بينها 7 منتخبات عربية.. 30 متأهلا إلى كأس العالم 2026    إعوامل دولية ساعدت في كارثة وقوع الجنوب العربي بيد اليمن    أفاعي الجمهورية    120 مصابا بينهم 100 ضابط في اشتباكات بالمكسيك    بلاطجة "بن حبريش" يهددون الصحفي "خالد الكثيري"    المتقاعدون يدعون للاحتشاد وبدء مرحلة التصعيد السلمي    وسائل إعلام غربية: صنعاء كشفت الفخ الذي نصبته أمريكا وإسرائيل والسعودية في اليمن    اعتراف أمريكي: سلاح مشاة البحرية يحتاج إلى التعلم من الدروس اليمنية    عين الوطن الساهرة (3)    شعب حضرموت بطلاً لتصفيات أندية الساحل وأهلي الغيل وصيفاً لبطولة البرنامج السعودي الثانية للكرة الطائرة    مريم وفطوم.. تسيطران على الطريق البحري في عدن (صور)    سفيرٌ يمنيٌّ وطنه الحقيقي بطاقة حزبه.. تحويل السفارة من ممثل للدولة إلى مكتبٍ حزبي    تصفيات كأس العالم 2026 - أوروبا: سويسرا تتأهل منطقيا    الجاوي ينتقد إجراءات سلطة صنعاء في التعاطي مع التهديدات التي تواجهها    الشهيد أحمد الكبسي .. وعدُ الإيمان ووصيةُ الخلود    فراغ ، حياة وتجربة ناصرية    حلف قبائل حضرموت يصطدم بالانتقالي ويحذر من غزو المحافظة    قراءة تحليلية لنص "في المرقص" ل"أحمد سيف حاشد"    أمن مأرب يحبط مخططاً حوثياً جديداً ويعرض غداً اعترافات لأفراد الخلية    في رحلة البحث عن المياه.. وفاة طفل غرقا في إب    مُحَمَّدَنا الغُماري .. قصيدة جديدة للشاعر المبدع "بسام شائع"    الدفتيريا تغلق مدارس في محافظة شبوة    الدفتيريا تغلق مدارس في محافظة شبوة    تجربتي في ترجمة كتاب "فضاء لا يتسع لطائر" ل"أحمد سيف حاشد"    حكم قرقوش: لجنة حادثة العرقوب تعاقب المسافرين ومدن أبين وتُفلت الشركات المهملة    رئيس الوزراء بيدق في رقعة الشطرنج الأزمية    الرئيس الزُبيدي يُعزّي العميد الركن عبدالكريم الصولاني في وفاة ابن أخيه    اكتشاف 570 مستوطنة قديمة في شمال غرب الصين    سعر برميل النفط الكويتي يرتفع 1.20 دولار ليبلغ 56.53 دولار    إعلان الفائزين بجائزة السلطان قابوس للفنون والآداب    اختتام بطولة 30 نوفمبر لالتقاط الأوتاد على كأس الشهيد الغماري بصنعاء    شبوة أرض الحضارات: الفراعنة من أصبعون.. وأهراماتهم في شرقها    بوادر تمرد في حضرموت على قرار الرئاسي بإغلاق ميناء الشحر    أمن العاصمة عدن يلقي القبض على 5 متهمين بحوزتهم حشيش وحبوب مخدرة    يوم ترفيهي لأبناء وأسر الشهداء في البيضاء    انتشال أكبر سفينة غارقة في حوض ميناء الإصطياد السمكي بعدن    خطر المهاجرين غير الشرعيين يتصاعد في شبوة    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    الأرصاد: أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    "الشعبية": العدو الصهيوني يستخدم الشتاء "سلاح إبادة" بغزة    بيريز يقرر الرحيل عن ريال مدريد    فريق DR7 يُتوّج بطلاً ل Kings Cup MENA في نهائي مثير بموسم الرياض    معهد أسترالي: بسبب الحرب على اليمن.. جيل كامل لا يستطيع القراءة والكتابة    ضبط وكشف 293 جريمة سرقة و78 جريمة مجهولة    وديا: السعودية تهزم كوت ديفوار    توخيل: نجوم انكلترا يضعون الفريق فوق الأسماء    محافظ عدن يكرّم الأديب محمد ناصر شراء بدرع الوفاء والإبداع    المقالح: من يحكم باسم الله لا يولي الشعب أي اعتبار    الصين تعلن اكتشاف أكبر منجم ذهب في تاريخها    نمو إنتاج المصانع ومبيعات التجزئة في الصين بأضعف وتيرة منذ أكثر من عام    الإمام الشيخ محمد الغزالي: "الإسلام دين نظيف في أمه وسخة"    الحديدة.. مليشيا الحوثي تقطع الكهرباء عن السكان وتطالبهم بدفع متأخرات 10 أعوام    وداعاً للتسوس.. علماء يكتشفون طريقة لإعادة نمو مينا الأسنان    عدن.. انقطاعات الكهرباء تتجاوز 15 ساعة وصهاريج الوقود محتجزة في أبين    جراح مصري يدهش العالم بأول عملية من نوعها في تاريخ الطب الحديث    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمنيات المعتَقلات لدى الحوثيين... من السجون إلى المنفى
نشر في عدن الغد يوم 02 - 05 - 2020

