نشرت صحيفة نيوزويك الأمريكية مقالاً لريتشارد إن هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية ومؤلف كتاب بعنوان (حرب ضرورة، حرب خيار: مذكرات حربين في العراق)، يتحدث حول عن الانتخابات العراقية ومستقبل العراق كمدخل أساسي لتناول الدول الفاشلة التي تهدد الإستقرار في العالم. وأشار هاس في مقاله إلى اليمن كواحدة من تلك الدول، وقال "إن التحدي الرئيسي ستمثله الدول الضعيفة كباكستان، وأفغانستان، واليمن، والصومال، وهايتي، والمكسيك، والكونغو وغيرها من الدول الضعيفة. والقواسم المشتركة بين هذه الدول (...) هو وجود حكومات فيها تنعدم لديها القدرة، أو الإرادة، أو الأمران معا، للحكم. وأضاف إنها "حكومات غير قادرة على ممارسة ما هو متوقع من الحكومات ذات السيادة، أي السيطرة على ما يجري في أراضيها". ونشرت مجلة النيوزويك في نسختها الإنجليزية بجانب المقال المشار إليه صورة الرئيس علي عبدالله صالح، وإلى جواره صور 5 زعماء قالت إن بلدانهم تهدد استقرار العالم. والرؤساء هم: جوزيف كابيلا رئيس الكونغو الديمقراطية، والرئيس الباكستاني آصف علي زرداري، ورئيس دولة هايتي رينيه بريفال، والرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون ، ورئيس أفغانستان حامد قرضاى. لكن الطبعة العربية من مجلة النيوزويك لذات العدد تجاهلت نشر الصورة الموضحة أعلاه، واستبدلتها بصورة لمجسم يتهاوى للرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
المصدر أونلاين يعيد نشر المقال عن عدد المجلة الصادر بتاريخ 7 مارس الجاري. انعدام الاستقرار في القرن ال21 لن يأتي من القوى العظمى بل من الدول الفاشلة بقلم ريتشارد إن هاس حتى لو أن الانتخابات العراقية المقرر عقدها يوم 7 مارس الجاري حدثت من دون مقاطعة للانتخابات أو من دون وقوع أحداث عنف كبيرة، فإن تشكيل حكومة جديدة يرجح أن يستغرق أشهرا من العمل الشاق. بل إن جعل هذه الحكومة تؤدي مهامها سيكون عملا أكثر صعوبة. العراق الذي كان يوما الدولة الأقوى في الوطن العربي هو اليوم أي شيء ما عدا ذلك. صحيح أنه حتى أشد المعارضين للحرب عليه أن يعترف الآن بأن العراق تطور بصورة دراماتيكية من الدولة السلطوية التي كانها تحت حكم صدام حسين والدولة الفاشلة التي أصبحها بعد إطاحته من الحكم. فالعنف انخفض، والاقتصاد في نمو، والعمل السياسي الانتخابي في المرحلة التي سبقت الانتخابات كان مكثفا جدا. ولكن مع ذلك فإن البلاد كما هو واضح لاتزال هشة ضعيفة. فمواطن الضعف الطبيعية العميقة تتواصل، لا سيما بين الأكراد والعرب، ولكن أيضا بين الأقلية السنية التي لا يقبل كل أبنائها وضعهم الحالي المصغّر والغالبية الشيعية التي لم تتبن بعد مقولة وينستون تشرتشل الشهيرة "في الانتصار: الشهامة". ليس هناك توافق وطني حول كيفية تقاسم عوائد النفط. والجيران مثل إيران يتدخلون في البلاد كما يحلو لهم. من المستحيل تجاهل المفارقة هنا. فأحد الأسباب المبررة للحرب العراقية كان إقامة ديموقراطية نموذجية تضطر الدول العربية الأخرى إلى محاكاتها. وحقيقة الأمر أن العراق أصبح نموذجا فعلا، ولكنه نموذج من نوع مختلف: فهو أصبح رمزا للدولة الضعيفة، الدولة العاجزة عن حماية نفسها أو الحفاظ على سلامها الداخلي أو التصدي للكثير من تحدياتها الأكثر إلحاحا من دون مساعدة خارجية. وهكذا فقد أصبح العراق نذير شؤم لنوع تحدي الأمن القومي الذي سينبغي للولايات المتحدة مواجهته في هذا القرن. إن حقيقة أن علينا أن نهتم كثيرا جدا بقضية الدول الفاشلة هي تغير رئيسي. وثمة أحداث كثيرة من تاريخ القرن ال20 كانت تدفع إليها أفعال الدول القوية، محاولات ألمانيا، واليابان، وفي النصف الثاني من القرن الاتحاد السوفييتي، لتأسيس هيمنة عالمية لها، والجهود الموازية من قبل الولاياتالمتحدة وتحالف متغير من الشركاء لمقاومة ذلك. هذه الصراعات أنتجت حربين عالميتين وحربا باردة. إن التهديد الرئيسي للنظام العالمي في القرن ال21 لن يكون الاندفاع نحو الهيمنة من قبل أي قوة عظمى، لأن الدول العظمى اليوم ليست دولا عظمى فعلا: فروسيا تمتلك اقتصادا أحادي الجانب وهي تعاني انتشار الفساد وعدد سكان متناقصا» والصين تجد نفسها مقيدة بعدد سكانها الهائل ونظام سياسي ثقيل في القمة. وبالأهمية نفسها، فإن الصين وبقية الدول الكبرى أو