لايخفى على المتابع أن منطقة البحر الاحمر تشهد صراعات متوالية وتنافسا محموما وهذه الصراعات وان كان في ظاهرها الصراع العسكري او الديني إلا أن الطابع الحقيقي لهذا الصراع هو الصراع الاقتصادي وصراع على النفوذ في جنوب شبه الجزيرة العربية التي تحتل موقع استراتيجي مهم جدا بالنسبة للتجارة العالمية حيث أن المنطقة تسيطر على أهم الممرات المائية على مستوى العالم (مضيق باب المندب) الذي تمر منه اكثر من ثلث التجارة العالمية وتحوي المنطقة كذلك مجموعة من الموائى المهمة ولعل من اهم هذه الموانئ ميناء عدن الذي يعتبر من الموانئ المهمة عبر التاريخ *ففي عهد دولة أوسان* الذي اعادة لعدن مكانتها التجارية وامتدت نفوذ دولة اوسان في البحر الى السواحل الافريقية التي عرفت قبل الميلاد ب 400 سنه بالسواحل الاوسانية.... وبسبب الموقع الجغرافي الهام جدا فقد تعرضت عدن لموجات متوالية من الحملات من اجل السيطرة عليها وعلى مينائها او اضعاف مكانتها التجارية من خلال اذكاء النزاعات والصراعات والتنافسات بين القبائل.......
*هذه الصراعات والتنافسات في عدن* و منطقة البحر الاحمر قد تكون عن طريق التدخلات العسكرية والاحتلال والسيطرة وربما تكون من خلال الاتفاقيات والمصالح التي تحصل بين اطراف ودول قوية وبين الانظمة التي كانت تحكم المنطقة وفي الغالب هي انظمة وكنتونات ومليشيات ضعيفة تسعى للحفاظ على مكانتها وبقاءها من خلال الاستعانة ببعض القوى العالمية مقابل تقديم تنازلات وتوقيع اتفاقيات لاعطاء نفوذ لتلك القوى وامتيازات اقتصادية وعسكرية ....
*ولعلنا نشير الى ان عدن* لم تكن تمتلك أي موارد طبيعية تذكر ولكن موقعها بين مصر والهند جعلها ذات اهمية كبيرة نظرا لوقوعها في طريق التجارة القديم
مرفأ لمراكب تجار الهند وبلدة التجار فكان يجتمع اليها الناس ويحمل اليها متاع الهند والسند والصين والحبشة وفارس والعراق
*وفد وصفها الرحالة محمد بن أحمد المقدسي* وذكرها في كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، وقد أقام في اليمن عاما كاملا، ومما قاله في عدن (عدن بلد جليل عامر آهل، حصين، خفيف، دهليز الصين، وفرضة اليمن، وخزانة المغرب، ومعدن التجارات، كثير القصور، مبارك على من دخله، مثر لمن سكنه، مساجد حسان، ومعايش واسعة، وأخلاق طاهرة، ونعم ظاهرة، وبارك النبي صلى الله عليه وسلم في سوق منى وعدن. وهو في شبه صيرة الغنم قد أحاط به جبل بما يدور إلى البحر، ودار خلف الجبل لسان من البحر، فلا يدخل إليه إلا أن يخاض ذلك اللسان فيصل إلى الجبل. وقد شقّ فيه طريق في الصخر عجيب، وجعل عليه باب حديد، ومد وا من نحو البحر حائطاً الجبل إلى الجبل، فيه خمسة أبواب. والجامع ناء عن الأسواق (وهو الذي بناه عمر بن عبد العزيز، وقيل غيره). ولهم آبار مالحة، وحياض عدة هي الصهاريج، وهي قديمة موجودة في لحف جبل شمسان في الطويلة. وتمتلئ بالمياه العذبة من الأمطار، فتكفي أهل عدن حتى موسم الأمطار الثاني.
