سياسيون ونشطاء: تراخي الأمم المتحدة شجع المليشيا لاستغلال ملف قحطان للابتزاز    المنتخب الوطني للشباب يواجه نظيره السعودي وديا منتصف يونيو استعدادا لبطولة غرب آسيا    تقرير برلماني يكشف عن المخاطر المحتمل وقوعها بسبب تخزين المبيدات وتقييم مختبري الاثر المتبقي وجودة المبيدات    أكاديمي اقتصادي: فكرة البنك المركزي للحد من تدهور الريال اليمني لن تنجح!    انهيار مرعب للريال اليمني.. ووصول أسعار صرف الدولار والريال السعودي إلى أعلى مستوى    المشاط يدافع عن المبيدات الإسرائيلية وينفي علاقتها بالسرطان ويشيد بموردها لليمن    العليمي يطلب دعمًا لبسط سيطرة الشرعية على كامل التراب اليمني    الحوثيون يعبثون بقصر غمدان التاريخي وسط تحذيريات من استهداف الآثار اليمنية القديمة    رئيس برلمانية الإصلاح يتلقى العزاء في وفاة والده من قيادات الدولة والأحزاب والشخصيات    ذكرى إعلان فك الارتباط.. جدار جنوبي راسخ لفظ الوحدة المشؤومة    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    قاتلكم الله 7 ترليون في الكهرباء فقط يا "مفترين"    خاصموا الانتقالي بود وأختلفوا معه بشرف    شراكة الانتقالي وتفاقم الازمات الاقتصادية في الجنوب    يوفنتوس يعود من بعيد ويتعادل بثلاثية امام بولونيا    "ضربة قوية لمنتخب الأرجنتين... استبعاد ديبالا عن كوبا أميركا"    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    لليوم الثالث...الحوثيون يفرضون حصاراً خانقاً على مديرية الخَلَق في الجوف    صراعات داخل مليشيا الحوثي: قنبلة موقوتة على وشك الانفجار    "يقظة أمن عدن تُفشل مخططًا إجراميًا... القبض على ثلاثه متهمين قاموا بهذا الأمر الخطير    ناشطون يطالبون الجهات المعنية بضبط شاب اعتدى على فتاة امام الناس    شاهد :صور اليوتيوبر "جو حطاب" في حضرموت تشعل مواقع التواصل الاجتماعي    شاهد : العجوز اليمنية التي دعوتها تحققت بسقوط طائرة رئيس إيران    اللجنة الوطنية للمرأة تناقش أهمية التمكين والمشاركة السياسة للنساء مميز    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    مجلس النواب يجمد مناقشة تقرير المبيدات بعد كلمة المشاط ولقائه بقيادة وزارة الزراعة ولجنة المبيدات    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    البرغوثي يرحب بقرار مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية مميز    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرن 21 .. صراعات و حروب تهدّد السلام العالمي
نشر في عدن الغد يوم 04 - 11 - 2011

يبدو أن مطلع القرن الحادي والعشرين حافل بالحروب، الصراعات الدائرة في أفغانستان والعراق، وحرب الشوارع في الصومال، والحركات المسلحة الإسلامية في باكستان، ومجازر في الكونغو وحملات تطهير عرقي في السودان، وفي المجمل، تدور معارك نظامية في 18 حربا حول العالم اليوم.

ويعكس الرأي العام هذا الشعور بتزايد الخطر في العالم، حيث كشفت إحدى الدراسات التي أجريت منذ عدة أعوام أن 60 في المائة من الأميركيين يرجحون وقوع حرب عالمية ثالثة، وكانت توقعات القرن الجديد قاتمة حتى قبل وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، وما تلاها من أحداث دمويةن فقد أشار عالم السياسة جيمس جي بلايت ووزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت ماكنامارا في وقت سابق من ذلك العام إلى أن عدد القتلى في الحروب قد يصل في المتوسط إلى 3 ملايين قتيل حول العالم سنويا في القرن الحادي والعشرين.