كان أقران سامراء الحوري من النشطاء يختفون، واحداً تلو الآخر. وعندما استفسرت لدى أسرهم عنهم، قدموا جميعاً الإجابة المبهمة نفسها: «إنها مسافرة». ورغم أن قليلا من هؤلاء النساء عاودن الظهور، بدا أنهن محطمات ورفضن الإفصاح عن مكان وجودهنّ طوال شهور.

إلا أن الحوري (33 عاما) سرعان ما أدركت الإجابة بنفسها، فقد اقتادها بضعة ضباط من قوات الحوثيين المتمردة من منزلها في العاصمة صنعاء عند الفجر، واصطحبوها إلى قبو مدرسة سابقة كانت تعج الزنازين القذرة داخلها بمحتجزات. واعتدى المحققون عليها بضرب مبرح وتعرضت لصدمات كهربائية، وإمعاناً في تعذيبها النفسي أعلنوا عن موعد لإعدامها وألغوه في اللحظة الأخيرة.

وبدا واضحاً أن السيدات اللواتي تجرأن على الانشقاق أو حتى مجرد الدخول إلى المجال العام، تحولن إلى أهداف حملة قاسية ومتصاعدة من جانب الحوثيين.

ووصف نشطاء ومحتجزون سابقون في تحقيق نشرته وكالة «أسوشيتد برس» شبكة من منشآت الاحتجاز السرية تعرضوا داخلها للتعذيب، وأحياناً الاغتصاب. ويعج شارع تعز، الشارع الرئيسي في صنعاء، بالعديد من هذه المنشآت المتخفية داخل فيلات خاصة والمدرسة التي احتجزت داخلها الحوري.

تقول الحوري التي نجحت في البقاء على قيد الحياة بعد ثلاثة شهور في مركز الاحتجاز حتى اعترفت أمام كاميرا باتهامات ملفقة بالتورط في الدعارة، ما يشكل وصمة كبرى داخل المجتمع اليمني المحافظ: «مر كثيرون بظروف أسوأ من ظروفي بكثير»"


صعوبة الإحصاء

لطالما وفرت التقاليد المترسخة في البلاد وشبكات الحماية القبلية للنساء حامياً من الاحتجاز والانتهاكات، لكن تلك المحاذير تساقطت تحت وطأة الحرب. وبينا يموت الرجال في المعارك أو يقبعون داخل السجون في خضم صراع يدخل بخطى متثاقلة عامه السادس، شرعت النساء اليمنيات على نحو متزايد في الاضطلاع بأدوار سياسية. وفي الكثير من الحالات، تولت نساء تنظيم تظاهرات وقيادة حركات والعمل لصالح منظمات دولية أو إطلاق مبادرات سلام، وكلها أمور ينظر إليها الحوثيون باعتبارها تهديداً لهم.

في هذا الصدد، تقول رشا جرهوم، مؤسسة «مبادرة مسار السلام»، التي تدعو لضم النساء إلى محادثات السلام بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً: «هذا أكثر العصور ظلاماً للمرأة اليمنية. لقد جرت العادة أن حتى توقيف شرطة المرور لسيدة يعد أمراً مشيناً».

من ناحية أخرى، شكلت عمليات إلقاء القبض الممنهجة والسجون التي تعج بأعمال التعذيب عنصراً محورياً في جهود الحرب.

وتشير التقديرات إلى أن ما يتراوح بين 250 و300 امرأة محتجزات حالياً داخل محافظة صنعاء وحدها، تبعاً لما أفادت به العديد من المنظمات الحقوقية. وأوضحت «المنظمة اليمنية لمكافحة الإتجار بالبشر» أن ثمة احتمالاً أن تكون هذه التقديرات أقل من العدد الحقيقي.

