الفريق علي محسن الأحمر ينعي أحمد مساعد حسين .. ويعزي الرئيس السابق ''هادي''    ما لا تعرفونه عن الشيخ عبدالمجيد الزنداني    وفاة ''محمد رمضان'' بعد إصابته بجلطة مرتين    «الرياضة» تستعرض تجربتها في «الاستضافات العالمية» و«الكرة النسائية»    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    بين حسام حسن وكلوب.. هل اشترى صلاح من باعه؟    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    السيول تقتل امرأة وتجرف جثتها إلى منطقة بعيدة وسط اليمن.. والأهالي ينقذون أخرى    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جريمة قتل في حارة رو مارجيو - قصص من الغموض و الخيال للقاص ل إدجار ألآن بو
نشر في عدن الغد يوم 16 - 11 - 2011

قصص من الغموض و الخيال -للقاص و الشاعر الأمريكي الكبير إدجار ألآن بو

جريمة قتل في حارة رو مارجيو

ترجمة خاصة ل عدن لغد قدمها: د / طارق علي عيدروس السقاف
كلية التربية / صبر / قسم اللغة الإنكليزية


عندما كنت في باريس، أقمت مع صديقي (دوبن) لعدة أشهر ، وكان رجلاً ذكياً، فهو يستطيع أن يضع الحقائق بجانبه ويستخلص معانيها، فقد درب نفسه ليس فقط ليرى الحقائق المألوفة لقضية ما، ولكن أيضاً الحقائق غير المألوفة، ولهذا فقد كان قادراً على إيجاد حلول لقضايا عويصة والتي لم يستطع غيره على حلها.وكانت قضية قتل إمرأتين في ذلك الشارع والذي يُدعى (رومارجيو) من هذا النوع من القضايا. وكان هذا تقرير صحيفة مسائية، حيث جاء فيها :

" في الساعة الثالثة من صباح هذا اليوم، سُمعت صرخات رهيبة في غرفة في الطابق العلوي من شقة تقع في حارة (رومارجيو). وكانت الشقة تخص السيدة (إسباني) وإبنتها الآنسة (كاميلي). وكان الباب الأمامي للمنزل مغلق، ولكن رجال الشرطة قاموا بكسره ، وإقتحام الغرفة، وفي ذلك الوقت كانت الصرخات قد توقفت، ولكن عندما صعد الرجال السلالم إلى أعلى، سمعوا أصوات تصرخ بغضب. وبدت الأصوات آتية من مكانٍ ما في أعلى المنزل. وعندما صعد الرجال إلى الطابق الثالث، توقفت هذه الإصوات أيضاً، وبدا كل شيء هادىء. وقد إندفعوا مسرعين من غرفة إلى أخرى. وفي النهاية إندفعوا إلى غرفة كبيرة كانت تقع خلف المنزل، وكان باب هذه الغرفة مقفلا، وكان مفتاحها في الداخل..

اقتحمت الشرطة هذا الباب أيضا. ً كانت الغرفة في حالة يُرثى لها من الفوضى، وكانت الأثاث مكسرة ومبعثرة هنا وهناك. لم يكن هناك سرير، أما خزانة الملابس فقد كانت مرمية على الأرض. ووجد رجال الشرطة سكينا ًمغطى بالدم أسفل أحد الكراسي الموجوده ، وكانت هناك خصلتان أو ثلاث لشعرٍ رمادي كثيف مُلقى بجانب المدفأة. وكان الشعر قد أُنتزع من جذوره من رأس شخص ما . وكانت هناك العديد من العملات الذهبية الملقاة على الأرض ، وكذلك أقراط ذهبية، وحقيبتان مملوأتان بالنقود – أربعة آلآف فرنك.

و في البداية لم تستطع الشرطة أن تجد أي من السيدة (إسباني) أو إبنتها. ولكن كانت المدفأة متسخة جداً، وبالنظر للمدخنة ، فقد وجد رجال الشرطة شيئاً رهيباً ، حيث وجدوا جثة الفتاة بداخلها وقد دُفعت بقسوة إلى أسفلها ، وكانت الجثة بحاجة إلى أربعة من رجال الشرطة لإخراجها . وكانت لاتزال دافئة ، وبها جراح و خدوش عنيفة على الوجه و الذراعان، كما كانت هناك آثار عميقة لأظافر حول الحنجرة ، أما العنق فقد كُسر. وبعد معاينة المنزل بالكامل. إبتعد الرجال بمسافة ياردة خارج المنزل، وهناك وجدوا جثة السيدة (إسباني)، وكان رأسها قد قُطع تقريباً بسكين حاد. ولم تستطع الشرطة – إلى وقتنا هذا – أن تكون أي فكرة حول الجاني الذي إرتكب هذه الجريمة البشعة.