ولكن حتى الآن لم نقترب من هذا الرقم في الواقع، فقد شهد العقد السابق عددا أقل من قتلى الحروب من أي عقد آخر في القرن الماضي، بناء على بيانات جمعها باحثا معهد السلام في أوسلو بيثاني لاسينا ونيلز بيتر غليديتش، حيث وصل متوسط عدد القتلى الناتج عن العنف المصاحب للحروب حول العالم في القرن الجديد إلى 55.000 في العام، أي أكثر من نصف العدد في التسعينيات (100.000 قتيل سنويا)، وثلث عدد القتلى أثناء الحرب الباردة (180.000 سنويا ما بين عامي 1950 إلى 1989)، وواحد على مائة من عدد القتلى في الحرب العالمية الثانية. وإذا ما وضعنا في الاعتبار تزايد عدد السكان في العالم، والذي تضاعف أربع مرات تقريبا في القرن الماضي، تكون نسبة انخفاض عدد القتلى أكثر حدة، وبعيدا عن كونها عصر فوضى القتل، كانت الأعوام العشرين التالية لانتهاء الحرب الباردة فترة التقدم السريع نحو السلام.

الصراع المسلح

انحسر الصراع المسلح إلى حد كبير بسبب تغير مفهوم الصراع المسلح من الأساس. لقد اختفت الحروب التقليدية بين جيشين قوميين مع نهاية الحرب الباردة، لتنتهي معهما أبشع أنواع الدمار الشامل. ربما تكون حرب العصابات غير المتماثلة التي تدور حاليا صعبة وبغيضة، ولكنها لا تسفر عن شيء مثل حصار لينينغراد. لقد انتهت آخر حرب بين قوتين عظميين، الحرب الكورية، منذ نحو 60 عاما. وانتهت أطول حرب إقليمية بين جيشين نظاميين، بين إريتريا وإثيوبيا، منذ عشرة أعوام. وحتى الحروب الأهلية، على الرغم من أنها شر مستمر، فإنها أقل انتشارا مما كانت في الماضي، حيث إنها انخفضت بمقدار الربع من عام 1990 إلى عام 2007.

إذا بدا العالم أكثر عنفا مما كان عليه بالفعل، يرجع السبب إلى وجود مزيد من المعلومات عن الحروب – وليس مزيدا من الحروب في حد ذاتها، فقد أصبحت المعارك وجرائم الحروب التي كانت بعيدة في الماضي تعرض على شاشة التلفزيون والكمبيوتر وفي بعض الأحيان في وقتها الفعلي، وحولت كاميرات الهواتف الجوالة المواطنين إلى مراسلين في العديد من مناطق الحروب، كما تغيرت كذلك العادات المجتمعية المتعلقة بما يمكن فعله بهذه المعلومات. وكما يشير عالم النفس في جامعة هارفارد ستيفن بينكر: «بالتوازي مع انحسار السلوك العنيف تنحسر المواقف التي تتسامح مع العنف أو تبجله»، لذا نشاهد المجازر التي تحدث في الوقت الراهن – على الرغم من عدم شدتها وفقا للمعايير التاريخية – على أنها «إشارة إلى مدى تدني سلوكنا، وليس إلى رقي معاييرنا».

واذا ما طرحنا تساؤلا حول إذا ما كانت الولايات المتحدة تخوض حروبا تفوق أي وقت مضى، فإن الإجابة تكون بنعم ولا، فمن الواضح أن الولايات المتحدة تخوض حربا منذ 11/9، مع استمرار الحرب في أفغانستان والتي تفوقت على حرب فيتنام في كونها أطول حرب في التاريخ الأميركي، وحربها الاستباقية في العراق التي أثبتت أنها أطول وأكثر دموية وتكلفة من أي توقعات‘ إضافة إلى تدخل الناتو الراهن في ليبيا وغارات الطائرات دون طيار في باكستان والصومال واليمن، ليس من الغريب أن حجم إنفاق الجيش الأميركي ارتفع بنسبة تزيد على 80 في المائة على مدار العقد الماضي، وبعد أن وصلت ميزانية العام الحالي إلى 675 مليار دولار، يزيد حجم الميزانية بنسبة 30 في المائة عما كانت عليه وقت نهاية الحرب الباردة.

