عاش سركيس سوغاناليان (19292011) معظم حياته بصفته «تاجر الموت» الذي باع أسلحة الى الأرجنتين في خلال حرب الفوكلاند، وإلى الرئيس العراقي السابق صدّام حسين بعد حرب الخليج الأولى، في الوقت الذي كان يعمل فيه كجاسوس للولايات المتحدة. وك«رائد» في عالم الأسلحة السرّي، والجاسوسية، والغانغسترية، عقد سوغاناليان صفقة بقيمة 1.6 بليون دولار أميركي من الأسلحة الى العراق، في خلال حربه مع إيران في العام 1980، وأسلحة أخرى الى القوّات المسيحية في الحرب الأهلية اللبنانية، كما الى رئيس نيكاراغوا سوموزا.
لكن مغامراته تلك كانت تتمتّع، بالرغم من ذلك كلّه، بحماية من نوع ما من العدالة، ذلك أنه اعترف في العام 1981 بممارسة الخداع في بيع أسلحة رشّاشة من عيار 50 الى موريتانيا، ومع أن فعلته هذه كانت تحتّم الحكم عليه بالسجن لمدة طويلة، فما حدث أنه أبقي قيد التحقيق والمراقبة، في ما وصفه القاضي الأميركي يومها بأنه قضية تتّصل ب«شؤون دولية تقوم بها وزارة الخارجية».
العدالة المفقودة
في العام 1993، حكم على سوغاناليان بالسجن لمدة ستة أعوام ونصف العام، لمحاولته بيع مئة طائرة هليكوبتر هجومية الى العراق. ومع أن الولاياتالمتحدة قامت في حينه بحرب على الديكتاتور صدّام حسين، فقد خفض الحكم عليه بالسجن الى النصف، بعد أن كشف خليّة من اللبنانيين كانوا يروّجون دولارات أميركية مزوّرة من فئة المئة دولار. وكانت «صفقة التبادل» هذه نموذجية، كما يقال في عالم الجاسوسية وبيع الأسلحة. إذ أنه في كل مرة يقع فيها في الخطأ، ويجد نفسه بين القضبان، كان يلجأ الى توفير المخرج للافراج عنه بتقديم خدمة الى المخابرات.
معظم عملياته كانت تتمّ من منزله الشبيه بمنازل ال«بلاي بويز» في ميامي، أحد المنازل العديدة التي يملكها في العالم. وفاتورة الضرائب التي يدفعها عن صفقات الأسلحة التي ينفّذها بلغت أكثر من بليون دولار أميركي، الى حد أنه كان كما وصف، الملهم الأساسي لشخصية «ملك الموت» في الفيلم الذي أخرجه نيكولاس كيج تحت هذا الاسم في العام 2005.
ولد سركيس كرابيت سوغاناليان في عائلة أرمنية يوم 6 شباط (فبراير) 1929 في إقليم الإسكندرون، الذي كان يومها جزءاً من سورية وألحق فيما بعد بتركيا. وعندما مات والده، انتقلت العائلة الى بيروت حيث ترك سركيس المدرسة والتحق بالجيش، ليبدأ في وقت لاحق مجال أعماله الذي شغل بقيّة حياته.
ومع أنه ليس وارداً كشف طبيعة الشبكة التي أنشأها في العقود التالية بصورة كاملة، فممّا لا شك فيه مدى اتّساعها. فقد كانت له اتصالات رفيعة المستوى مع سياسيين، وديكتاتوريين، وبيوت ملكيّة حاكمة على مساحة العالم.
التجسّس لأميركا
أما علاقته مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، فلم يعد شك فيها بعد أن خرجت الى العلن صفقة تزويد پيرو بالأسلحة. وبحسب ما قاله سوغاناليان، فقد تناول نبيذاً وعشاء مع فلاديمير مونتيسينوس، الرئيس القوي لوكالة الاستخبارات، في أثناء زيارة قام بها الى ليما، عاصمة پيرو. وقد شكره رئيس الاستخبارات البيروفي على تأمين شراء صفقة أسلحة تتألّف من 50 ألف بندقية رشاشة من طراز «إيه كا47» من الأردن، وطلب تأمين صفقة بقيمة 70 مليون دولار من معدّات أخرى تكفي لتسليح قوّة كبيرة نسبياً. وبحسبه أيضاً، فإن تسديد المبلغ سيكون نقداً وبدفعة مسبقة تبلغ 22 مليون دولار.
وفي النهاية، مع ذلك، فإن بعض هذه الأسلحة وصل الى المكان الخطأ، ووجّه مونتيسينوس اتّهاماً الى سوغاناليان بأنه نقل الأسلحة الى حلقة من المهرّبين الذين قاموا بإسقاط عشرة آلاف بندقية من طراز «إيه كا47» من الجوّ الى رجال العصابات الكولومبيّة. أما حجّة سوغاناليان، فكانت أنه بعث بالأسلحة الى مكانها الصحيح، وأن مسؤولية الأسلحة المفقودة تقع على الفساد في البيرو وليس عليه.
في ما يتعلّق بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية التي كانت ترى في مونتيسينوس حليفاً لها في الحرب ضد كارتلات المخدّرات في أميركا الجنوبية، شكّلت رواية سوغاناليان نوعاً من الاحراج لها. ولذلك، فإنها أنهت علاقة العمل بينها وبينه.
بعد الحرب الباردة
عملياً، أدّى انتهاء الحرب الباردة الى وقف العديد من اتصالات العمل العائدة لهذا الرجل. وفي الوقت الذي مات فيه، يقول إبنه غارو، كان سوغاناليان «مكسوراً». ويضيف أن هناك الكثير من الكلام على «تاجر الموت»، لكن بالعودة الى أعوام الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ف«هدفه كان تقديم المساعدة الى الولاياتالمتحدة، وفي ذلك جذور عميقة من الوطنية التي غالباً ما يتمّ تجاهلها».
تزوّج سركيس سوناغاليان شيرلي آدامز، وهي معلّمة مدرسة في بيروت، في العام 1958، إلا أنهما تطلّقا في العام 1970، وما بقي منهما بعد وفاته في الخامس من تشرين الأول (أكتوبر) 2011، هو إبن وبنت