*لذلك مخطئ* من ظن يوما أن مايجري في عدن، مجرد نزوات ونزغات فردية عشوائية، سواء حالات الاغتيالات للعلماء والشخصيات الفاعلة وكذا الشخصيات التي تحمل فكر وراي والمداهمات العبثية والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون وكذا تشكيل المليشيات المناطقية وإذكاء الصراعات المناطقية و البسط المريع على اموال وممتلكات الناس تحت مبررات واهية والعبث بمصالح الناس ومقدرات البلاد وعدم تفعيل المرافق الحيوية والاجهزة القضائية وتحويل عدن الى قرية بعد أن كانت بندر عدن ونشر الافكار الهدامة بين شبابها بل هو عمل مخطط وممنهج؛ لتجريف عدن من كل مقومات نهضتها، وتشويه صورتها، وتفخيخها بآثار تلك التصرفات مستقبلا، وليلقى أبناؤها مصيرهم المحتوم من الصراعات الدموية الدائمة. كل ذلك حتى تتمكن القوى التي لها مصالح اقتصادية من السيطرة على عدن واضعافها وجعلها تعيش في دوامة مستمرة من الصراعات والعبث المتعمد فيها
*إنا ما نعيشه اليوم من تدخلات* وصراعات في اليمن وبالذات في عدن انما هي امتدادا للتدخلات عبر تاريخ اليمن القديم الذي شهد صراعات متتالية منذ القدم وتحت مبررات قد تكون متقاربة ( كمحاربة لصوص البحر قديما) (القراصنة حديثا) فإن كان مصطلح لصوص البحر استخدم في عهد (أوغسطس قيصر)289 ق..م عندما أرسل ( أوليوس غالوس) كما اشار الى ذلك جواد علي في المفصل مستندا إلى مانقله الجغرافي (سترابون) حيث كان يحلم أوغسطس أن يمتد حكم رومة الى الجزيرة العربية ويسيطر على البحر الاحمر وموانئه ويسيطر على الطرق التجارية ويحول البحر الاحمر الى بحرا روميا و لم يستخدم العمل العسكري المباشر الذي فشلوا فيه سابقا بل عن طريق تحسين اسطولهم البحري وتحسين علاقاتهم السياسية بالامارات العربية المنتشرة في تلك الفترة وبسادات القبائل للمحافظة على مصالحهم الاقتصادية وعملوا اتفاقيات مع الاحباش وكونوا حلفا معهم وبذلك أخذوا يضغطون منذ ذلك العهد على السبئيين ويذكر أن الرومان عقدوا معاهدة تحالف مع ملك (ظفار) وهذا دليل على وجود صلات بين الرومان وبين رئيس حمير في ذلك العهد القديم وهذه كانت محاولات من الرومان والبيزنطيين للتدخل بطريقة جديدة وبسياسات متطورة في شئون القبائل اليمنية والسيطرة على البحر والطرق التجارية
*وقد كانت تستخدم القوى العظمى* في ذلك الزمان التهديدات والإرهاب ضد اليمن إذا رأت استقرار وتطور يهدد مصالحها الاقتصادية والتجارية وقد شعرت القسطنطينية بأن مصالحها الاقتصادية بدات تتهدد فقامت القسطنطينية بتحريض الاحباش ضد اليمن فقامت مملكة اكسوم بتهديد اليمن بالغزو إن هي قاومت مصالحهم وتعرضت لسفنهم التجارية في البحر ولم تتوقف المحاولات بل أستمرت المحاولات من اجل اضعاف عدن حتى تفقد مكانتها
*يذكر محيريز* وجود نقش في متحف اللوفر يذكر عدن مقرونة بالصهاريج وكان هذا في عهد (ياسر يهنعم)ويذكر النقش اول معركة بحرية قامت للسيطرة على ميناء عدن وكيف تصدى أحد الاقيال اليمنيين للاحباش الذين حاولوا السيطرة على ميناء عدن وكيف انهزم الاحباش وتمزقت سفنهم وماتوا في بحر عدن
*ودائما ماكانت عدن ضحية للصراعات في المنطقة فبعد أن كانت مركز وميناء بحري للاسطول الاسلامي الى فترة ضعف الدولة العباسية التي سيطر عليها البويهيون وهم من الشيعة الجعفرية* فقد فقام هؤلاء بالسعي لاضعاف عدن وافقادها مكانتها من خلال تحويل التجارات الى ميناء جزيرة سيراف ونشطت التجارة فيها على حساب ميناء عدن ولما سيطر السلاجقة على الامر وانتهى دور بني بويه أفل دور ميناء سيراف وظهرت جزيرة قيس ونشطت التجارة فيها من خلال الميناء وهي منطقة تقع بين الاماراتوايران اليوم وهي اقرب لايران وتتبعها وايضا تطورت ونشطت على حساب ميناء عدن الذي كان في هذه الفترة خاضع للدولة الزريعية ويخضع للخلافة الفاطمية في مصر .... ثم قامت جزيرة قيس باحتلال عدن ومينائها بسبب الخوف من عودة عدن الى مكانتها التجارية وبالتالي سيضعف دور ميناء قيس التي تقع بالقرب من ايران