وفي صباح اليوم التالي، ذهب (دوبن) لشراء صحف الصباح. وقد قرأناها ونحن نتناول طعام الإفطار. وكانت هذه إحدى الروايات المذكوره في صحف الصباح:

لقد إستجوبت الشرطة العديد من الناس حول جريمة القتل في (رومارجيو). ولم تتكشف الحقائق بصورة واضحة بعد. وقال السيد (بيري ماست) – وهو أحد رجال الشرطة الباريسية- بأن الناس قد دعوه وذلك عندما سمعو صراخ من المنزل، ولذلك فقد قام بإقتحام المنزل من بابه الأمامي مع بعض من رجال الشرطة ، وبعدها توقفت الصرخات، وبعد لحظة ، سمعوا صوتان غاضبان ، وكان الصوت الأول عميق لرجل كان يصرخ قائلاً "ياإلهي" "أعوذ بالله" ، وكان الصوت الثاني عالياً جدا ً ، ولم يستطع أن يحدد إذا ما كان لرجل أو إمراة، ولكن الأصوات لم تكن فرنسية.

وكان (هنري دوفال) واحداً من أولئك الذين أقتحموا المنزل، وكان يعرف السيدة (إسباني) وإبنتها. ولم يكن ذلك الصوت العالي لاحد من الإمرأتين. ويعتقد بأن ذلك الصوت كان ذو لكنة إيطالية. وهو نفسه لم يكن يعرف الإيطالية او حتى يعرف أي إيطالي.

أما(كارل) فقد كان ماراً بالمنزل عندما سمع صرخات نسائية، وكانت صاخبة وطويلة ورهيبة، وكان الصوت العالي لرجل - حسب زعمه – وقد إعتقد بأنه يتكلم الإنكليزية، أو على الأقل ذو لكنة إنكليزية ، ولكن هو نفسه لم يكن يعرف سوى الألمانية.

(وليام بيرد) وهو رجل إنجليزي،وكان هو الأخر قد دخل المنزل، وقال بأن الصوت العالي كان لشخص فرنسي، أما الصوت الأخر فقد كان صاخباً ويتكلم بسرعة، وربما كان لشخص صيني، بالرغم من أنه لايتكلم الصينية ولم يكن لديه أصدقاء من الصينيين.

(ألفونزو جارسيا) ، وهو إيطالي وافق بأن الصوت الأول كان لفرنسي، أما الصوت الأخر فقد كان يتكلم اللغة الروسية – وكان متأكداً من ذلك. فهو لم يفهم اللغة الروسية ، ولكن الأصوات - حسب زعمه- كانت بكل تأكيد روسية.

ولكن جميع أولئك الناس إتفقوا- في روايتهم- حول الغرف في الطبق العلوي. كان باب الغرفة الكبيرة مغلقاً من الداخل عندما وصلوا إليه، وكذلك جميع النوافذ كانت مغلقة بإحكام من الداخل. قال (جين ميكرد) - وهو مالك لبنك- بأن السيدة (إسباني) أودعت نقودها في البنك ، وقبل وفاتها بثلاثة أيام سحبت من رصيدها مبلغاً وقدره أربعة آلآف فرنك ، وقد وضعت نقودها في حقيبتين كبيرتين ، وتم تسليمها النقود في منزلها لأن الحيقبتان كانت ثقيلتان بحيث لم تتمكن المرأة العجوز من حملهما. وقبل حدوث الجريمة بثلاثة أيام ، كان (أدولف ليبون) - وهو أحد الموظفين في بنك السيد (ميكرد)- قد أخد الحقيبتان إلى منزل السيدة (إسباني) ، ولكنه صرح بأنه لم يدخل منزلها البته، ولكنه فقط - عندما فتحت له الباب- سلم الحقيبتان للسيدة (إسباني) يد بيد.

وعلى الصفحة الأخيرة من الصحيفة، كان هناك خبراً ختامياً مفاده بأن الشرطة كانت قد ألقت القبض على (ليبون).

قرأ (دوبن) الصحيفة بإمعان ثم إلتفت نحوي قائلاً "مارأيك ؟ يجب أن نحاول حل هذه القضية ، إن (ليبون) صديقي ولا أصدق بأنه هو القاتل. ونحن نعرف (جودنت) رئيس الشرطة الباريسية، وسوف يسمح لنا بزيارة المنزل في (رومارجيو) ، وسوف يسمح لنا أيضاً برؤية الجثتين." وسألته "مارأيك بهذا يا (دوبن) ؟ "

