بعث لي أخي الدكتور والمبدع علي البعسي بأجمل رد مناسبا على موضوعي بالأمس عن حرب الهوية وهو مقطع للشاعر العربي العظيم محمود درويش , وكان محفزا للكتابة في الموضوع وبشكل شامل واعم . يقول درويش العظيم ليس الوجع هنا الوجع في موضع آخر . وصدق في توصيفه ربما لحالة إنسانية خاصة ولكنها مناسبة للإسقاط على حال الأمة العربية اليوم من المحيط الى الخليج واليمن منها وفي مقدمتها بكل تأكيد , وليس الوجع من الحرب وما تقتات عليه من الاروح الطاهرات ولكن الوجع من نتائج الحرب وضياع الوطن . ولقد فقد العرب وفي خلسة من التاريخ هويتهم العربية الإسلامية الجامعة وكانت مقدمة لضياع فلسطين بالأمس , ومحصلة أخيرة لفقدان وضياع مصر العروبة وسوريا الخصوبة وعراق الرافدين وتونس الزيتونة والفتوحات . وأينما أشرت بإصبعك في عالمك العربي المقطع أوصلا هناك وجع ووجعا كبير , لكن من يستمع لإغاثة القلب بتعبير درويش وهو الصادق قولا ومجازا من يستمع لإغاثة الوطن العربي المذبوح من الوريد إلى الوريد بقول البيان من الخطاب . وياليت قومي يعلمون بان أزمة الأمة العربية في الأول والأخير هي أزمة الهوية الضائعة التي لازالت إلى اللحظة غائبة عن دوائر الفكر وصناع القرار . وكأنما يعيشون خارج أطار أزمتهم التاريخية المستفحلة في كل المراحل دون الشعور بها أو الإحساس بأنها وجعهم الأبدي ., مالم يفيقون من سباتهم العميق عنها . مما يؤسف له بان العروبة تشظت على أوطانها وتقزمت على حجمها الصغير والصغير جدا , وبات كل قطر على علاته يبحث عن هويته السياسية المصطنعة ويقاتل عليها . ونحن فعلا امة فرطت في كل شي وأصبحت مجهولة التاريخ والهوية وغير قادرة على استيعاب دورهم منفردا ومجتمعا في حياتها أو الاستفادة من دروسهما للنهوض من جديد ومحاولة القفز على معوقات واقعها المرير . وعلينا الالتفاتة إلى أمريكا الكونية اليوم وكيف صنعت صبغتها القومية من العدم وهي متعددة الأعراق والثقافات ولكنها بكبر إرادتها صنعت المستحيل في بوتقتها وجعلت الأسرة محور الارتكاز والانطلاق لتحقيق مقاصد هويتها القومية المفقودة وتمكنت في بضع سنين من تحقيقها . ونحن فقدنا واضعنا مقومات هويتنا القومية العربية الجامعة الضاربة الجذور في التاريخ , وعمقنا الانسلاخ عنها على صعيد كل قطر , وأصبحت العروبة وأقطارها مهيأة للضياع . يقول درويش العظيم في نصه المخلد . يجلس في جحر العزلة , ينقب في جسده عن أثار البطولة .ينتزع الشظايا ويجمعها في صحن تنك ولا يتألم ... ليس الوجع هنا . الوجع في موضع آخر . لكن من يستمع الآن إلى استغاثة القلب ؟