والملاحظ أن هناك صعوبة أكبر في تقدير أعداد المحتجزات داخل المحافظات والأقاليم الأخرى.

في هذا السياق، قدرت نورا الجوري، رئيسة «ائتلاف نساء من أجل السلام في اليمن»، أن ما يزيد على 100 امرأة محتجزات داخل محافظة ذمار جنوب العاصمة، والتي تشكل نقطة عبور كبرى من المناطق الخاضعة للسيطرة الحكومية إلى الأخرى التي يسيطر عليها الحوثيون.

ووثقت الجوري، التي تتولى إدارة مجموعة دعم غير رسمية في القاهرة تتعامل مع السيدات اللواتي أطلق سراحهن من سجون الحوثيين، 33 حالة اغتصاب و8 حالات لسيدات أنهكهن التعذيب.


فرار من البلاد

والتقت «أسوشيتد برس» ست محتجزات سابقات نجحن في الفرار إلى القاهرة قبل أن يسبب وباء كورونا وقف الرحلات الجوية وإغلاق الحدود. وقدمن روايات يدعمها تقريراً صدر قبل وقت قريب من لجنة من الخبراء التابعين للأمم المتحدة، ذكر أن الانتهاكات الجنسية التي تتعرض لها المحتجزات قد تصل إلى مستوى جرائم الحرب.

وأفادت إحدى السيدات، وهي مدرّسة تاريخ سابقاً رفضت كشف اسمها لحماية أسرتها في اليمن، أنه ألقي القبض عليها في خضم حملة واسعة ضد التظاهرات في ديسمبر (كانون الأول) 2017. واقتيدت إلى مكان ما في ضواحي صنعاء، لا تعلم أين على وجه التحديد. وكان كل ما بإمكانها سماعه ليلاً نباح الكلاب، ولم تسمح ولا حتى صوت أذان الصلاة. وقالت: «كنت بعيدة للغاية، وكأني سقطت خارج الأرض».

وأضافت أن حوالي 40 سيدة كن محتجزات داخل الفيلا، وأنها تعرضت للتعذيب على أيدي المحققين، وفي إحدى المرات نزعوا أظافر الإصبع الصغرى في قدمها. وفي أكثر من مرة، أخبرها ثلاثة ضباط مقنعين بأن تصلي وقالوا لها إنهم سيطهرونها من الإثم. وبعد ذلك، تناوبوا على اغتصابها، بينما تولت حارسات تقييدها ومنعها من الحركة.


الميليشيات تنفي!

نفت وزيرة شؤون حقوق الإنسان على جانب الحوثيين ادعاءات التعذيب ووجود سجون سرية للنساء. وقالت راضية عبد الله، وهي واحدة من وزيرتين في حكومة الحوثيين، خلال مقابلة أجريت معها: «إذا اكتشفنا وجود هذا الأمر، سنتعامل معه».

واعترفت راضية بإلقاء القبض على الكثير من النساء خلال حملة جرت في الفترة الأخيرة لمكافحة الدعارة اجتاحت مقاهي وشققاً وتجمعات نسائية. وواجهت النساء اللواتي ألقي القبض عليهن اتهامات «بمحاولة إفساد المجتمع وخدمة العدو»، وذلك في إشارة إلى التحالف الذي تقوده السعودية.

جدير بالذكر أن لجنة برلمانية شُكلت الخريف الماضي للنظر في التقارير المتعلقة بالاحتجاز غير القانوني توصلت إلى إطلاق سراح عشرات المحتجزين من الرجال خلال الأسابيع الأولى لعملها.

وكانت اللجنة تنوي الاستمرار في عملها في ما يتعلق بقضية النساء المحتجزات كذلك، لكن مذكرة داخلية بتاريخ 16 فبراير (شباط) قالت «أسوشيتد برس» إنها حصلت على نسخة منها تضمنت شكوى من أن وزارة الداخلية تضغط على اللجنة لإنهاء تحقيقها.


تدرّج الاعتقالات

جاءت أول حملة اعتقالات كبرى في صفوف النساء أواخر عام 2017، بعد قتل الحوثيين حليفهم السابق في الحرب الحاكم السابق علي عبد الله صالح. خلال تلك الفترة، احتجز المتمردون عشرات النساء ممّن خرجن إلى ميادين عامة للمطالبة بعودة جثمان صالح.

وقالت الجوري إن نطاق عمليات إلقاء القبض على النساء اتسعت منذ ذلك الحين، موضحة أنه «في بادئ الامر كانوا يستهدفون قادة المعارضة، وبعد ذلك استهدفوا المتظاهرات، والآن يستهدفون أي سيدة تتحدث ضدهم».