"أعتقد بأنها جريمة من النوع غير العادي، ولا أعتقد بأن الشرطة سوف تجد الفاعل أو الفاعلين لهذه الجريمة ، فهم - الشرطة الباريسية- لايبحثون في الطريق الصحيح. وأعتقد بان هذا اللغز وأضح بالنسبة لصديقنا (جودنت). وعندما حصل (دوبن) على الإذن من رئيس الشرطة الباريسية ، ذهبنا مباشرةً إلى حارة (رومارجيو)، ولكن قبل ذهابنا إلى المنزل ، مشينا ببطء حوله، وفحص (دوبن) الحيطان والنوافذ بحذر، وفي ناصية المنزل إلتقط شيئاً من على الأرض ووضعه في جيبه ، وفي داخل المنزل إتجهنا إلى الغرفة التي وُجدت بها جثة الآنسة (كاميلي) موضوعة في المدخنه. وكانت كلا الجثتين قد أُحضرتا إلى الغرفة ، وقد فحصهم (دوبن) بعناية، عذا ذلك فقد كان كل شيىء موضوع على حاله . وبينما (دوبن) كان منهمكا في الفحص، تحدث مع رجل الشرطة الموجود معنا ، وقد أمضى (دوبن) وقتاً طويلاً بجانب النافذتان في الغرفة، وبدا يفحص كل شيء بعناية فائقة، الباب، الأثاث، المدفأة، المدخنة، خصلات الشعر الرمادية على الأرض . وأخيراً غادرنا المنزل ، وفي طريق العوده، توقف (دوبن) على مكتب الصحيفة ، ودخل إليها وأنتظرته في الشارع ، وفي نهاية اليوم لم يخبرني (دوبن) بأي شيء حول جريمة القتل. و في الصباح كان صامتا حتى بعد قرأة الصحيفة. وفي منتصف اليوم قال لي (دوبن) " ألم تلحظ أي شيء غير عادي حول هذه الجريمة؟" فأجبته "لا، لا أعتقد ذلك. ولكن الصحف كتبت ماتتوقعه حول هذه الجريمة." فأجاب (دوبن) "نعم ، ولكن الصحف لاتساعد على إيجاد الفاعل، إنهم فقط يكتبون ما يقوله كل فرد شاهد الجريمة, إن هذه الجريمة مختلفة تماماً عن باقي الجرائم الأخرى العادية، ولهذا السبب أعتقد بأن حل هذا اللغز ليس بالصعوبة التي نتوقعها. " قلت له " إن السيد (جودنت) بدا مرتبكاً."

-" لقد قلت لك للتو لماذا هو محتار في هذه القضية، لأن هذه الجريمة مختلفة عن باقي الجرائم الأخرى."

- "إن الأصوات التي سُمعت أربكتني أنا أيضا ً

- " ألا تعتقد بأن القوة التي استخدمت في الجريمة غير عادية؟ أعني بذلك بأن قتل السيدتين لم يكن يحتاج لكل هذه الوحشية."

- فسألته "كيف هرب القتلة برأيك؟"

- فأجاب دوبن "وهذه مشكلة أخرى، فلم يكن أحد هناك في الطابق العوي ماعدا السيدتين. والطريق الوحيد الذي يُؤدي إلى خارج المنزل هو عبر السلالم المؤدية إلى أسفل . وهذه الحقائق ليست من الصعوبة بمكان، بل أنها تسهل مجرى القضية. ولكن....

- (جورج جودنيت) يعتقد بأنها تعقد القضية."

- "حسناً لنمشى قليلاً يادوبن، وأخبرني عن هذا الموضوع"

- "لا. سنبقى هنا، إنني منتظر رجل سوف يخبرني المزيد عن هذه القضية"

فنظرت إلى صديقي بإندهاش كبير، وقلت "هل تقصد القاتل؟"

- "إنه ليس مذنب، إنني متأكد من ذلك، إنه لم يقتل السيدتين،و لكنه يعرف الحقيقة."
- "وهل طلبت منه الحضور إلى هنا؟"

- "أعتقد بأنه سوف يأتي، وعندما يأتي، قد نحتاج إلى الإحتفاض به هنا"

بعدها ذهب (دوبن) إلى درج وأخرج منه سلاحان قائلاً:

- "هذه الأسلحة مشحونة، سوف نحتفظ بها معنا للحاجة. وأمل بأن لانضطرلإستعمالها، " قال ذلك وهو يعطيني إحداها. فأخدت واحدا ً ووضعته في جيبي. بعدها إستمر صديقي في شرحه، وجلست منصتاً له مع كثير من الإعجاب."

قال (دوبن) "لقد فكرت بسرعة حول الأصوات التي سُمعت، لنقل بأن الصوت الحاد كان للفرنسي، ولكن الصوت الأخر-الصوت العالي- لابد وأنه كان غير إعتيادي. كما أن الشرطي لم يستطع أن يميز إذا ماكان الصوت لرجل أو إمرة. وإعتقد (دوفال) بأن الصوت كان لإيطالي. أما (الفونسوا جارسيا)- ذلك الإيطالي- قال بأن الأصوات كانت لروسي.

-"نعم، نعم. أني أذكر ذلك، والألماني ماذا كان إسمه؟"

-"(أودنهيمر)"

-"نعم، (أودنهيمر)، وقال بأن الصوت كان لإنكليزي"

-"ولكن السيد (بيرد)-وهو إنكليزي- إعترض على ذلك. وكانت وجهة نظره بأن الصوت كان لصيني. ولم يسمع أحد أي كلمات مفهومة وذات معنى، وكل ماسمعوه كان مجرد أصوات، حسناُ أنا شخصياً لدي وجهة نظر للصوت قبل أن نذهب إلى المنزل."

