الحديث عن الشعر وسلطان الدين، حديث ذو شجون، سيما ونحن نعجب بالشعر لعدد من الاسباب، لعل من اهمها انه يترك آثارا عميقة في السلوك البشري والاجتماعي، ويحمل في طياته مقاييس التذوق الفني والأصالة والوعي بالحياة الإنسانية.. لانه، اي الشعر، لم يكن عملا ارتجاليا وانما هو سحر إيحائي، وذو حساسية جمالية مغايرة للمالوف ومرادفة للخلق والإبداع، على غير مثال سابق، فالشعر لا يعترف بالعادة ويشذ عن قاعدة الاحتذاء ، لانه نابع من ملكات خلاقه، نعم الشعر هو ذلك التعبير الذي يتجاوز المقاييس العادية، اي انه تعبير غير عادي عن عالم عادي، وليس الشعر كما يعتقد البعض انه لغة جميلة او الكلام الموزون والمقفى فحسب. لا اريد استرسالا اكثر في مفهوم الشعر، ففي هذه المناسبة ،سوف احاول الكشف عن مضمون تلك المحطات التى عملت بطريقة او باخرى على منح الشعر حقه في التحرر من الدين ، بحيث تكون قصائده الشعرية ليست بالضرورة غنية في مضامينها باخلاقيات وقيم الدعوة الاسلامية ، ليس ذلك من باب العداء ،بل لانها ولدت طليقة من اي شرط ديني يحدد قالبها او فورانها ، وقديما لم يكن هناك وزارة الاعلام او وزارة الثقافة ،ولا شبكة تواصل اجتماعي ،وانما كان هناك شعراء فضلوا على مختلف مشاربهم المضي في اودية مسالك القول -وهو ماعبر عنه الذكر الحكيم "في كل واد يهيمون "لا لشي وانما بحثا عن كل ماهو جديد ،ولعلني اجد نفسي ملزما ان اقف عند ماورد في كتاب "الوساطة بين المتنبي وخصومه"للقاضي الجرجاني المتوفي شنه 366 هجرية قوله'وهو بصدد الحديث عن الشعر والعقيدة ،او الشعر والدين ،هذا الراي النقدي الفريد من نوعه،والذي يمكن ان يحسب له او عليه،محددا من خلاله رايا وموقفا نقديا نادر الوجود في كتب النقد الادبي الأخرى، وهذا الراي الجريء يتعلق باشكالية الدين والشعر ،والى اي حد يمكن الجمع بينهما او الفصل بينهما ،ويرى الجرجاني ان الديانة ليست عارا على الشعر ،فلوكانت كذلك لتاخر الشاعر ،ولوجب شطب اسم ابو نواس وحذف ذكر اسمه،ولكان اولاهم بذلك.اهل الجاهلية من تشهد عليهم الامة بالكفر ،امثال كعب بن زهير والزيعري،الذين تناولوا الرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه ،وفي عصرنا الحالي ذهب بعض الشعراء المحدثين الى نقد احد ابرز الشعراء العرب،وهو الشاعر العربي نزار قباني الذي اسعد الملايين من الناس بشعره الغنائي ،ففي مقطع من قصائده يقول: سيدتي اميرتي حبك صعب صعب لوعانى الرب كماعانيت لصاح من البلوى يارب ومعروف ان الشعر هو خروج عن المألوف لكن شاعرنا نزار لربما هنا يقصد بالرب رب الاسرة.