وذكرت امرأة أنه جرى سحبها من خارج سيارة أجرة كانت تستقلها داخل مكان كان يشهد تظاهرة وتعرضت للضرب والاحتجاز. كما تعرضت ناشطة سلام تعمل مع منظمة إنسانية مقرها في لندن للاحتجاز طوال شهور داخل مركز احتجاز للشرطة في صنعاء طوال أسابيع.

ووصفت معلمة كمبيوتر تبلغ من العمر 48 عاماً، كيف اقتحم 18 رجلاً مسلحاً منزلها واعتدوا بالضرب على كل من كانوا بالداخل، وضربوا وجهها بأحذيتهم وأطلقوا في حقها أقذع الشتائم الجنسية. ولم يكن للسيدة أية صلة بالعمل السياسي، لكنها نشرت مقطع فيديو عبر صفحتها على فيسبوك تشكو فيه من أن رواتب العاملين في الحكومة لم تصرف منذ شهور. وبعد ذلك الحادث بفترة قصيرة، فرت هي وأطفالها إلى مصر.

من ناحيتها، قالت الحوري إنها عندما رفضت طلباً من مسؤول حوثي للوشاية بالنشطاء الآخرين، تعرضت للاختطاف في يوليو (تموز) 2019 على يد زمرة من الرجال المقنعين المدججين بالكلاشينكوف، «كما لو كنت أسامة بن لادن».

وتعرضت للاحتجاز داخل «دار الهلال»، وهي مدرسة مهجورة في شارع تعز. وكان معها حوالي 120 امرأة بينهن بارديس الصايغي، وهي شاعرة بارزة كانت تلقي أشعاراً حول قمع الحوثيين. وقالت الحوري إن المحتجزات كان بينهن «مدرسات وناشطات بمجال حقوق الإنسان ومراهقات». وأضافت أن المحققين خبطوا رأسها في طاولة بشدة لدرجة أنها احتاجت لإجراء جراحة في إحدى عينيها كي تتمكن من الرؤية بشكل طبيعي بها اثر إطلاق سراحها بعد ذلك بشهور.


حوثي يغتصب السجينات

داخل المدرسة، تولى رئيس قسم التحقيقات الجنائية لدى الحوثيين، سلطان زابن، إجراء التحقيقات، حسبما ذكرت الحوري والصايغي. وأضافتا أنه في بعض الليالي كان زابن يصطحب «الفتيات الجميلات والصغيرات» إلى خارج المدرسة لاغتصابهن.

كانت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة قد أشارت إلى زابن باعتباره يتولى إدارة موقع احتجاز لم يكشف عنه تتعرض فيه نساء للاغتصاب والتعذيب.

وذكرت الجوري وعدد من المحتجزات سابقاً أن اثنتين على الأقل من الفيلات في شارع تعز جرى استخدامهما في احتجاز النساء، إلى جانب مواقع أخرى حول العاصمة، منها شقق صودرت من سياسيين منفيين مستشفيان وخمس مدارس.

على جانب آخر، عندما أطلق سراح معلمة التاريخ في مارس (آذار) 2018 ألقي بجسدها الهزيل أسفل أحد المعابر، ورفضت أسرتها رؤيتها بسبب العار الذي جلبته لهم. وعن ذلك، قالت إنه من وجهة نظرهم «أنا خرجت للتظاهر، وبالتالي أستحق ما حدث لي».

وقالت محتجزات سابقات إن الحوثيين تعمدوا إذلالهن من خلال اغتصابهن واتهامهن بمزاعم الدعارة.

وقالت فاطمة الأسرار، التي تعمل لدى معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن: «هذا ترهيب حتى النخاع»، مضيفة أنه داخل مجتمع ذكوري مثل اليمن غالباً ما تتعرض الناجيات من اعتداءات جنسية إلى النبذ، بل وأحياناً القتل على يد أقارب لهن للحفاظ على «شرف» العائلة.

وفي سياق متصل، كان يطلق سراح النساء فقط بعد تعهدهن بعدم المشاركة في مسيرات ثانية أو الامتناع عن نشر منشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد تسجيل اعترافات لهن بممارسة الدعارة والتجسس.

تقول الصايغي: «أخبروني: إذا غادرت صنعاء، سنقتلك. وإذا نشرت معلومات، سنقتلك. وإذا تحدثت ضدنا، سنقتلك».


