لا أحد يستطيع إنكار الدور الفاعل الذي لعبه الفنان التشكيلي في عدن منذ الاستقلال الوطني و حتى انحلال الدولة الجنوبية في مطلع هذا القرن المتحجر .. فتراجع نشاط وعطاء رواد الفن التشكيلي حتى تلاشى ، بعد أن فقد المشتغلين بهذا المجال كل حقوقهم وانتُزِعَتْ امتيازاتهم التي اكتسبوها طوال فترة نشاطهم الدءوب وانحدرت مكانتهم الثقافية والاجتماعية لمستويات متدنية لا نستطيع مقارنتها أو تشبيهها بالمعدمين في المجتمع . حيث تم التركيز على هذه الشريحة الفنية والعمل على محاربتها بمختلف الطرق حتى تم وأدها وإخمادها تماماً أمام مرأى ومسمع كل قيادات الدولة ووكلائها في هذه المحافظة المنكوبة .. وفي ظل هذا الطوفان الذي يعصف بكل ما يعترضه ، وحوَّل الوطن الجريح إلى أشلاء متناثرة وظلام داكن لا نهاية له ، أصبح الفنان التشكيلي بعدن في حالة إحباط تام وتذمر مقيت من الظروف الصعبة التي حاصرته وقتلت إبداعه ، بل وأعاقته من الحصول على لقمة عيش شريفة لأسرته التي تتضور جوعاً بسبب انقطاع معاشه الضئيل أو عجزه التام من الحصول على مصدر آخر يقتات منه بعيداً عن حالة الذل واليأس الذي سيطر على عامة التشكيليين في عدن .. فقد جَمّدَتْ إدارة المحافظة كل أنشطتها الفنية نتيجة هذه الظروف المخيمة ، أما مكتب الثقافة فهو الآخر يعجز عن ترتيب أي فعالية فنية أو نشاط إبداعي للعجز المالي الكبير الذي لا يمكن تصوره .. أما المعارض الفنية فهي معضلة أخرى تواجه الفنان حيث يخسر كل ما يملك لتنظيم وإقامة معرض هنا أو هناك ولا يستطيع بيع إنتاجه الفني الذي يتكدس لديه ويشغل حيزاً كبيراً في مسكنه وفي أعماق وجدانه وتفكيره ولا يجد له أدنى الحلول ! وحدث ولا حرج ، فصندوق التراث الذي كان يتصدق ببعض الوريقات النقدية للمبدعين في عدن – والتي كان يستخدمها البعض كمخصصات لشراء علاجات الضغط والسكر- انقطعت وشكّلتْ كارثة أخرى من الكوارث المتتالية لأولئك الفنانين والمبدعين في عدن . ماذا تبقى إذن للفنان التشكيلي في عدن ؟؟ هذا الإنسان المُنهَك ، وتلك الروح المحترقة ، والجسد المهترئ ؟ أين هي إنسانية البشر التي يتشدقون بها ؟ نتوجه أولاً وأخيراً باللوم المباشر لهذه الحكومة المغتربة ، والمغيبة ، وتحديداً لوزارة الثقافة ممثلة بوزيرها الذي ربما يجهل الكثير عن المعاناة الكبيرة للفنانين والمبدعين التي تتحمل وزارته مسؤولية رعايتهم بأبسط مقومات الحياة ، أو حتى اعتبارهم أسرى حرب أو سجناء وطن تائه لا نعرف له قراراً أو مؤشرات مستقبلية نأملها .. وبعيداً عن السياسة ومناكفاتها ، نرسم بعض رجاءاتنا في التفاتة كريمة متواضعة من قيادة وزارة الثقافة وصندوق التراث لإعادة النظر في هذه الشريحة الإنسانية التي أعياها انتظار المجهول وضغوط الحياة التي تتكالب على الفنانين من كل جانب .. وتحية من القلب لكل من كان عوناً في توصيل هذا النداء للجهات المختصة كرسالة إنسانية في زمن اختفت فيه الإنسانية في هذه الرقعة من الأرض الطاهرة المسماة ( عدن ) .