الحمد لله القائل (( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ))*والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين .. أما بعد غابت الشمس وأفل القمر ، رحلت أمي ورحل أبي ولم تفصل بين رحيلهما غير سبعة أشهر فقط في العام 2019م وهو العام الذي يحق لي أن أطلق عليه بعام الحزن ، لأنه العام الذي فقدت فيه أغلى الناس ، العام الذي فقدت فيه أمي وأبي اللذين غادرا في رحلة أبدية من الحياة الدنيا إلى الدار الآخرة . ففي الوقت الذي لم أستفق من صدمة رحيل أمي الغالية وما أحاط بِنَا من حزنٍ عميق على فراقها ، فقد دنى الأجل المحتوم الذي لا مفر منه من والدي الغالي ورحل عنّا في لحظة صمت لم نستطع خلالها من عمل شيئاً غير الاستسلام والرضى بقضاء الله وقدره . لقد تعودت صباح كل يوم وقبل ذهابي للعمل أن أمرُّ على والدي في غرفته لأسلم عليه وأستقبل منه ابتسامة رائعة ودعاء أبوي صادق أشعر بعده بالسعادة ، وفي يوم الأحد الرابع والعشرون من نوفمبر وكالعادة ذهبت إليه لألقي عليه تحية الصباح المعتادة فوجدته محاطاً بأخي العزيز الذي لم يفارقه خلال شهر من إجازته ، سلمت عليه فعانقني معانقة قوية مصحوبة بتنهيدة عريضة وقال (أنا راضي عنكما ) فأن دنى الأجل سوف أموت وأنا مطمئن لانني خلفت رجالاً قد أحاطوني بكل أسباب العيش الكريم ،، حينها فاضت عيناي بالدمع وشعرت وكأن خنجراً قد أخترق جسدي من شدة الخوف والحزن على أبي الغالي ، حاولت اخفاء مشاعري وتمالكت نفسي ووقفت بجانب أخي الذي كان يعمل المستحيل لمحاولة علاج الحمى التي كان يعاني منها في ذلك اليوم وعملنا ما ينبغي أن يعمله أي ابن تجاه والده ولم نكن ندرك أن ساعة الأجل قد دنت وأن ملك الموت قد أحاط بزوايا الغرفة من كل ناحية ، وبالفعل لم تغب شمس ذلك اليوم إلاّ وقد فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها فغادر وهو مبتسماً وفي نفس التوقيت الذي رحلت فيه أمي يرحمهما الله . عاش حياة طبيعية وهو معاقاً ومارس مهنته المعتادة في متجره الصغير الذي وفر له أسباب الحياة الكريمة، كافح الحياة ولم يعرف الهزيمة ، ولا مكان لليأس في قاموس حياته ، هزم المرض وهزم الإعاقة الذي رافقته خلال خمسة وأربعون عاماً وكان مسنوداً بامرأة عظيمة رافقته طيلة فترة حياته فأدركت حينها بل وآمنت بالمقولة العالمية الشهيرة ( أن وراء كل رجلٍ عظيمٍ امرأة ) ،، نعم !! لقد كان من أسباب صموده وتغلبه على صروف الدهر إمرأة عظيمة وقفت إلى جانبه وساندته ، إنها أمي الغالية يرحمها الله ، الأم والزوجة التي لم تستسلم إيضاً ولم تقف متفرجة ، بل ساندته ووقفت إلى جانبه فشكلا ثنائياً رائعاً قلما تجد لهما مثيلاً في هذا الزمان . أبي وأمي العزيزين : فبالقدر الذي أنا حزين على فراقكما ، بالقدر نفسه أنا فخورٌ بكما ، في حياتكم وبعد مماتكم ، لانكم مثلتما نموذج للأب المثالي والأم المثالية فكنتما ثنائياً رائعاً وقدوة يحتذ بها ،، فلن أستطع أن أجازيكما مقدار ما وقفتم إلى جانبنا وربيتونا التربية الحسنة ، ولن أستطع أن أفي بحقكم ولو كتبت عشرات المجلدات لأرثيكما . لم يكن بمقدوري عمل شيئاً لأصد الموت عنكما، لأن ساعة الأجل بيد الواحد الأحد سبحانه وتعالى الذي نرضى بحكمه ، فَلَو كان باستطاعتي عمل شيئاً لانتزاعت قلبي لأعيد لأمي نبض حياتها ولوهبت روحي لأبي الغالي لتستمر حياته ، ولكن ما هو بمقدوري أن قطعت عهداً امام الله بانني لن أنساكم ما حييت ، وسأظل أدعو لكم الله بأن يرحمكما ويغفر لكم ويسكنكم جنات النعيم . أستودعكم الله الذي لا تضيع عنده الودائع ،، وداعاً أبي وداعاً أمي ، وداعاً أيها الأبوين الصالحين ، وداعاً يا رمز الحنان والحب ، وداعاً يا نبع الأصالة والوفاء ، وداعاً يا أغلى الناس ،إلى جنة الفردوس أن شاء الله ولترقد روحكما بسلام . نسأل الله العلي القدير أن يرحمكما ويغفر لكما ويسكنكم الفردوس الأعلى ويجعل قبريكما روضة من رياض الجنة إنه سميع مجيب . والحمد لله رب العالمين