تداعيات الإفراج

في القاهرة، تعمل النساء على تقديم يد العون بعضهن لبعض كي يتمكنّ من التكيف مع ما حدث والمضي قدماً. وخلال مآدب عشاء، يجتمعن برفقة أطفالهن لتذكر قصص مدينتهن قبل أن تعصف بها الحرب عندما كنا يقرضن الشعر ويدخن ّالشيشة في مقاهٍ مكتظة قبل أن يغلقها الحوثيون لمنع اختلاط النساء والرجال.

وحتى اليوم، لا يزال البعض منهن يتلقين تهديدات من الحوثيين. ولا تستطيع أي منهن رؤية أسرتها في صنعاء.

وتواجه الحوري صعوبة شديدة في النوم. وقالت إنها تدرك أن الحوثيين سينشرون اعترافها قريباً، لكنها مقتنعة بأن قصتها تستحق خوض مخاطرة سردها. وأضافت: «لا تزال هناك فتيات في بالسجون. وعندما أحاول النوم، أسمع أصواتهن. وأسمعهن يناشدنني: سامراء، أخرجينا من هنا».


الشرعية تناشد «الجنايات الدولية»

طالب وزير الإعلام اليمني معمر الأرياني، محكمة الجنايات الدولية بالتحقيق في جرائم المعتقلات الخاصة للنساء في مناطق سيطرة الميليشيا الحوثية وتقديم المتورطين فيها للمحاكمة باعتبارها جرائم حرب وجرائم مرتكبة ضد الإنسانية.

وغداة نشر التحقيق دعا الأرياني في تصريح نقلته وكالة الانباء اليمنية (سبأ) المجتمع الدولي ومنظمات حماية المرأة إلى التدخل لوقف هذه الانتهاكات والضغط على الميليشيا الحوثية لإطلاق جميع المختطفات في معتقلاتها الخاصة، موضحاً أن التحقيق الذي أجرته وكالة «أسوشيتد برس» يعيد تسليط الأضواء على واحدة من أبشع جرائم الميليشيا الحوثية والمتمثلة بإختطاف مئات النساء اليمنيات من منازلهن واخفائهن في معتقلات خاصة بسبب آرائهن ونشاطهن السياسي والإنساني.

وقال إن الشهادات تم توثيقها مع عدد من الناجيات بعد تمكنهن من الفرار من مناطق سيطرة الميليشيا الحوثية وكيف تعرضن للاعتداء والتعذيب الجسدي والتحرش الجنسي والاغتصاب، والتعذيب نفسي، وكيف تم تحديد مواعيد لإعدامهن والغائها في اللحظة الأخيرة في حملة قمع متصاعدة للنساء وغير مسبوقة في تاريخ اليمن.


