كلما دقت الحرب طبولها وأشتدت، وحمي وطيسها، وزمجرت مدافعها، وأزهقت فيها الأرواح، وسُفكت فيها الدماء، زاد المي ووجعي وأتسعت دائرة حزني ومعاناتي.. فتضيق بي الدنيا بما رحبت وتتعاظم بداخلي الآهات والأنات،ويزداد جُرح الوطن المكلوم بداخلي.. شعوراً غريباً يلتهم دواخلي ومزيجٌ من الخوف والرجاء، الخوف من أن يغدو الوطن أطلالٌ نندبها ونبكي عليها،والرجاء في الله جل في علاه في أن يرفع ذلك البلاء ويسخّر من يوقف هذه الحرب التي أهلكت الحرث والنسل وأحرقت الأخضر واليابس، وبددت معالم الوطن وقبلها الحياة..
لا أدري لماذا يُصر المتناخرون في على الصراع وسفك الدماء وإزهاق الأرواح وتدمير الوطن وإنهاك البسطاء، لماذا يصرون على أن نعيش في كآبة وضيق وحزن والم متجدد متكرر دون إنقطاع.. لماذا يصر هؤلاء على أن تتعفر هذه الأرض بالدماء وترتوي بالأسى وتتخضب بالوجع والآه والأنين وينام أهلها على الأنين ويصحون على الصراخ والعويل..؟
يا لهذا الحزن الذي رسمه هؤلاء وتفننت فيه آلة الحرب والدمار وزينته القلوب القاسية والنفوس الظالمة التي تجردت من كل شيء، فلا تتوجع لسقوط شهيد، أو تتألم لتمزق الأجساد، أو ترتدع حينما ينوح الإطفال والأمهات.. أناس يقتاتون البارود ويرقصون على أصوات المدافع ويتلذذون بلعلعة الرصاص ويتنافسون على إزهاق الأرواح وإهدار الدماء وتدمير الأوطان وزرع البؤس والشقاء والعناء على ملامح البسطاء والمغلوبين على أمرهم.. لا أدري لماذا يأبى الأتباع أن يعودوا لرشدهم وصوابهم ويتجردوا من تبعية من يسوقونهم سوق البهائم دون إرادة أو شخصية أو حتى مبادى تقف حائلاً بينهم وبين تلك الأطماع التي تهدف لتدمير الوطن بسلاح أبناءه وغباء البعض..