ليس عيبا التعلّق الشديد بالصور التي تُعرض والحكايات التي تُروى عن حقبة زمنية سابقة عاشتها عدن، والتي نطلق عليها، عدن أيام الزمن الجميل، سواء في مواقع التواصل الاجتماعي، أو ما يتحدث به بعض من كبار السن عن مشاهدتهم لفترة ازدهار مدينتهم، ومصادفتهم لوقائع مبهرة في تلك الحقبة الزمنية الجميلة، أو مجرد نقلهم لما سمعوه من مآثر ورويات مبهجة عن عدن من الآباء. حقا ما فاضت به عدن من عطاء ورقي وما تميزت به الحياة في تلك الحقبة السابقة من الزمن الجميل، من رخاء ونظام وإدارة رشيدة، وثبات عملة، فما كان يعرض في متاجر ومكتبات التواهي وكريتر للسكان والسواح من أحدث وأجمل البضائع والأجهزة الراقية، وكتب علمية وثقافية، وما حظيت به مدينة عدن من تخطيط حضري وبناء معماري حديث ومتناسق وجاذب، وتعبيد طرق اسفلتيه متينة، بمقاسات فنية سليمة، وتأسيس أجهزة وبناء صروح علمية وإعلامية وثقافية ورياضية، من معاهد ومدارس، وإذاعة وتلفزيون وصحافة، ومسرح وسينما واندية وملاعب رياضية. لقد ساهمت تلك النهضة المبكرة لعدن، في تأسيس أرضية خصبة، ومناخ صحي للمبدعين، فشجعت على تفجير طاقاتهم الإبداعية في الأدب والشعر والرياضة والغناء والموسيقى والتمثيل وغير ذلك من الفنون، فذاع صيت عدن آنذاك في الاصقاع. وتبوأت عدن المرتبة العليا، في مجالات مختلفة وكان لها الأسبقية في بعضها بين دول الجوار. فقد كانت منارة في التنوير والثقافة والسياحة والإبداع. لم تفت تلك الحقبة الماضية عن ذاكرة الجيل الحاضر، الذي فاته معاصرتها والعيش في كنفها، حقبة عدن أيام الزمن الجميل، ولكن لا ينبغي عليه خزن تلك الصور الذي نقلت إليه، والاحتفاظ بها في جيب ذاكرته متجمدة، ومعلبة لتمثل نموذج حياة هي في الأساس لا روح فيها ولا نفس، وإنما لتستمد مخيلته صورة حية كاذبة من أجل إطفاء بعض من ظمأه، حينما يشتد عطشه الناجم من شدة حرارة صهر وجه عدن وذوبان معالمه الفاتنة. ولكن على الرغم من كل ما اختزن في خيال الجيل الحالي، الشاب والكبير عن ماضي عدن البهي، فإن كل ما تلتمسه عدن من أبنائها، هو تركهم لمعاول الهدم، فمهمة ما لصق بالخيال من ذكريات جميلة، ينبغي لها أن تكون مصدرا للتحفيز على العطاء والوفاء لعدن، وتشجع على تشمير السواعد لإعادة اصلاح وترميم وتحسين كل ما شوه وجه عدن، من بناء عشوائي ومظاهر مسلحة، وتعطيل منابر إعلامية وثقافية ارتبط إسمها برباط وثيق بتاريخ عدن الحديث، ومن ضعف وتسيب في دور المدارس وهبوط المستوى العلمي للتلاميذ والطلاب، ومن اهمال وتدمير لمعالم سياحية وهي جزء هام من تاريخ عدن والوطن بشكل عام، ومن تدمير للبنية التحتية لمحافظة عدن، ومن ضعف الخدمات الصحية. فعدن اليوم بأمس الحاجة لتكاتف الجميع من أجل صونها والحفاظ على منشأتها الاقتصادية الكبيرة، من ميناء استراتيجي واقتصادي هام ومصفاة نفط ضخمة، وتعزيز الخدمات الأساسية لقاطنيها من طاقة كهربائية ومياه شرب نقية، ونظافة وتوفير بيئة صحية، والله من وراء القصد.