الانحسار

ولكن على الرغم من أن صراعات ما بعد 11/9 قد تكون أطول من تلك التي كانت في عهد الأجيال الماضية، فإنها أصغر نطاقا وأقل تدميرا، وقد أسفرت عشرة أعوام من الحرب الأميركية منذ عام 2001 عن مقتل 6.000 مجند أميركي، مقارنة ب58.000 في فيتنام و300.000 في الحرب العالمية الثانية.
من المؤكد أن كل خسارة في الأرواح في الحرب كبيرة، ولكن يجب النظر إليها في السياق: في العام الماضي بلغ عدد الوفيات بين الأميركيين بسبب السقوط من فوق الفراش عدد القتلى في الحروب الأميركية مجتمعين.

من جانب آخر اندلعت الحرب في كل من العراق وأفغانستان على خلفية غلق القواعد وسحب القوات من جميع المناطق الأخرى في العالم، ويقابل الارتفاع المؤقت في أعداد القوات الأميركية الموجودة في جنوب آسيا والشرق الأوسط، من 18.000 إلى 212.000 منذ عام 2000 انسحابا دائما لنحو 40.000 جندي من أوروبا و34.000 من اليابان وكوريا الجنوبية و10.000 من أميركا اللاتينية في الفترة ذاتها. عندما تعود القوات الأميركية من الحروب الراهنة، بأعداد كبيرة في المستقبل القريب، بداية من 40.000 جندي في العراق و33.000 في أفغانستان بحلول عام 2012، سيكون عدد القوات الأميركية المنتشرة حول العالم أقل من أي فترة مضت منذ الثلاثينيات. وكان الرئيس أوباما يقول الحقيقة في يونيو (حزيران) عندما أعلن أن: «مد الحرب بدأ في الانحسار».

«هل أصبحت الحرب أكثر وحشية مع المدنيين؟»

بالكاد، ففي فبراير (شباط)، أصابت غارة جوية قامت بها قوات الناتو منزلا في منطقة مرجة في أفغانستان، مما أسفر عن مصرع تسعة مدنيين كانوا بداخله، وقد استدعت المأساة بيانات الإدانة وتصدرت الأخبار، وأجبرت قائد قوات الناتو في البلاد على الاعتذار للرئيس الأفغاني حميد كرزاي، يؤكد رد الفعل على قدر التغيير الذي طرأ على الحروب، فأثناء الحرب العالمية الثانية، قصف الحلفاء مئات الآلاف من المدنيين في درسدن وطوكيو ليس على سبيل المصادفة، ولكن في تكتيك حربي. وبالطبع قتلت ألمانيا مدنيين تقدر أعدادهم بالملايين، وعندما يتعرض المدنيون اليوم للضرر، يهتم بشأنهم مزيد من البشر، فعلى سبيل المثال ارتفع حجم الإنفاق على المساعدات الإنسانية التي تقدم للمشردين من 150 دولارا للفرد في بداية التسعينيات إلى 300 دولار في عام 2006.

وزاد إجمالي المساعدات الإنسانية الدولية من ملياري دولار في 1990 إلى ستة مليارات دولار في 2000، و18 مليار دولار في 2008 (وفقا لتصريحات الدول المانحة). بالنسبة لمن يوجدون في مرمى النيران، أصبحت الحروب أكثر إنسانية بالفعل.

ولكن يصر الكثيرون على أن الأمر على خلاف ذلك، على سبيل المثال، تخبرنا المراجع الموثوقة حول الحفاظ على السلام في الحروب الأهلية (كتاب «في نهاية الحرب» لرونالد باريس، و«صناعة الحرب وإقامة السلام» لمايكل دويل ونيكولاس سامبانيس)، بالإضافة إلى التقارير المتميزة عن الصراع الصادرة عن البنك الدولي وبعثة كارنيغي لتجنب الصراعات المميتة، أن 90 في المائة من القتلى في الحروب الحالية من المدنيين، بينما 10 في المائة فقط من العسكريين، على عكس القرن الماضي، وفي ذلك «مؤشر قاتم على تحول الصراع المسلح» في نهاية القرن العشرين، على حد وصف عالم السياسة كاليفي هولستي.