-"والسؤال التالي كان: كيف هرب القتلة؟ كانت هناك حقيقة واحدة مؤكدة وهي أنهم كانوا قد هربوا من الغرفة التي وجدت فيها جثة الفتاة."

- قلت "كان باب تلك الغرفة مقفلا. وكان المفتاح لايزال عليه."

-"صحيح، فإذا كان القتلة قد هربوا من خلال الباب وأقفلوه خلفهم، فلن يكون المفتاح بالداخل."

-"لابد وأنهم قد هربوا من خلال النافذه، أو من خلال المدخنة"

-"أيضاً صحيح، لقد نظرت إلى المدخنة، فكان جزئها السفلي اوسع بشكل كاف لإدخال جثة الفتاة. ولكن الجزء العلوي كان ضيقاً جداً. ولأاحد – حتى وإن كان طفلا يستطيع النفاذ منه."

- "إذا لقد هربوا من خلال إحدى النوافذ"

- قال دوبن "ذلك مؤكد، ولكن الشرطة لا تؤمن بهذه الفكرة لأن كلا النافذتين كانتا مغلقتين بإحكام. وأخبرني "جورج" بأن رجاله لم يستطيعوا فتحها أبدا. ولكن الحقيقة المؤكدة : أن القاتل أو القتلة قد هربوا من إحدى النافذتين في الغرفة الكبيرة، ولا يوجد هناك استنتاج أخر.

- سألت " لقد فحصت النوافذ بدقة شديدة، فماذا اكتشفت؟"

- " الحرص مطلوب دائما. أحياناً لا تعرف الشرطة الحقائق، لأنهم لا يدققون بما فيه الكفاية. إن النافذتان في الغرفة من النوع المتحرك، وهناك جزئين، الجزء العلوي الثابت، و الجزء السفلي الذي يمكن رفعه قليلا لدخول الهواء, وعندما يرتفع الجزء السفلي، يجب أن يكون هناك شيئا مسنداً له، و إلا سوف يقع بثقله إلى الأسفل."

" يوجد ثقبان و مسمار طويل على الجوانب الخشبية في هذه النوافذ. لرفع الجزء الأسفل ، يجب أن ينزع ذلك المسمار، عند ئد عندما يكون الجزء السفلي مرفوعا، يمكن أن يدفع المسمار إلى كلا الثقبين. أي أن المسمار هو الذي يبقى النافذة مفتوحة. لابد وأن الشرطة قد رأت المسمار ، كما أنه من المحتمل بأنهم اعتقدوا بان كلا النافذتان كانتا قد أغلقت عن طريق المسمار في كلاهما ، و لكن تظل الحقيقة ثابتة وهي أن القاتل قد هرب من إحدى النافذتين" .

- قلت " إذن من الممكن فتح إحداهما ".

- استمر دوبن في كلامه قائلا " وقفت بجانب النافذة الأولى و نزعت مسمارها و لكنني لم أستطع رفعها ، فاعتقدت بأنه لابد بأن يكون هناك زنبرك مخفي ليبقيها مغلقة ، و بعد بحث دقيق و جدت الزنبرك و ضغطت عليه و لم أكن بحاجة لفتح النافذة ، و لكن تخيل معي بأن القاتل خرج من النافذة فعن طريق ثقلها سوف تغلق لوحدها كما أن الزنبرك سيبقيها مغلقة و لكن ماذا عن المسمار ؟ لقد وجدته الشرطة في الحفرة و لا يمكن للقاتل بأن يضعه في الحفرة بعد خروجه ، ماذا يعني هذا ؟"

- قلت " يعني بأن القاتل لم يستعمل تلك النافذة بل الأخرى "

- " بالضبط ، و بعد أن فحصت النافذة الأخرى ، كان الزنبرك في نفس الموقع الذي كان عليه الزنبرك في النافذة الأولى ، و كذا المسمار بدا مثل المسمار مثبتا كما في النافذة الأولى "

- فقلت " لابد وأن هذا الأمر قد حيرك "

- " حيرني !!! مطلقا . أنا أتعامل مع حقائق و ليس تخمينات ، فالحقائق هي التي قادتني للنافذة الثانية و مسمارها فقلت لنفسي إن منظرها مثل النافذة الأولى و مسمارها و لكن المنظر ليس دائما هو الحقيقة فمسمار النافذة الثانية هو نهاية اللغز ، فقلت لنفسي لا بد وأن هناك خطأ ما في المسمار ، فأخرجته من حفرته ، فكان في الواقع نصف مسمار فقد كان نصفه السفلي مكسور أما ما كان يبرز للظاهر فهو نصفه العلوي فقط مما يوحي بأنه في الحفرة و بالتالي يغلق النافذة ، فوضعته في الحفرة و مرة أخرى بدا و كأنه مسمارا كاملا يغلق النافذة ، و بعدها ضغطت على الزنبرك ورفعت النافذة قليلا فأرتفع المسمار أيضا ".

