على الرغم من أهمية مكانة ودور رجل المرور في حياة أي مجتمع مدني حضري، إلاَّ انه جرت العادة - وتحديداً منذ العام 1994م عندما انقلبت الوحدة اليمنية على نفسها وأخضعت لخيارات الحكم القبلي العسكري الجهوي الأسري - على ضرب هذه المؤسسة الأمنية وتقليص أي دور لها فاعل داخل المجتمع. وذلك من خلال اضعاف شخصية منتسبي هذه المؤسسة من خلال تدني رواتبهم وعدم دعمهم بالوسائل اللازمة لفرض هيبة وسطوة وأثر نشاطهم من عربات وأجهزة رصد ومراقبة واتصالات، إضافة إلى التهاون والتفريط بمنظر وشكل رجل المرور، وإلغاء أي تميز يميزه. علاوة على تحييد قوانين المرور ومحاكمها وإضعاف دورها وحضورها المستمر، وترك الحبل على الغارب في تدخل جهات غير الجهات المرورية للفصل في المخالفات والحوادث المرورية والذي كان له الدور البارز في اسدال الستار نهائياً على أي دور منوط بالسلطة المرورية ورجال السير. لذا كان من غير المستغرب ان يتلاشى شيئاً فشيئاً احساس الناس أو ركونهم إلى السلطة المرورية في فرض نظم وقوانين السير والمخالفات المرورية، وتجاسرهم على عدم الخوف من ارتكاب المخالفات والحوادث بحضور رجال المرور أو عدم حضورهم كونهم يرون ويلمسون فيهم ضعف وغياب أي فعل لهم. وبسبب ذلك نلحظ انه قد تحول أداء رجل المرور أداء فردياً يرجع إلى حماسة وغيرة ومعرفة من يحاول أن يفرض وجوده كرجل مرور له مكانته، وعليه ان يتحمل نتائج غيرته ومحاولته فرض سلطته كرجل مرور والتي قد تنتهي نهايات مأساوية تمس شعوره ووجوده وإنسانيته، وهو ما يجعل حتى هؤلاء القلة ممن يحاولون كسر قاعدة التسيب المروري يتراجعون عن مواقفهم ويضطرون للخنوع والسكوت والتساهل تجاه أية مخالفة مرورية ترتكب أمام أعينهم وفي نطاق مربعات تأدية واجبهم. وبالمقابل يصبح على الناس من مرتادي الطرق ان ينجرفوا مع تيار الفوضى ولا يترددوا في ارتكاب أي مخالفة، مهددين بذلك سلامة وأرواح مرتادي الطرق. لذا من الطبيعي أمام هذه الأوضاع ان يغلب علينا التردد في نقد ما يحصل ويجري من مخالفات مرورية وسوء استخدام للطرق ونظم السير، ومطالبة شرطة المرور بتأدية واجبها وفرض سلطتها المخولة لها قانوناً.. وذلك لا لشيء إلاَّ اننا ندرك تواصل اغفال الجانب الحكومي والمؤسسي لهذه المؤسسة، وجعل وجودها مجرد وجود شكلي له إضراره العكسية على الناس والمجتمع والسلامة بشكل عام، إذ ان قوة ورغبة اقدامنا على نقد ما يحصل من امتهان لرجل المرور ومن تعديات سافرة على نظم السير ومستخدمي الطرق من قبل المستهترين لابد أن يسبقه اهتمام حكومي مؤسسي لهذه المؤسسة الحضرية المهمة من خلال الاهتمام بكفاءة وتجهيزات رجل المرور وتفعيل محاكمها وتمكينها من مباشرة أدوارها في التحقيق وإدانة وضبط المخالفين والمعتدين على نظم السير. وعندما يتحقق ذلك سيصبح حديثنا عن نقد أي ظاهرة مرورية مخالفة، له تأثيره وصداه ومردوده النافع والمبشر.