إنه قاتم بالفعل، ولكنه لحسن الحظ ليس حقيقيا. بدأت الخرافة مع تقرير تنمية صادر عن الأمم المتحدة أساء قراءة العمل الذي قدمه الباحث السويدي كريستر ألستروم في عام 1991، وخلط دون قصد بين قتلى الحروب في مطلع القرن العشرين وعدد أكبر بكثير من القتلى والجرحى والمشردين في نهاية القرن العشرين. وتظهر دراسة أكثر دقة أجراها باحث السلام ويليام ايكارت في عام 1989 أن نسبة القتلى العسكريين مقارنة بنسبة القتلى المدنيين في الحروب ما زالت 50 : 50، كما كانت طوال قرون، مع أنها تختلف كثيرا من حرب إلى تلك التي تليها.

«هل ستزداد الحروب سوءا في المستقبل»

ربما لا، فكل شيء ممكن بالتأكيد، من الممكن أن تقتل حرب شاملة بين باكستان والهند، على سبيل المثال، ملايين البشر، ولكن هذا ما يمكن أن يتسبب فيه سقوط كويكب – أو ربما على أهون تقدير – هبوب عواصف هائلة يتسبب بها تغير المناخ، ومع ذلك تشهد أغلب القوى الكبرى التي تدفع الحضارة صوب صراعات كارثية حالة انحسار.

من جانب آخر تجعل التغييرات التكنولوجية الحديثة الحروب أقل وحشية وليس أكثر، أصبحت الطائرات المسلحة دون طيار تهاجم أهدافا كانت في الماضي تتطلب غزوا من خلال آلاف القوات التي تحمل أسلحة ثقيلة يتشرد بسببها عدد هائل من المدنيين وتدمر الممتلكات في طريقها، كما أن تطور العلاج في ميدان المعركة جعل القتال أقل هلاكا للمشاركين فيه.

وفي الجيش الأميركي انخفضت فرص الوفاة نتيجة الإصابة في المعركة من 30 في المائة في الحرب العالمية الثانية إلى 10 في المائة في العراق وأفغانستان، على الرغم من أن هذا يعني كذلك أن الولايات المتحدة تشهد حاليا نسبة كبيرة من المحاربين القدامى المصابين الذين يحتاجون إلى الدعم والرعاية.

كذلك لن تفرض علينا تحولات ميزان القوى العالمية مستقبلا من الحروب الأبدية، في حين يقول بعض علماء السياسة أن زيادة تعدد الأقطاب في العالم يزيد من تقلب الأوضاع – وأن أفضل ضمان للسلام هو هيمنة قوة عظمى واحدة، هي تحديدا الولايات المتحدة – إلا أن تاريخ الجغرافيا السياسية الحديث يشير إلى نقيض ذلك. خفتت القوة النسبية للولايات المتحدة والصراع العالمي على مدار العقد الماضي، باستثناء العراق وأفغانستان، وهما حربان غير متوازنتي الأطراف شنتهما قوة مهيمنة، وليستا نتيجة لتحديات قوى جديدة صاعدة، وربما تكون أفضل سابقة للنظام العالمي الذي ينشأ حاليا هو اتفاقية أوروبا في القرن التاسع عشر، حيث تعاونت القوى العظمى على الحفاظ على السلام لمدة قرن كامل حتى تم انتهاكها وأريقت الدماء في الحرب العالمية الأولى.

ماذا عن الصين، وهي تمثل أبرز تهديد عسكري صاعد في الفترة الراهنة؟ في الواقع تُحدّث الصين قواتها المسلحة، ووصلت إلى نسبة زيادة مكونة من رقمين في حجم إنفاقها العسكري، الذي بلغ حاليا 100 مليار دولار في العام، وبذلك تقع في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، على الرغم من الفارق الكبير الذي يفصل بينهما: حيث تنفق وزارة الدفاع الأميركية نحو 700 مليار دولار، تبتعد الصين كثيرا عن القدرة على الوقوف على قدم المساواة مع الولايات المتحدة، وليس من الواضح لماذا قد ترغب في ذلك، سوف يعرقل وقوع صراع عسكري (تحديدا مع أكبر مستهلك ومدين لها) من موقف الصين التجاري الدولي، ويعرض رخاءها للخطر، ومنذ وفاة الرئيس ماو، أصبحت الصين أكثر القوى العظمى سلاما، وأمام المخاوف الأخيرة من وجود القوات البحرية الصينية القوية الجديدة في مياه دولية متنازع عليها، يجدر ذكر أن الجيش الصيني لم يطلق طلقة واحدة منذ 25 عاما.