الصاعدة لا تسعى إلى تدمير النظام العالمي القائم حاليا بقدر ما تسعى إلى صوغه. فهي معنية أكثر بالاندماج بدلا من الثورة. وبدلا من ذلك، فإن التحدي الرئيسي ستمثله الدول الضعيفة كباكستان، وأفغانستان، واليمن، والصومال، وهايتي، والمكسيك، والكونغو وغيرها من الدول الضعيفة. والقواسم المشتركة بين هذه الدول (إضافة إلى حقيقة أن الكثير منها، مثل العراق، موجودة في منطقة الشرق الأوسط الكبير) هو وجود حكومات فيها تنعدم لديها القدرة، أو الإرادة، أو الأمران معا، للحكم. فهي حكومات غير قادرة على ممارسة ما هو متوقع من الحكومات ذات السيادة، أي السيطرة على ما يجري في أراضيها. في الماضي كان هذا يتمثل في معظمه في وجود مجرد قلق إنساني. ولكننا كما نعرف جميعا الآن، وذلك بفضل العولمة، فإن الأفراد والأشياء يتنقلون. فالإرهابيون والأمراض والمهاجرون غير الشرعيين وأسلحة الدمار الشامل، لكل هذه لا تعني الحدود الدولية عادة أكثر من رسميات لا أكثر. من جهة أخرى، فإننا لا نستطيع حل هذه المشاكل حصرا باستخدام القوة العسكرية الأمريكية. فكما تعلمنا في العراق، فإن استبدال الحكومة هو أسهل بالنسبة إلى محاولته من عمله فعليا، وفي الكثير من الحالات، ليس هناك بديل واضح، فضلا عن كونه بديلا مفضلا، للسلطة القائمة حاليا في هذه الدول. فالجنود الأجانب، حتى إذا ما كانوا يقومون بدور داعم، يستطيعون إطلاق ردة فعل وطنية ضد الحكومة التي يعملون على تدعيمها، وهو ما يفاقم من وضع مشكلة الدولة الضعيفة نفسها. كما أنه ليس من الواضح أيضا ما إذا كان القيام بقدر أكبر من العمل العسكري سيحقق تحسينات دائمة منسجمة مع الاستثمارات التي تواكب هذه الأعمال العسكرية لناحيتي الدم والمال. إن هذا قد يكون مصير أمريكا في أفغانستان. إن ثمن تحويل العراق من دولة فاشلة عام 2003 إلى دولة أفضل كثيرا، مع أنها لاتزال دولة ضعيفة أكثر من 4.000 قتيل أمريكي ووجود أكثر من 100.000 أجنبي على أراضي العراق على مدى سبعة أعوام وما يقرب من تريليون دولار هو ثمن باهظ جدا بحيث يمكن تكراره. وفي معظم الأحيان، ينبغي للولايات المتحدة وغيرها من الحكومات أن تسعى إلى تجنب التدخلات المكلفة والمثيرة للجدل في العادة والتركيز بدلا من ذلك على بناء قدرات الدول الضعيفة. إن هذا مجهود بطيء، تدريجي، ومجهود يقام به من الأساس وصولا إلى الأعلى. وهو ما يتطلب عادة إقامة بنى تحتية مادية أولية، فضلا عن الأطر الاقتصادية والقانونية والسياسية الأساسية. إن تحويل قوة الشرطة والجيش في هذه الدول إلى قوى محترفة عادة ما يتطلب سنوات من التعليم والتدريب أيضا. على الولاياتالمتحدة أن تسرع في إقامة فيلق مدني كبير "لبناء الدول" فيلق مشابه لقوة الاحتياط العسكرية يمكن نشره لمساعدة هذه الدول على بناء قدراتها هذه. ولكن يمكن أيضا وينبغي أن يُطلب من دول كثيرة أن تساعد في هذا المجهود. إن تدويل المشكلة إنما يوزع العبء الاقتصادي والعسكري، ويرجح أن تكون المهام التي تدعمها الأممالمتحدة أو منظمات إقليمية ذات صلة أكثر تقبلا من الناحية السياسية من قبل الدول المتلقية لهذا النوع من المساعدة. ويمكن للمعونة أن تمثل مكونا مهما لهذه السياسة، ولكنها ينبغي أن تكون مشروطة بوجود الحكم الرشيد والتخطيط السليم لكي لا يؤدي ذلك إلى نشر الفساد وتمويل عدم الكفاءة. والتجارة هي وسيلة أخرى: ففتح الأسواق في الغرب للسلع الزراعية والمصنعة في الدول الضعيفة هو أمر أساسي. فالسماح لباكستان بتصدير صادراتها من النسيج والأقمشة بصورة أسهل ينبغي أن يكون جزءا من السياسة الأمريكية كما إطلاق الطائرات من دون طيار وصواريخ كروز على أراضيها. إن تدعيم أركان العراق في فترة ما بعد صدام يكلف الكثير، وربما أكثر بكثير مما كان يحتاج إليه ذلك. وهناك الكثير من الدروس التي ينبغي الاستفادة منها من هذه الخبرة. ولكن علينا ألا نتعلم الدرس الخطأ وأن نستبعد مساعدة الدول الضعيفة نتيجة لذلك. إن تدعيم أركان هذه الدول ربما لايكون رخيصا، ولكنه أقل تكلفة من البديل المتمثل في احتلالها او تجاهلها. وكما هي الحال في العادة، فإن درهم وقاية خير من قنطار علاج.
* هاس هو رئيس مجلس العلاقات الخارجية ومؤلف كتاب بعنوان War of Necessity, War of Choice: A Memoir of Two Iraq Wars (حرب ضرورة، حرب خيار: مذكرات حربين في العراق).