الزنداني... الشيخ الداعية والسياسي القائد    بن دغر يعزي قيادة الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني ويثمن أدواره النضالية    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    شاهد.. أردوغان يشارك في جنازة الشيخ عبدالمجيد الزنداني في جامع الفاتح باسطنبول "فيديو"    كلية القيادة والأركان بالعاصمة عدن تمنح العقيد أديب العلوي درجة الماجستير في العلوم العسكرية    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    بن دغر يوجه رسالة لقادة حزب الإصلاح بعد وفاة الشيخ عبدالمجيد الزنداني    برشلونة يعتزم بيع اراوخو    رئيس مجلس القيادة يجدد الالتزام بخيار السلام وفقا للمرجعيات وخصوصا القرار 2216    مفسر أحلام يتوقع نتيجة مباراة الهلال السعودي والعين الإماراتي ويوجه نصيحة لمرضى القلب والسكر    مركز الملك سلمان يدشن توزيع المساعدات الإيوائية للمتضررين من السيول في الجوف    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    إعلان موعد نهائي كأس إنجلترا بين مانشستر يونايتد وسيتي    إنزاجي يتفوق على مورينيو.. وينهي لعنة "سيد البطولات القصيرة"    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    "ريال مدريد سرق الفوز من برشلونة".. بيكيه يهاجم حكام الكلاسيكو    مأساة في اليمن.. مقتل 28 طفلًا منذ يناير بألغام مليشيا الحوثي    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    لابورتا بعد بيان ناري: في هذه الحالة سنطلب إعادة الكلاسيكو    القبض على مقيم يمني في السعودية بسبب محادثة .. شاهد ما قاله عن ''محمد بن سلمان'' (فيديو)    الشيخ بن بريك: علماء الإسلام عند موت أحد من رؤوس الضلال يحمدون الله    انقطاع الشريان الوحيد المؤدي إلى مدينة تعز بسبب السيول وتضرر عدد من السيارات (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مكان وموعد تشييع جثمان الشيخ عبدالمجيد الزنداني    قيادي حوثي يقتحم قاعة الأختبارات بإحدى الكليات بجامعة ذمار ويطرد الطلاب    التضامن يقترب من حسم بطاقة الصعود الثانية بفوز كبير على سمعون    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    ميلشيا الحوثي تشن حملة اعتقالات غير معلنة بصنعاء ومصادر تكشف السبب الصادم!    برئاسة القاضية سوسن الحوثي .. محاكمة صورية بصنعاء لقضية المبيدات السامة المتورط فيها اكثر من 25 متهم    دعاء مستجاب لكل شيء    موالي للإنتقالي الجنوبي يثير صدمة بعد تعليقه على رحيل الشيخ "الزنداني"    الحوثيون يستجيبون لوساطة قبلية للسماح بإقامة مراسيم الدفن والعزاء للزنداني بصنعاء    ذمار: اندلاع حرب أهلية مصغرة تُثبت فشل الحوثيين في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتهم    - عاجل محكمة الاموال العامة برئاسة القاضية سوسن الحوثي تحاكم دغسان وعدد من التجار اليوم الثلاثاء بعد نشر الاوراق الاسبوع الماضي لاستدعاء المحكمة لهم عام2014ا وتجميدها    ديزل النجاة يُعيد عدن إلى الحياة    عودة الزحام لمنفذ الوديعة.. أزمة تتكرر مع كل موسم    رئيس مجلس النواب: الفقيد الزنداني شارك في العديد من المحطات السياسية منذ شبابه    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    انخفاض أسعار الذهب مع انحسار التوترات في الشرق الأوسط    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    تراجع هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر.. "كمل امكذب"!!    ارتفاع الوفيات الناجمة عن السيول في حضرموت والمهرة    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الزنداني يكذب على العالم باكتشاف علاج للإيدز ويرفض نشر معلوماته    الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تفعل هذا الأمر    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    النقد الدولي: ارتفاع الطلب الأميركي يحفز النمو العالمي    المواصفات والمقاييس تختتم برنامج التدريب على كفاءة الطاقة بالتعاون مع هيئة التقييس الخليجي    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    المساح واستيقاف الزمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطر الحوثيين على دول الخليج والجزيرة العربية
نشر في عدن الغد يوم 11 - 12 - 2020


مقدمة:
في غضون العقدين المنصرمين، تحوّل الحوثيون من كونهم مجرد حركة دينيّة محلية في محافظة صعدة الشمالية في اليمن ليصبحوا سلطة الأمر الواقع التي تُسيطر على العاصمة صنعاء ومعظم المحافظات الشمالية. صحيح أن هناك عوامل عدة ساعدتهم على الظفر بمثل هذه القوة، بما في ذلك انهيار مؤسسات الدولة والفرص التي أفرزتها التنافسات المحلية والإقليمية، إلا أن السبب الرئيس يعود في المقام الأول إلى قدرة الحوثيين على استخدام مجموعة من الهويات الدينية والسياسية والاجتماعية، ما ساعدهم على تجنيد المقاتلين، وإنزال الهزيمة بالخصوم، وبناء التحالفات المختلفة. وهذه طريقة برغماتية؛ حيث كان الحوثيون يتبنون، وفق الظروف، هويات معينّة ويفضّلونها على غيرها. هكذا استراتيجية مكّنتهم من أن يكونوا خصماً صلداً وعنيداً فاق كل التوقعات التي نُسجت حولهم.