«هل سيكون العالم الأكثر ديمقراطية أكثر سلاما؟»

ليس بالضرورة، يؤكد التاريخ صحة الملاحظة المعروفة بأن الأنظمة الديمقراطية لا تقاتل بعضها بعضا، ولكن يصح أيضا أن الأنظمة الديمقراطية دائما ما ترغب في محاربة الأنظمة غير الديمقراطية، وفي الحقيقة، من الممكن أن تزيد الديمقراطية من الصراع بتضخيم القوى العرقية والقومية، مما يدفع القادة إلى إشباع الرغبة في القتال من أجل البقاء في الحكم، ويعتقد كل من توماس باين وإيمانويل كانت أن الحكام المستبدين الذين يتسمون بالأنانية يتسببون في الحروب، في حين أن عامة الشعب الذين يتحملون تكاليفها يبغضون القتال، ولكن لا ينطبق ذلك على قادة الصين الشمولية، الذين يكافحون من أجل السيطرة على المشاعر القومية ضد أعدائهم التاريخيين من اليابانيين والأميركيين، وليس تأجيجها، كما أن الرأي العام المصري في مصر التي تشهد الديمقراطية في بدايتها أكثر عداء تجاه إسرائيل من حكومة حسني مبارك المستبدة (على الرغم من أن فكرة العداء وخوض حرب فعلية أمران مختلفان تماما).

لماذا إذن تقيد الأنظمة الديمقراطية حروبها بالأنظمة غير الديمقراطية بدلا من محاربة بعضها بعضا؟ لا أحد يعلم بالفعل، فقد سخر تشارلز ليبسون من جامعة شيكاغو من فكرة السلام الديمقراطي قائلا: «نعلم أن ذلك ينجح نظريا، ولكن علينا أن نرى إن كان ناجحا فعليا!» أفضل تفسير لهذا الأمر هو ما أوضحه عالما السياسة بروس روست وجون أونيل، اللذان قالا إن ثلاثة عوامل – هي الديمقراطية والاعتماد الاقتصادي (تحديدا التجارة) ونمو المنظمات الدولية – تدعم بعضها البعض وتدعم السلام داخل مجتمعات الدول الديمقراطية.

«لماذا لم تنجح جهود حفظ السلام؟»

ولكنها تنجح الآن، فقد شهدت الأعوام الأولى من التسعينيات ازدهارا لقوات حفظ السلام، حيث نشرت الأمم المتحدة 15 بعثة جديدة لحفظ السلام من عامي 1991 و1993، وهو عدد يساوي تاريخ بعثات الأمم المتحدة حتى ذلك الحين، وشهدت تلك الفترة أيضا أكبر إخفاقات قوات حفظ السلام، في الصومال، وصلت الأمم المتحدة في مهمة لتخفيف المجاعة فقط لتجد ذاتها متورطة في حرب أهلية، وانسحبت سريعا بعد مقتل 18 جنديا أميركيا في غارة شنت عام 1993، وفي رواندا عام 1994، فشلت قوة أممية ضعيفة تفتقد إلى تأييد مجلس الأمن في وقف عملية إبادة جماعية أسفرت عن مقتل نصف مليون شخص. اما في البوسنة فقد أعلنت الأمم المتحدة عن «مناطق آمنة» للمدنيين، ولكنها توقفت عندما اجتاحت القوات الصربية إحدى تلك المناطق، سربرنيتشا، وقتلت ما يزيد على 7000 رجل وصبي. (كانت هناك نجاحات لقوات حفظ السلام أيضا، في ناميبيا وموزمبيق على سبيل المثال، ولكن يميل الناس إلى نسيانها).

