوا جمعيات تعاونية لهؤلاء الفلاحين الذين كان عليهم أن يكدوا ويكدحوا طويلاً ليجنوا في الأخير مبالغ بسيطة وزهيدة من ثمن الطماطم، والبطاطا، والبامياء، والبرتقال والليمون، بعد أن أقلعوا عن عادة حمل السلاح واحتفظوا به في بيوتهم.. وحملوا بدلاً من البنادق المجارف والفؤوس. بداية التعليم في دثينة وبعد دخول الانكليز والصلح بين القبائل بدأ الاهتمام بالتعليم الابتدائي من البنين والبنات وهاتين الصورتين تتحدثان عن التعليم في مدرسة مودية. وقد تأثرت مودية بعدن لان كثير من ابنائها هاجروا الى عدن والى خارج عدن وعادوا الى مودية ليساعدوا في انتشار التعليم والزراعة وبعض المظاهر المدنية كافتتاح المطاعم وصالونات الحلاقة وعدد كبير من المحلات التجارية ودخول الحراثات والمضخات لاول مرة لزراعة الخضار والفواكه وفي وقت لاحق الكهرباء وشقت المجاري الى خارج المدينة واعتقد انها كانت سباقة على غيرها من المجميات باستثناء لحجوحضرموت . وتراهم في الصورة بعدما تنظفوا ولبسوا ملابس الفرقة الكشفية لأول مرة في حياتهم وكان لعدن تاثيرها على المحميات الشرقية والغربية. اخضاع القبائل وتقليم اظافرها ومن الأساليب الاستعمارية التي اتبعتها بريطانيا لإخضاع القبائل عندما قررت الدخول إلى المحميات في الثلاثينيات والأربعينيات أرسال عدداً من الضباط البريطانيين المتخصصين في إدارة شؤون القبائل والمحميات بعد أن أعدتهم إعداداً جيداً من حيث دراسة اللغة العربية والتقاليد والعادات الشعبية وطلبت منهم إخماد الثأر القبلي والفتن والحروب تمهيداً لحكم استعماري مستقر وإدارة حديثة، وكان أبرز هؤلاء الضباط في المحميات الشرقية: (حضرموت والكثيري والقعيطي) المستر أنجرامس (4) ومساعده مستر فيكس. وقد كانوا يلجأون كما كتب عن ذلك انجرامس عام1939م إلى الترغيب والترهيب وقد كتب يقول: إنه يشعر بالاشمئزاز من الغارات الجوية التي كانت تشنها الطائرات الحربية البريطانية ضد القبائل، "لكن عندما لم تنفع التحذيرات اتخذت التدابير وأنزلت العقوبة ووقعت الخسائر". وشرح كيف تعد الحملات التأديبية، "فهذه الوسيلة العنيفة من العقوبة تنفذ من أجل تحقيق النظام وتستعمل فقط ضد القبائل التي تقوم بإعمال السلب والنهب والقتل، حيث كانت مثل هذه القبائل تمنح فرصة لدفع غرامة كبيرة، ويستدعى الزعماء للحضور في زمان ومكان محددين على أن يحضروا النقود والبنادق والجمال بقيمة الغرامة، ويوقعون في ذلك الزمان والمكان معاهدة مع الحكومة العربية الشرعية التي تضمن سلوكهم السلمي في المستقبل. وإذا لم يستجيبوا لذلك النداء يتم توجيه تحذير أخير ينذرهم بأنهم سيقصفون بالطائرات إذا لم يحضروا خلال أربع وعشرين ساعة. انضمام القبائل لصلح " انجرامس " وفي الوقت ذاته ينصحون بإبعاد قطعانهم وممتلكاتهم من الأماكن التي ستستهدف بالقصف. وتعين لهم بئراً للشرب ويكونون في أمان في الأماكن التي تم تحديدها، ويشرح لهم كيف يرسلون إشارات للطائرات إذا رغبوا في التسليم. وكمقدمة للقصف الجوي ترمى أولاً القنابل الدخانية فقط وبعد ذلك يبدأ القصف، ولا يتم القصف عند رؤية بعض الناس في منطقة القصف وتتطابق هذه المعلومات مع معلومات رئاسة سلاح الطيران الملكي في