كان أقران سامراء الحوري من النشطاء يختفون، واحداً تلو الآخر. وعندما استفسرت لدى أسرهم عنهم، قدموا جميعاً الإجابة المبهمة نفسها: «إنها مسافرة». ورغم أن قليلا من هؤلاء النساء عاودن الظهور، بدا أنهن محطمات ورفضن الإفصاح عن مكان وجودهنّ طوال شهور.
إلا أن الحوري (33 عاما) سرعان ما أدركت الإجابة بنفسها، فقد اقتادها بضعة ضباط من قوات الحوثيين المتمردة من منزلها في العاصمة صنعاء عند الفجر، واصطحبوها إلى قبو مدرسة سابقة كانت تعج الزنازين القذرة داخلها بمحتجزات. واعتدى المحققون عليها بضرب مبرح وتعرضت لصدمات كهربائية، وإمعاناً في تعذيبها النفسي أعلنوا عن موعد لإعدامها وألغوه في اللحظة الأخيرة.
وبدا واضحاً أن السيدات اللواتي تجرأن على الانشقاق أو حتى مجرد الدخول إلى المجال العام، تحولن إلى أهداف حملة قاسية ومتصاعدة من جانب الحوثيين.
ووصف نشطاء ومحتجزون سابقون في تحقيق نشرته وكالة «أسوشيتد برس» شبكة من منشآت الاحتجاز السرية تعرضوا داخلها للتعذيب، وأحياناً الاغتصاب. ويعج شارع تعز، الشارع الرئيسي في صنعاء، بالعديد من هذه المنشآت المتخفية داخل فيلات خاصة والمدرسة التي احتجزت داخلها الحوري.
تقول الحوري التي نجحت في البقاء على قيد الحياة بعد ثلاثة شهور في مركز الاحتجاز حتى اعترفت أمام كاميرا باتهامات ملفقة بالتورط في الدعارة، ما يشكل وصمة كبرى داخل المجتمع اليمني المحافظ: «مر كثيرون بظروف أسوأ من ظروفي بكثير»"
صعوبة الإحصاء
لطالما وفرت التقاليد المترسخة في البلاد وشبكات الحماية القبلية للنساء حامياً من الاحتجاز والانتهاكات، لكن تلك المحاذير تساقطت تحت وطأة الحرب. وبينا يموت الرجال في المعارك أو يقبعون داخل السجون في خضم صراع يدخل بخطى متثاقلة عامه السادس، شرعت النساء اليمنيات على نحو متزايد في الاضطلاع بأدوار سياسية. وفي الكثير من الحالات، تولت نساء تنظيم تظاهرات وقيادة حركات والعمل لصالح منظمات دولية أو إطلاق مبادرات سلام، وكلها أمور ينظر إليها الحوثيون باعتبارها تهديداً لهم.
في هذا الصدد، تقول رشا جرهوم، مؤسسة «مبادرة مسار السلام»، التي تدعو لضم النساء إلى محادثات السلام بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً: «هذا أكثر العصور ظلاماً للمرأة اليمنية. لقد جرت العادة أن حتى توقيف شرطة المرور لسيدة يعد أمراً مشيناً».
من ناحية أخرى، شكلت عمليات إلقاء القبض الممنهجة والسجون التي تعج بأعمال التعذيب عنصراً محورياً في جهود الحرب.
وتشير التقديرات إلى أن ما يتراوح بين 250 و300 امرأة محتجزات حالياً داخل محافظة صنعاء وحدها، تبعاً لما أفادت به العديد من المنظمات الحقوقية. وأوضحت «المنظمة اليمنية لمكافحة الإتجار بالبشر» أن ثمة احتمالاً أن تكون هذه التقديرات أقل من العدد الحقيقي.
والملاحظ أن هناك صعوبة أكبر في تقدير أعداد المحتجزات داخل المحافظات والأقاليم الأخرى.
في هذا السياق، قدرت نورا الجوري، رئيسة «ائتلاف نساء من أجل السلام في اليمن»، أن ما يزيد على 100 امرأة محتجزات داخل محافظة ذمار جنوب العاصمة، والتي تشكل نقطة عبور كبرى من المناطق الخاضعة للسيطرة الحكومية إلى الأخرى التي يسيطر عليها الحوثيون.
ووثقت الجوري، التي تتولى إدارة مجموعة دعم غير رسمية في القاهرة تتعامل مع السيدات اللواتي أطلق سراحهن من سجون الحوثيين، 33 حالة اغتصاب و8 حالات لسيدات أنهكهن التعذيب.
فرار من البلاد
والتقت «أسوشيتد برس» ست محتجزات سابقات نجحن في الفرار إلى القاهرة قبل أن يسبب وباء كورونا وقف الرحلات الجوية وإغلاق الحدود. وقدمن روايات يدعمها تقريراً صدر قبل وقت قريب من لجنة من الخبراء التابعين للأمم المتحدة، ذكر أن الانتهاكات الجنسية التي تتعرض لها المحتجزات قد تصل إلى مستوى جرائم الحرب.