في رد فعل على ذلك، كلفت الأمم المتحدة لجنة بإعداد تقرير في عام 2000، أشرف عليه الدبلوماسي رفيع المستوى الأخضر الإبراهيمي، لدراسة أسباب فشل جهود المنظمة، في ذلك الوقت خفضت الأمم المتحدة قوات حفظ السلام بنسبة 80 في المائة حول العالم، ولكن عند رفع أعدادها مرة أخرى استفادت الأمم المتحدة من الدروس التي تعلمتها.
عززت المنظمة من قوة التخطيط والقدرات اللوجيستية وبدأت في نشر قوات مسلحة بكثافة قادرة على خوض المعارك إذا لزم الأمر، نتيجة لذلك، حققت بعثات حفظ السلام البالغ عددها 15 وقوات حفظ السلام وعددها 100.000 فرد منتشرين حول العالم نجاحا أكبر من سابقيهم.
في المجمل، أثبت وجود قوات حفظ السلام انخفاضا كبيرا في إمكانية اشتعال الحروب بعد توقيع اتفاقيات وقف إطلاق النار، في التسعينيات، انتهكت نحو نصف اتفاقيات وقف إطلاق النار، ولكن في العقد الماضي انخفضت النسبة إلى 12 في المائة، وعلى الرغم من أن وضع الأمم المتحدة كضحية في السياسة الأميركية يشير إلى خلاف ذلك، فإن تلك الجهود تجد شعبية كبيرة، في دراسة أجريت عام 2007، فضل 79 في المائة من الأميركيين تعزيز قوة الأمم المتحدة. لا يعني هذا أنه لا توجد مساحة للتطور، بل هناك الكثير، ولكن الأمم المتحدة حققت نجاحا كبيرا حول العالم في احتواء الحروب.

«هل هناك صراعات لن تنتهي مطلقا؟»

لا يوجد أمر مطلق، في عام 2005، وصف باحثون في معهد السلام الأميركي 14 حربا، من أيرلندا الشمالية إلى كشمير، بأنها «صعبة الحل»، حيث «تقاوم أي نوع من التسوية». ولكن بعد ستة أعوام، حدث أمر غريب: انتهت معظم تلك الحروب أو شهدت تقدما كبيرا نحو الانتهاء، ما عدا قلة منها (إسرائيل – فلسطين. الصومال. السودان). في سريلانكا، انتهت الحرب بفوز عسكري، ولكن بعد معركة وحشية انتشر اعتقاد بأن الطرفين ارتكبا فيها جرائم حرب، ويسري في كشمير اتفاق مستقر على وقف إطلاق النار.

وفي كولومبيا، تستمر حرب متقطعة، بتمويل من أرباح المخدرات، ولكن يتبقى قليل من القتال، في البلقان وأيرلندا الشمالية، أصبحت اتفاقيات السلام الهشة أقل ضعفا، ومن الصعب تخيل العودة إلى عداء كامل.

وفي معظم الحالات الأفريقية، بوروندي ورواندا وسيراليون وأوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وساحل العاج (بغض النظر عن اندلاع العنف بعد الانتخابات التي أجريت في نهاية عام 2010، وتم القضاء عليه الآن)، حققت بعثات الأمم المتحدة استقرارا وقللت من إمكانية العودة إلى الحرب (في حالة الكونغو وأوغندا، توجد على الأقل منطقة محدودة للقتال).

هل من الممكن أن نحقق أفضل من ذلك؟ توقع باحث السلام الراحل راندال فورسبرغ في عام 1997 أن يكون «العالم في الغالب دون حروب»، حيث «يفتح زوال خطر حرب تشنها قوى عظمى الباب أمام مستقبل لم يمكن تخيله في الماضي، مستقبل لن تدعم فيه المجتمعات الحروب، ستكون نادرة وقصيرة ومحدودة النطاق».

ومن الواضح أننا لم نصل إلى تلك المرحلة بعد، ولكن ربما نصل إليها على مدار العقود القادمة، وفي الحقيقة منذ أن كتب فورسبرغ تلك الكلمات، تطورت العادات المتعارف عليها بشأن الحروب، لا سيما فيما يتعلق بالمدنيين العالقين في رحاها، لدرجة أكبر مما تخيلها أي شخص منذ نصف قرن مضى.

كذلك جاءت التغييرات السريعة في المبادئ قبل نهاية العبودية والاستعمار، وهما كارثتان كانتا تعتبران من الخصائص الدائمة للحضارة، لذا لا تفاجأ إذا أصبح من الممكن التفكير بصراحة في انتهاء الحروب.
جوشوا غولدستن أستاذ فخري في العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية ومؤلف: «الانتصار في الحرب على الحرب: انحسار الصراع المسلح حول العالم».
خاص ب”المجلة”فورن بولسي – سبتمبر/ أكتوبر 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.