- قلت " كنت محقا إذن عندما اعتقدت بأن القاتل كان قد هرب من هذه النافذة "

- " نعم ، و قام القاتل بعد عملية القتل بإغلاق النافذة بقوة كانت كافية لكسر المسمار و لقد أبقى الزنبرك النافذة مغلقة بحيث اعتقدت الشرطة بأن النافذة مغلقة تماما ، و الآن السؤال التالي كيف وصل الجاني إلى الأرض "

- قلت " بالطبع ليس عن طريق السلالم "

- " لقد غادر القاتل الشقة عن طريق النافذة وأعتقد بأنه دخلها بنفس الطريقة"

- فقلت " و لكن تذكر يا دوبن بأن الشقة مرتفعة كثيرا عن الأرض و لا يمكن للقاتل أن يطير في الهواء حتى يصل إلى الأرض "

- فقال " وتذكر أنت أيضا الحقائق المعطاة لدينا ، لقد هرب الجاني عن طريق النافذة ووصل إلى الأرض ، ولكن السؤال هو كيف فعل ذلك ؟"

- قلت " أخبرني أرجوك"

- قال دوبن " لقد غادر الجاني الشقة من خلال النافذة و هي لا تبعد كثيرا عن ناصية المنزل ، و عندما فحصت فناء المنزل و جدت ماسورة على الناصية وقد اخترقتها مياه المطر المنهمر على السقف و كانت المسافة بين النافذة و تلك الماسورة حوالي متر و نصف المتر "

- قلت " إن متر و نصف المتر مسافة كبيرة و من الخطورة بمكان عبورها للوصول إلى المنزل "

- " هذا صحيح ، سيكون من الصعوبة و الخطورة للغاية للجاني حين يقفز هذه المسافة للوصول إلى المنزل ، و لكن إن كان متدربا على ذلك فمن من الممكن أن يفعلها ، و عندما تكون النافذة مفتوحة سيساعده ذلك كثيرا "

- " إن هذا الجاني إما شخصا شجاعا أو مغفلا ، "

- " إن هذه المسألة ممكنة ، حاول أن تبقى على كل الحقائق في رأسك و فكر في تلك الوثبة الصعبة و الخطيرة من الماسورة إلى الشقة ، و فكر أيضا في تلك الأصوات غير الاعتيادية التي سمعت ليلة وقوع الجريمة و تلك القوة الرهيبة التي استخدمها الجاني في جريمته " .

و فجأة بدأت أفهم فكرة دوبن و لكنه استمر في حديثه و قال :

- " إن الشرطة تضيع وقتها في معرفة أسباب و دوافع هذه الجريمة ، من جانبي لا أعتقد بأن هناك أي دافع لهذه الجريمة ، كما أن السيد جورج حائرا في عدم سرقة القاتل للأربعة آلاف فرنك ، لقد ترك القاتل النقود داخل حقيبة و تركها على الأرض. إن ليبون في السجن فقط لأنه سلّم المال للسيدة إيسباني ، و لكن المرأتان قتلتا بعد استلامهما المال بثلاثة أيام ، إن القاتل لم يكن يريد المال ، لا نريد أن نضيع وقتنا في التركيز على المال ، لم تكن هناك جريمة ، لقد كان حادثا لا أكثر "

- كانت الحيرة قد تملكتني، سالت دوبن " و ماذا يعني ذلك ؟ "

- رد قائلا " حسنا ، ألا ترى معي بأن هناك حدثان مهمان الأول وجود الكثير من المال في الشقة و لم يسرق و الحدث الثاني هو وجود امرأتان قتيلتان في هذه الشقة ، أعني بذلك بأن المرأتان لم تقتلا من أجل النقود "

- فأجبته موافقا " نعم ، نعم ، استمر "

- " كانت رقبة الفتاة مكسورة كما أن جسدها كان محشورا بقوة داخل المدخنة ، هل هناك سبب منطقي لذلك ؟ هل هناك قاتل يخفي ضحيته بتلك الطريقة ؟ و كذا كثيرا من شعر السيدة إيسبيني قد تم انتزاعه منها بطريقة وحشية كما أن رأسها كان تقريبا قد فصل من جسدها كما أنها قد ماتت قبل أن يرمي بها الجاني من النافذة . هل للجاني أسباب وجيهة لجريمته بهذه الوحشية ، أعتقد بأنه لا أسباب وجيهة للقاتل عل الإطلاق لما فعله "

- بدأت أكثر حيرة وأردد " لا أسباب وجيهة للقتل ، فقط قوة عمياء ، وثبة خطرة من المأسورة إلى نافذة الغرفة ، وصوت غريب .... ما ذا يعني ذلك ؟؟!!"

نهض دوبن وعاد إلى طاولته وأخذ كتابا من أحد الرفوف و كان هناك مظروفا بين صفحاته .