وأفادت إحدى السيدات، وهي مدرّسة تاريخ سابقاً رفضت كشف اسمها لحماية أسرتها في اليمن، أنه ألقي القبض عليها في خضم حملة واسعة ضد التظاهرات في ديسمبر (كانون الأول) 2017. واقتيدت إلى مكان ما في ضواحي صنعاء، لا تعلم أين على وجه التحديد. وكان كل ما بإمكانها سماعه ليلاً نباح الكلاب، ولم تسمح ولا حتى صوت أذان الصلاة. وقالت: «كنت بعيدة للغاية، وكأني سقطت خارج الأرض».
وأضافت أن حوالي 40 سيدة كن محتجزات داخل الفيلا، وأنها تعرضت للتعذيب على أيدي المحققين، وفي إحدى المرات نزعوا أظافر الإصبع الصغرى في قدمها. وفي أكثر من مرة، أخبرها ثلاثة ضباط مقنعين بأن تصلي وقالوا لها إنهم سيطهرونها من الإثم. وبعد ذلك، تناوبوا على اغتصابها، بينما تولت حارسات تقييدها ومنعها من الحركة.
الميليشيات تنفي!
نفت وزيرة شؤون حقوق الإنسان على جانب الحوثيين ادعاءات التعذيب ووجود سجون سرية للنساء. وقالت راضية عبد الله، وهي واحدة من وزيرتين في حكومة الحوثيين، خلال مقابلة أجريت معها: «إذا اكتشفنا وجود هذا الأمر، سنتعامل معه».
واعترفت راضية بإلقاء القبض على الكثير من النساء خلال حملة جرت في الفترة الأخيرة لمكافحة الدعارة اجتاحت مقاهي وشققاً وتجمعات نسائية. وواجهت النساء اللواتي ألقي القبض عليهن اتهامات «بمحاولة إفساد المجتمع وخدمة العدو»، وذلك في إشارة إلى التحالف الذي تقوده السعودية.
جدير بالذكر أن لجنة برلمانية شُكلت الخريف الماضي للنظر في التقارير المتعلقة بالاحتجاز غير القانوني توصلت إلى إطلاق سراح عشرات المحتجزين من الرجال خلال الأسابيع الأولى لعملها.
وكانت اللجنة تنوي الاستمرار في عملها في ما يتعلق بقضية النساء المحتجزات كذلك، لكن مذكرة داخلية بتاريخ 16 فبراير (شباط) قالت «أسوشيتد برس» إنها حصلت على نسخة منها تضمنت شكوى من أن وزارة الداخلية تضغط على اللجنة لإنهاء تحقيقها.
تدرّج الاعتقالات
جاءت أول حملة اعتقالات كبرى في صفوف النساء أواخر عام 2017، بعد قتل الحوثيين حليفهم السابق في الحرب الحاكم السابق علي عبد الله صالح. خلال تلك الفترة، احتجز المتمردون عشرات النساء ممّن خرجن إلى ميادين عامة للمطالبة بعودة جثمان صالح.
وقالت الجوري إن نطاق عمليات إلقاء القبض على النساء اتسعت منذ ذلك الحين، موضحة أنه «في بادئ الامر كانوا يستهدفون قادة المعارضة، وبعد ذلك استهدفوا المتظاهرات، والآن يستهدفون أي سيدة تتحدث ضدهم».
وذكرت امرأة أنه جرى سحبها من خارج سيارة أجرة كانت تستقلها داخل مكان كان يشهد تظاهرة وتعرضت للضرب والاحتجاز. كما تعرضت ناشطة سلام تعمل مع منظمة إنسانية مقرها في لندن للاحتجاز طوال شهور داخل مركز احتجاز للشرطة في صنعاء طوال أسابيع.
ووصفت معلمة كمبيوتر تبلغ من العمر 48 عاماً، كيف اقتحم 18 رجلاً مسلحاً منزلها واعتدوا بالضرب على كل من كانوا بالداخل، وضربوا وجهها بأحذيتهم وأطلقوا في حقها أقذع الشتائم الجنسية. ولم يكن للسيدة أية صلة بالعمل السياسي، لكنها نشرت مقطع فيديو عبر صفحتها على فيسبوك تشكو فيه من أن رواتب العاملين في الحكومة لم تصرف منذ شهور. وبعد ذلك الحادث بفترة قصيرة، فرت هي وأطفالها إلى مصر.
من ناحيتها، قالت الحوري إنها عندما رفضت طلباً من مسؤول حوثي للوشاية بالنشطاء الآخرين، تعرضت للاختطاف في يوليو (تموز) 2019 على يد زمرة من الرجال المقنعين المدججين بالكلاشينكوف، «كما لو كنت أسامة بن لادن».
وتعرضت للاحتجاز داخل «دار الهلال»، وهي مدرسة مهجورة في شارع تعز. وكان معها حوالي 120 امرأة بينهن بارديس الصايغي، وهي شاعرة بارزة كانت تلقي أشعاراً حول قمع الحوثيين. وقالت الحوري إن المحتجزات كان بينهن «مدرسات وناشطات بمجال حقوق الإنسان ومراهقات». وأضافت أن المحققين خبطوا رأسها في طاولة بشدة لدرجة أنها احتاجت لإجراء جراحة في إحدى عينيها كي تتمكن من الرؤية بشكل طبيعي بها اثر إطلاق سراحها بعد ذلك بشهور.

