الاحتفاء المبكر بقرب أعلان تشكيلة الحكومة الجديدة على ضوء التسريبات الأخيرة ، يبدو أنه يعبر وكالعادة عن حالة الفوضى العارمة التي تجتاح اليمن وعلى كل المستويات العامة والخاصة والرسمية والشعبية وهلم جرا .. لكن الملفت للنظر هو المستوى الذي وصل له الكثير والذي يعبر وبوضوح عن مدى انعدام أفق الرؤية في الوسط الإعلامي اليمني وهو يهلل ويبجل بل ويؤكد صحة تلك التسريبات ويستبق كل التوقعات وكلا بحسب توجهه وانتماؤه وفي أحسن الأحوال بحسب قناعاته الشخصية والتي لا تستقر على حال وقد تتموضع في أي لحظة في أي اتجاه وفي أي موقع بحسب حالة الطقس . وفي تقديري أجد ذلك الاحتفاء مبالغا فيه وبعيد كل البعد عن الحقائق الجارية على أرض الأرض وذلك لأني أعتقد وأرى وأزعم أن مرور عام على توقيع أتفاق الرياض لم يسفر على شيء يجعلنا نثق بالتزام الأطراف الموقعة عليه والوسطاء القائمين على تنفيذه وعلى ما يبدو أن أتفاق الرياض السعودي يسير على خطى أتفاق استكهولم السويدي وبنفس التراتبية من حيث الشكل والجوهر المتعثر والذي يؤكد على حقيقة واحدة ولا تحتاج للكثير من الحدس والتفكير ، ألا وهي حقيقة دفع التطورات والمجريات تجاه خيار إطالة أمد الحرب في اليمن من قبل اللاعبين الإقليميين والدوليين .
وهذا لايعني استبعاد احتمال تسمية الحكومة ولا استبعاد وصولها إلى العاصمة عدن .. فقد تصدق صحة تلك التسريبات وقد نرى الحكومة الجديدة قريبا في عدن ، لكنني استبعد ان تنجح في تطبيع مناحي الحياة في العاصمة والمناطق المحررة على الوجه الكامل الذي يحلم به السذج المحتفون بالتسريبات .. فالآلية المتبعة في تنفيذ بنود الاتفاق ومعها مصفوفتها المزمنة وكل المشاورات والتفاهمات السابقة واللاحقة تؤكد أن ثمة حلقات مفقودة لأتبعث على التفاؤل ولاتدعو للاهتمام والمتابعة ولا للثقة في إنهاء مظاهر العبث والفوضى التي أحالت الوضع إلى ما يشبه وضعية إدارة الحروب الصغيرة التي لإيراد لها أن تنتهي .
وباعتقادي أن المؤشرات على استمرار دوامة استنزاف كل الأطراف المتصارعة باتت استراتيجية طويلة المدى ولا اعتقد بانها ستغير من طريقة التعامل ألا عابئة ولامكترثه تجاه جميع الأطراف ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أزمة فقدان الثقة والتي على مايبدو أن كافة الأطراف تستشعر تجاه "المنظومة الراعية للحرب" والتي تتولى إدارة الأزمات المستحدثة و المفروضة على كل أطراف النزاع وبحسب أولويات الأجندة المؤمل إحرازها على المدى المنظور والبعيد .
وكون أن الاختلالات لاتقف عند فرقاء الأزمة "حلفاء الحليفين" .. فالحليفين ذاتهم يعانون من ذات الاختلالات التي يعاني منها حلفائهم ولعل السبب في ذلك يعود إلى اعتلالهم المتأثر بتعقيدات ومصاعب الوصول إلى فهم العقلية اليمنية المليئة بالتناقضات العويصة والتي لا طاقة للحليفين بها ولا بتحمل أعباء التكاليف الباهظة والناجمة عن محاولاتهم المستمرة في الوصول إلى فهمها واستيعابها لتحقيق ما يصبوان لتحقيقه عبثا وكل الحديث الذي كان يدور حول أشكالية تعثر تنفيذ الاتفاق والمتمثل في عقبة تقديم تنفيذ الشق الأمني على الشق السياسي والعكس ليس إلا مناورة سياسية للاستنزاف وقد تكون تسريبات التوافق على تشكيلة الحكومة هي الأخرى مناورة للاستنزاف طالما وكل الأطراف منزوعة السيادة .