عدن كانت ولا تزال تتميز بحب الناس واسعادهم وطيبة القلب وسعة الصدر وسلامة الروح ، نقية السريرة ، صادقة التعبير ، لا تجامل ولا تهادن ولا تنافق ، مثلها مثل تعز تماما .. التي تحمل الكثير من الطيبة والحب للناس ، وإن كان فيها شيء من السذاجة في نفس الوقت، كونها صادقة في مشاعرها و لكنها تؤذي من دون قصد وتجرح من دون دراية ! . هي تعز قبلة الثوار وبوصلة الوطنيين الأحرار وسر بقاء الثورة وفاتحة النضال وفهرس الجماعات والأحزاب والكتل السياسية ومدرسة الشعراء والفنانين والأدباء وملهمة الإبداع وأكاديمية التضحية والعطاء. ومخزون الأيدي العاملة . نعم ، تعزوعدن مدينتين يكملان بعضا ويحقق حلما طال أمده ولمع بريقه واسدل ستار عبوره وعودته . نراه بعيدا وما هو ببعيد ، ننشده فيجيب ، نتلهث له فيستجيب ، نقبل عليه ولا يحيد ، نرجوه فيلبي دعوانا ، نستغيث به فيقبل ، نستنصره فينصر ، نطلبه فيرجع ، نتمناه فيحقق .
حلم راودنا عبر سنين وسنين من زمن الأجداد وحتى أحفاد الأحفاد ، كلما ضاقت انفرجت .. وعاد مبتسما مهللا ومرحبا ، حلم يختفي ليعود لأنه أصل ثابت وفرعه ممدود على مدى عقود وقرون .
تعزوعدن مدينتا حب وسلام وإن كثر فيهما القتلا ومحترفي القتل وإن تغلبا فيهما دعاة التخلف والرجعية، إلا أن السلام والحب فطرتهما وسجيتهما والمكان الآمن الملائم لطبيعة الناس فيهما .
حوار لطيف صريح فيه من السعادة الكثير والحزن ايضا .. تفننتا فيه المدينتين الجميلتين ، تعزوعدن ، وتبادلتا الحب من خلاله ، وفي رحابه. وتعرفتا على بعضهما نتيجة هذا الحوار الذي بدأ بتعاون كليهما مع بعض وحققتا انجازات كبيرة ، ساهمتا معا في انجاح ثورتين عظيمتين وحققتا حلم شعب عريق أمتزج بقلب واحد وروح واحدة رغم فسد الفاسدين وعبث العابثين وتسلق دعاة التشرذم سدة الحكم على مدى سنين طويلة ، بعيد وحدة قلوب حولت بفعل فاعل ، وجريمة مجرم ، لوحدة جيوب وبسط ونهب وسلب ومكر وخداع !!
بقيت عدن كحالها وعهدها وكما عرفها كل من عاش فيها، وفية لطيفة حنونة، حيث استقبلت آلاف مؤلفة من النازحين والهاربين من جحيم الحروب، ووقفت بكل شموخ وعزة وأنفة ، تستقبل ضيوفها وتداوي جراحهم رغم ما فيها و بها من آلام ،نتيجة حروب عابثة افتعلها مجرمو العصر قتلة الأطفال والنساء ، ومهجري السكان ومفجري منازل البسطاء ومشردي المعدمين ! جماعة إرهابية ، لم تكتفي بما فعلته في صنعاء وعمران وعدة مدن شمال الوطن ، بل واصلت أعمالها العدائية ضد شعب مسالم بسيط بمعيشته يعمل بأجره اليومي، كعامل بناء أو مزارع أو تاجر أو أي حرفة يدوية ، هذا حالنا كشعب.. غلبت عليه طبائع البساطة والطيبة والسلام ..
نعود لعدن.. وما أجمل الحديث عنها ! عدن أسم ومسمى ،مكان وناس ساكنيه ، كجنة ومؤمنيها الفائزين بما فيها ، الظافرين بالعيش تحت كنفها وروحها، الوثابة بالخير ،الممدودة بالمحبة الساهرة لنسلم، الجائعة لنشبع، العاطشة لنرتوي .. ليت كل المدن كعدن، وكل المواطنين بطيبة أهلها وسماحتهم وبساطة عيشهم وكرم ضيافتهم .
حينما دخل الحوثيين عدن وبسطوا سيطرتهم عليها بعد أن قاوموا بإمكانياتهم المدنية البسيطة كونهم شعب مدني مسالم لا يحمل السلاح ولا يؤمن بالعنف . سلاحه القلم إيمانه السلام رسالته المحبة عقيدته التعايش جوهره الفضيلة سموه نبل الأخلاق .
عدن وما يدريكم من هي عدن ، عدن الطيبة ، الصفاء ، النقاء ، الرحمة ، المشاعر الباعثة للحياة ، عدن قبلة الإنسان السوي ، النظيف بفطرته السوية ، بجمال روحه ، بنقاء مشاعره ، عدن مقعد صدق في حضرة مملكة السلام والحب .
من يعرف عدن عرف الحياة ببساطتها بطيبة أهلها بجمال العيش فيها ، من عاش بعدن حب البقاء فيها ، والعيش بين أبنائها والجلوس في حوافيها ومقاهيها ، عدن اسطورة المدن ، وقبلة النبلاء ، ومملكة المدن الفاضلة ، بها تعرف قيمة الإنسان ومنها تستمد اخلاقه وقيمه ومكارم أخلاقه ، وفيها تنبسط الروح وترقى وتسمو في أعالي جبال صيرة وعلى امتداد البحرين العربي والأحمر بشواطئها ومرافئها .
أن تجلس وبيدك شاهي ملبن تنظر للبحر كأنك تنظر للحور العين وحين تشرب الشاهي الملبن كأنك تشرب من أنهار الخمر والحليب في الجنان .
لن ترى وجه تعز إلا من عدن ولا يمكن أن نرى نور عدن إلا من جبال الحجرية المشرفة على عدن . توأمتان جميلتان كل يكمل الآخر ، سعادتهما بتلاقي أبنائهما وتلاؤم ارواحهما .
من تعز عرفنا العمل وتعلمنا ، ومن عدن تعلمنا البناء والنظام وقيم المدن الفاضلة وتمدنا وعايشنا الحب وأي حب أجمل من الحب العدني ببساطته وسموه وصدق مشاعره .
في احيان كثيرة أحب الخروج والمكوث برفقة البحر والشاهي الملبن وهما نعمتان يجهلهما كثيرا من الناس .