عدن عن الاستعدادات المكثفة للحملات التأديبية.. وكان للحملات التأديبية في منطقة حضرموت كما يورد انجرامس رغم العدد المحدود للقتلى والذين بلغ عددهم ثمانية قتلى في أربع حملات تأديبية أثر جماعي واضح ويعود ذلك كما أورد إلى الطبيعة المسالمة لأبناء هذه المناطق.. كتب انجرامس: "ورغم أنهم اعتادوا في حروبهم التي كانت تستمر لفترات طويلة، أن يسقط عدد أكبر بكثير من الضحايا، إلا أنهم في الواقع سوف يعبرون بروح عالية عن شكرهم فقد تحاربوا وسالت الدماء وهذا الوضع يمكنهم من الانضمام، "لصلح انجرامس" من غير أن يفقدوا ماء الوجه مع أعدائهم القدامى". ويقول "انجرامس "إن المقارنة التي عقدها فيلبي بين تلك الحملات بالقصف الإيطالي في الحرب الحبشية كانت خطأً كبيراً. فالفرق يكمن في أن تلك الحملات في حضرموت جاءت استجابة لتوسل قادتها في طلب المساعدة البريطانية لتخلصيهم من الحروب المهلكة التي لا تنتهي. وليس هنا غزو من منطلق الغرور لبلد حر، وليس هنا هجوم من دولة كبرى فتاكة على شعب يدافع عن استقلاله. بل عقوبة على عصابات نهبت وقتلت أبناء وطنها. ليس هنا غزو حربي ولكن سلطة قانونية تؤسس النظام وتضبط الأمور. وقد مورست بعض هذه الأساليب في الصبيحة وردفان والضالع والعواذل والعوالق والفضلي ودثينة. حيث حاول مساعده مستر فيكس أن يستفيد من هذه الخبرات والتجارب التي اكتسبها في حضرموت ليطبقها على قبائل دثينة الشرسة في منتصف الأربعينيات, فقد حاول إخضاع القبائل عن طريق إجراء تجارب بالمدافع والقنابل على الجبال وتحليق الطائرات والمرور على القرى والجبال لخلق حالة من الرعب لإخضاعها، ومن ثم فرض النظام والاستقرار في هذه المناطق الإستراتيجية التي تربط بين محميات عدن الشرقية والغربية والمملكة المتوكلية اليمنية. هوامش 1- الشيخ هادي علي كان متخاصماً مع آل زامك وهم من قبيلة واحدة وتقاتلوا بعد ذلك. وكلف آل زامك احد عبيد هادي علي بتفجير حصنه وبعد نجاته بحث عن العبد ولما علم انه هرب الى جيبوتي ذهب الى هناك واحضره وعلقه في الحصن حتى اعترف بفعلته .
2- الشيخ هنا ليس شيخ القبيلة، بل رجل من سلالة عمر بن سعيد المقبور في قرية امنجدة قرب مدينة لودر، اومن سلالته في المدارة، وأشهرهم علي بهلان (بن هلال) ومن سلالته آل حيدر علي وآل عبد القادر ومنهم آل شايع وآل علي وآل شفا وآل عبد الحامل، و كان الشيخ عادة يحمل رمحاً وفوقه راية أو علماً ويتدخل لوقف القتال بين المتحاربين عندما يخفق الآخرون في ذلك, بالإضافة إلى آل علي امبوباكر وآل المعيليقي. 3- ابن الجمل الصغير . 4- - انجرامس: وليم هارولد انجرامس ولد في 3 فبراير 1897 م وتوفي في 9 ديسمبر 1973م ،شارك في الحرب العالمية الأولى من (1914 – 1918) وجرح فيها جرحاً بليغاً، عين مساعداً للحاكم العام لمنطقة زنجبار (شرق إفريقيا) وعين ضابطاً سياسياً في مستعمرة عدن في العام 1934م، وكان المستشار المقيم لبريطانيا في المكلا (1937 – 1944) وحاكماً لمستعمرة عدن بالإنابة في العام 1940 والوكيل الأول بحكومة عدن في العام (1940 – 1942)، عام 1930 اخضع الضابط المغامر المستر انجرامس حضرموت، وفي العام 1934 قام بإخضاع منطقة احور تحت النفوذ البريطاني. .