حوثي يغتصب السجينات
داخل المدرسة، تولى رئيس قسم التحقيقات الجنائية لدى الحوثيين، سلطان زابن، إجراء التحقيقات، حسبما ذكرت الحوري والصايغي. وأضافتا أنه في بعض الليالي كان زابن يصطحب «الفتيات الجميلات والصغيرات» إلى خارج المدرسة لاغتصابهن.
كانت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة قد أشارت إلى زابن باعتباره يتولى إدارة موقع احتجاز لم يكشف عنه تتعرض فيه نساء للاغتصاب والتعذيب.
وذكرت الجوري وعدد من المحتجزات سابقاً أن اثنتين على الأقل من الفيلات في شارع تعز جرى استخدامهما في احتجاز النساء، إلى جانب مواقع أخرى حول العاصمة، منها شقق صودرت من سياسيين منفيين مستشفيان وخمس مدارس.
على جانب آخر، عندما أطلق سراح معلمة التاريخ في مارس (آذار) 2018 ألقي بجسدها الهزيل أسفل أحد المعابر، ورفضت أسرتها رؤيتها بسبب العار الذي جلبته لهم. وعن ذلك، قالت إنه من وجهة نظرهم «أنا خرجت للتظاهر، وبالتالي أستحق ما حدث لي».
وقالت محتجزات سابقات إن الحوثيين تعمدوا إذلالهن من خلال اغتصابهن واتهامهن بمزاعم الدعارة.
وقالت فاطمة الأسرار، التي تعمل لدى معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن: «هذا ترهيب حتى النخاع»، مضيفة أنه داخل مجتمع ذكوري مثل اليمن غالباً ما تتعرض الناجيات من اعتداءات جنسية إلى النبذ، بل وأحياناً القتل على يد أقارب لهن للحفاظ على «شرف» العائلة.
وفي سياق متصل، كان يطلق سراح النساء فقط بعد تعهدهن بعدم المشاركة في مسيرات ثانية أو الامتناع عن نشر منشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد تسجيل اعترافات لهن بممارسة الدعارة والتجسس.
تقول الصايغي: «أخبروني: إذا غادرت صنعاء، سنقتلك. وإذا نشرت معلومات، سنقتلك. وإذا تحدثت ضدنا، سنقتلك».
تداعيات الإفراج
في القاهرة، تعمل النساء على تقديم يد العون بعضهن لبعض كي يتمكنّ من التكيف مع ما حدث والمضي قدماً. وخلال مآدب عشاء، يجتمعن برفقة أطفالهن لتذكر قصص مدينتهن قبل أن تعصف بها الحرب عندما كنا يقرضن الشعر ويدخن ّالشيشة في مقاهٍ مكتظة قبل أن يغلقها الحوثيون لمنع اختلاط النساء والرجال.
وحتى اليوم، لا يزال البعض منهن يتلقين تهديدات من الحوثيين. ولا تستطيع أي منهن رؤية أسرتها في صنعاء.
وتواجه الحوري صعوبة شديدة في النوم. وقالت إنها تدرك أن الحوثيين سينشرون اعترافها قريباً، لكنها مقتنعة بأن قصتها تستحق خوض مخاطرة سردها. وأضافت: «لا تزال هناك فتيات في بالسجون. وعندما أحاول النوم، أسمع أصواتهن. وأسمعهن يناشدنني: سامراء، أخرجينا من هنا».
الشرعية تناشد «الجنايات الدولية»
طالب وزير الإعلام اليمني معمر الأرياني، محكمة الجنايات الدولية بالتحقيق في جرائم المعتقلات الخاصة للنساء في مناطق سيطرة الميليشيا الحوثية وتقديم المتورطين فيها للمحاكمة باعتبارها جرائم حرب وجرائم مرتكبة ضد الإنسانية.
وغداة نشر التحقيق دعا الأرياني في تصريح نقلته وكالة الانباء اليمنية (سبأ) المجتمع الدولي ومنظمات حماية المرأة إلى التدخل لوقف هذه الانتهاكات والضغط على الميليشيا الحوثية لإطلاق جميع المختطفات في معتقلاتها الخاصة، موضحاً أن التحقيق الذي أجرته وكالة «أسوشيتد برس» يعيد تسليط الأضواء على واحدة من أبشع جرائم الميليشيا الحوثية والمتمثلة بإختطاف مئات النساء اليمنيات من منازلهن واخفائهن في معتقلات خاصة بسبب آرائهن ونشاطهن السياسي والإنساني.
وقال إن الشهادات تم توثيقها مع عدد من الناجيات بعد تمكنهن من الفرار من مناطق سيطرة الميليشيا الحوثية وكيف تعرضن للاعتداء والتعذيب الجسدي والتحرش الجنسي والاغتصاب، والتعذيب نفسي، وكيف تم تحديد مواعيد لإعدامهن والغائها في اللحظة الأخيرة في حملة قمع متصاعدة للنساء وغير مسبوقة في تاريخ اليمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.