- قال دوبن " عندما رأيت جثة الفتاة ، عرفت نوع القاتل الذي نبحث عنه ، بل أن جثة السيدة إيسبيني قد أكدت ما ذهبت إليه " .

فتح دوبن صفحة الكتاب بالعلامة الموضوعة عن طريق المظروف و قام بعدها بفتح المظروف وأخذ منه عشر إلى اثنا عشر شعرة من الشعر البني المحمر . قال دوبن

" كانت أصابع اليد اليمنى للسيدة إسبيني مقفلة بإحكام ، فتسائلت عندها لماذا؟ و عندما فتحت يدها وجدت هذه الشعرات في يديها " ، نظرت إلى هذه الشعرات بدقة ، كانت من النوع الغليظ و الخشن مثلها مثل شعرات فرشاة الأسنان " فقلت له :

- " إنها ليست من رأس إنسان يادوبن"

- " لا ، كما أن العلامات التي كانت ظاهرة على رقبة الفتاة لم تكن ليد إنسان أيضا ، لقد وضعت رسم مبسط لهذه العلامات التي وجدتها " ، بعدها أرآني دوبن رسم على بداية المظروف ، فقلت : " إذن من...... ؟ و ماذا.....؟ تخيلت السيدة العجوز وهي تقاوم القاتل قامت بانتزاع هذه الشعرات ذات اللون البني المحمر ..... وكانت لا تزال تحتفظ بها حتى بعد وفاتها ، لقد كانت يدها مطبقة عليها، كان تصورا رهيبا " ، أشار دوبن إلى منتصف الصفحة وقال لي " أقرا هذا ، أنه حيوان وحشي يقطن غابات بورنيو " ، فقرأت

" إنه واحد من أكبر فصيلة للقردة و يدعى إنسان الغاب* ، إنه قوي جدا و متوحش جدا ، و بالرغم من أنه في معظم الأحيان يسكن بين الأشجار إلا إنه من الممكن أن يهاجم الإنسان و يقضي عليه ، ولإنسان الغاب شعر غليظ لونه بني مائل إلى الاحمرار " ، وكان الجزء الآخر من الصفحة مخصصا لوصف شكله و حجمه و ذراعيه و قدميه و أصابعه و صوته و كانت هناك صورتان لذلك المخلوق. قال دوبن :

- " هل رأيت أصابع ذلك المخلوق تتناسب تماما مع العلامات المرسومة على الورقة ، كما أن له نفس الشعر إضافة أن إنسان الغاب يستطيع القفز لمسافات طويلة وهذا يعني أنه من الممكن جدا أن يقفز من ماسورة الماء إلى نافذة المنزل "

عندها عرفت حقيقة تلك الجريمة البشعة ، فقلت بحماس شديد:

- " إذن كان إنسان الغاب هو الذي قتل المرأتين، من يستطيع الوصول إلى هذا الاستنتاج ؟ ‍‍!‍‍‍ و لكن يا دوبن من بين الأصوات التي تم سماعها كانت لإنسان ، ألم يقل شيئا بالفرنسية ؟ "

- " لا أستطيع تفسير ذلك ، و لكننا سنعرف حالا ، لقد كان هناك رجل - ربما كان صاحب ذلك الحيوان- رأى تلك الجريمة ، لقد كانت الأصوات تصرخ بغضب ، لا شك بأنها كانت لصاحب ذلك الحيوان فقد كان غاضبا من حيوانه عندما قتل المرأتين ، و ربما هرب الحيوان من صاحبه ، و ربما قام بمتابعة الحيوان إلى المنزل حتى يمسك به ، لا أدري بالضبط ما حدث حينها" .

- " إذن من الممكن جدا أن يكون هذا المخلوق لا يزال طليقا "

- " أرجو ذلك ، إذا كان هذا ما حدث ، و إذا كان الرجل صاحب الحيوان بريئا من جريمة القتل هذه فإنه سوف يأتي لهذا المنزل اليوم . في طريق عودتنا للمنزل بالأمس ، توقفت أمام مبنى لصحيفة وطلبت منهم أن يضعوا ملاحظة في عدد الصباح و التي تعلن عن سفن و بحّارة ، أقرئها" ، أعطاني دوبن الصحيفة و بدأت أقرا " تم الإمساك قبل يومين بإنسان الغاب ذو الشعر البني المحمر من النوع البورني في مدينة جادرنز في شارع جينيف، كما أن مالكه البحّار يستطيع استعادته بعد دفعه للضريبة المحددة ، الرجاء الاتصال ب ......"

- سألته مستفسرا " كيف عرفت بأنه بحّار ؟"

- " أعتقد بأن ذلك صحيحا " وأخذ من جيبه شريط حريري أحمر اللون و قال :

- " لقد وجدت ذلك الشريط أسفل ماسورة منزل السيدة إيسبيني ، و كما تراه فهو متسخ و له رائحة شعر دهني ، و البحّارة عادة ما يربطون رؤوسهم بهذا النوع من الأشرطة "

- " ولكن ألا يحتمل بأن الرجل سيكون خائفا بحيث لا يستطيع أن يأتي "

- " إن لم يكن مذنبا فلماذا يجب عليه أن يخاف ؟ فربما يقول لنفسه أنا لم أقتل المرأتين ، و لا ذنب لي في ذلك ، أستطيع أخذ إنسان الغاب و عندها أبيعه و أحصل على كثير من المال ، لماذا علي أن أفقد الحيوان ؟ لقد وجد في شارع جنيف وهو بعيد كل البعد عن حارة رو مارجيو ، و الشرطة حائرة في القتلة ، كيف لهم أن يعرفوا بأن إنسان الغاب هو الذي قتل المرأتين ؟ نعم لن تستطيع الشرطة أن تعتقد بأن من قام بتلك الجريمة هو حيوان " تابع دوبن كلامه قائلا " إنه بحّار ، و البحّار عادة ما يتصف بالشجاعة و الأمانة ، و قليلون منهم من لا يتصفون بالأمانة ، بالطبع هذه الأحداث ستربكه و هو بالطبع لا يريد المشاكل ، بل ربما سيكون سعيدا بعد أن ..... " لم يكمل دوبن كلامه حتى سمعنا جرس الباب ، فقال دوبن بصوت خافت :

- " ضع يدك على سلاحك وكن على استعداد ، و لكن لا تخرجه إلا عند الضرورة " عندها قال بصوت مسموع " تفضل بالدخول "

فتح رجل الباب و دخل ، فكان بالفعل يبدو بحّارا ، كان طويلا و قويا ذو وجه بشوش و أمين ، كان لونه أسمر ولديه لحية كثيفة ، كان لديه عصا يتكئ عليها و كان شعره الأسود مربوطا خلفه بشريط انحنى برأسه إلينا و قال :

- " مساء الخير يا سادة "

قال دوبن " أجلس لو سمحت ، لقد أتيت من أجل إنسان الغاب على ما أظن ؟ إنه حيوان جميل جدا و قّيّم ، كم عمره ؟ "

أخذ البحّار نفسا طويلا عندما سمع هذه الكلمات من دوبن و جلس ، بدا فجأة بأنه شعر بالسعادة و قال " لا أعرف بالضبط ، ربما يبلغ من العمر أربع أو خمس سنوات ، هل أمسكت به هنا ؟ "

- " بالطبع لا ، لا مكان له لدينا هنا ، و لكنه عند صديق لي يمتلك إسطبل للأحصنة و هو يعتني به ، و لكن يمكنك استعادته في الصباح ، هل لك بوصفه فقط لإثبات أنك مالكه ؟

- " نعم يا سيدي ، أستطيع ذلك ، و لكن يجب أن تعلم بأني لست قادرا على دفع الضريبة المخصصة بشأنه "

- " حسنا ، لم أمضي للكثير من الوقت مع حيوانك ، ماذا يمكنني أن أسألك بشأنه ؟ دعني أفكر قليلا " . عندها قام صديقي دوبن بهدوء و مشى باتجاه باب الغرفة واقفل بابها بالقفل ووضع المفتاح في جيبه ، بعدها أخرج من جيبه مسدسا صوبه نحو البحار و قال بهدوء " لا أريد أي نقود ، و لكن هناك شيئا آخر ، أخبرني كل شيء تعرفه عن جريمة القتل التي حدثت في حارة رو مارجيو . امتقع وجه البحّار ، وقف لاهثا ، وكان يمسك بعصاه بقوة ، بعدها جلس على كرسيه منهارا و بدا جسمه كله يرتعش ، فقال له دوبن بلطف " لا داعي للخوف ، نستطيع مساعدتك ، كما أننا لن نؤذيك أعدك بذلك ، أنا أعرف بأنك لم تقتل المرأتين ، كما أنني متأكدا تماما من أنك تعرف بعض الحقائق ، دعني أقول بأنك لم تستطيع حين وقوع الجريمة عمل أي شيء للمرأتين بالرغم من أنك حاولت ذلك ، لقد كانت هناك الكثير من النقود و لكنك لم تأخذها ، لذا لا أحد يستطيع أن يلومك ، كما أنك تعلم بأن الشرطة قبضت على السيد ليبون وأودعته السجن وهو برئ وأنت تعرف ذلك أيضا ، و أنت كما يبدو لي رجل أمين لذا تتفق معي بأن يطلق سراح ليبون لأنه برئ " .

لم يجب الرجل ، و بدا وكأنه لا يزال خائفا بعدها اسند نفسه بعصاه و بدأ بالحديث و قال " حسنا ، سأحاول إخباركم بما أعلم ، فأنت على ما يبدو تعرف بعض الحقائق ، و أرجو أن تصدقني ، ما حدث كان رهيبا جدا و لكني أقسم لك بأني لست مذنبا " و بدأ بإخبارنا ما يعرف فقال بأنه حصل على إنسان الغاب من الشرق و قد عاد به إلى فرنسا على أمل بيعه ، و في باريس أستأجر شقة و حبس الحيوان في إحدى الغرف ، و في يوم وقوع الجريمة عاد إلى المنزل في الثانية فجرا ، و قد جلب له و لإنسان الغاب طعاما وأثناء الأكل أخذ الحيوان سكينا طويلا و حادا و كان يلهو به و كانت خطرة جدا في يد حيوان مثله ، عندها أخذ البحّار عصاه التي أعتاد من خلالها السيطرة على الحيوان ، و لكن عندما رأى الحيوان تلك العصا هرب بسرعة من الغرفة و قفز من خلال إحدى نوافذها المفتوحة إلى الشارع و كان لا يزال ممسكا بالسكين ، بعدها جرى البحّار خلفه و كان الوقت حينها حوالي الثالثة بعد متصف الليل و كانت الشوارع هادئة و خالية من السكان ، و بينما كان الحيوان يركض انحرف ناحية شارع رو مارجيو المظلم ، و لقد رأى ذلك الحيوان ضوءا ينبعث من نافذة منزل السيدة إسبيني و في الوقت نفسه رأى تلك الماسورة لتصريف ماء المطر و بسرعة كبيرة تسلق تلك الماسورة و قفز بقوة و سرعة كبيرين عبر الهواء إلى نافذة المنزل و من ثم دخل المنزل و لم يستغرق كل ذلك أكثر من دقيقة واحدة .

كان صاحب الحيوان قلقا من أن يقوم حيوانه بإيذاء سكان ذلك المنزل فوقف لبرهة يفكر بعدها قرر أن يتسلق الماسورة حتى يلحق بحيوانه ، و لكونه بحّارا لم يجد صعوبة كبيرة في تسلق الماسورة و لكنه عندما وصل النافذة لم يستطع القفز إليها فلو فعل ذلك لكان قد سقط إلى الأرض لهذا قرر الرجل فقط أن ينحني إلى النافذة حتى يرى ما يجري بالداخل ، و بمجرد رؤيته لداخل الغرفة كاد أن يسقط من هول ما رآه ، لقد رأى كيف قام الحيوان بإمساك السيدة إيسبيني من شعرها بقوة ورآها تقاوم الحيوان حتى أثارته كما رأى كيف قطع حيوانه بسكينه راس السيدة إيسبيني كما أن منظر الدم قد أثار بشدة ذلك الحيوان و بعدها توجه ذلك الحيوان الرهيب صوب الفتاة فجذبها بقوة من رقبتها و قام بكسرها بكل وحشية ، و فجأة رأى الحيوان وجه سيده من خلال النافذة فتحول جنونه إلى خوف شديد فأسرع خلال الغرفة باحثا عن مكان يخفي فيه الجثتين و لهذا السبب كان بعض أثاث المنزل محطما . أخذ الحيوان جثة الفتاة وحشرها بقوة داخل المدخنة و بعدها أخذ جثة السيدة إيسبيني ورماها من خلال النافذة المفتوحة ، عندما رأى البحّار كل ذلك اعتراه خوف شديد و حاول أن يهدئ من روع ذلك الحيوان و لهذا سمع بعض الجيران أصوات كل من البحّار و كذا الحيوان الهائج . قرر صاحب الحيوان النزول من الماسورة و الهرب إلى بيته على أمل أن لا يرى إنسان الغاب ثانية ، و كذلك فعل حيوانه من بعده فقد تسلق خارجا من النافذة من خلال يديه القويتين فأغلقها بقوة شديدة خلفه بعدها قفز ناحية الماسورة و بدأ بالنزول بسرعة كبيرة ، في هذا الوقت كان البحّار قد اختفى.

لا يمكن القول أكثر من ذلك ، فبعد يومين من وقوع تلك الجريمة أمسك البحّار بإنسان الغاب و قام ببيعه إلى مخرج أفلام حدائق الحيوان في باريس ، و لكن قبل ذلك تكلم دوبن و البحّار و كذلك أنا مع السيد جورج جودينيت رئيس الشرطة الباريسية حيال هذا الموضوع. و كان السيد جودينيت ودودا للغاية مع السيد دوبن و لكنه في الوقت نفسه كان يشعر بالخجل لكون واحدا من خارج الشرطة الباريسية قد استطاع أن يحل لغز جريمة القتل التي تمت في حارة رو مارجيو ، بعدها مباشرة تم الإفراج عن السيد ليبون لبرأته .
و بينما كنت و هولمز قد غادرنا مكتب السيد جودينيت سمعنا أحد الأشخاص يقول " لا ينبغي للناس العاديين أن يتدخلوا في عمل الشرطة " ، و لكن هذا التعليق لم يزعج صديقي هولمز.
تمت بحمد الله
[email protected]


*إنسان الغاب : ضرب من القردة يمتاز بضخامة حجمه و يمتاز كذلك بشراسة غير عادية و يعيش بين الأشجار في بورنيو و سومطره. ( المترجم)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.