كان الهدف النهائي للحركة الحوثيّة، وهي حركة تبنت تمثيل أقلية زيدية شيعية قوية في اليمن، هو إحياء القيادة الزيدية كموازن للإيديولوجيات السنّية المزاحمة لها. هذا كان أحد الأسباب الرئيسة لتحوّل نزاع اليمن إلى حرب بالوكالة بين تحالف بقيادة السعودية ودولة الإمارات وبين إيران. لكن، وعلى الرغم من تورّط هذه القوى في النزاع، يحتفظ الحوثيون بسيطرة مُحكمة على شمال اليمن وصنعاء. وقد تؤدي الضغوط الدولية الأخيرة لوضع حد للنزاع إلى فرض تسوية سياسية تمكّن الحوثيين من تقمّص هوية أخرى، هي حكومة شرعية محلية في شمال اليمن. ومما لا شك فيه أن الوضع الراهن في اليمن يحمل تداعيات سلبية على أمن واستقرار دول مجلس التعاون، ويرجع ذلك لاعتبارات القرب الجغرافي وما يمثله اليمن من عمق إستراتيجي لدول المجلس من ناحية، ومن ناحية أخرى فثمة صراع مصالح في اليمن تحاول إيران من خلاله تقوية مكانتها وتعزيز مصالحها من خلال دعم سيطرة الحوثيين، لكسب أرض جديدة في المنطقة، من أجل تهديد أمن دول الخليج العربية والامارات، وخاصة المملكة العربية السعودية المنافس الرئيسي لطموحات ايران ونفوذها في المنطقة.
وبحكم التماس الجغرافي، وباعتباره بمثابة العمق الإستراتيجي لدول مجلس التعاون فإن ما يجري في اليمن في الوقت الراهن من أحداث سيلقي بظلاله على أمن دول المجلس واستقرارها في مرحلة لاحقة، وهو بدوره يثير العديد من التساؤلات حول التداعيات المحتملة لما يحدث في اليمن من صعود لحركة الحوثيين على دول مجلس التعاون الخليجي والخيارات المتاحة خليجيًّا لمجابهة هذه التطورات. شهد العقد الأخير، حضورًا مكثفًا للملف الحوثي في دراسات وأبحاث الشرق الأوسط، وتصدَّر مختلف الأدبيات السياسية والأمنية، إلى درجة أن قوة حضوره ومستوى انتشاره في القضايا الإقليمية فاق كل اهتمام، وهو ما يُفَسَّر مرحليًا بالتكلفة الكبيرة التي بات يفرضها الطرف الحوثي الإيراني على مختلف دول المنطقة، جرَّاء ضلوعه في مختلف بؤر التوتر وتهديده للمصالح الخليجية وشوؤنها الامنية، وحركة الملاحة الدولية في المنطقة، وأمن واستقرار الدول والمجتمعات. استدعى ذلك بالنسبة لدول الخليج العربية أكثر من أي وقتٍ مضى، حتميةَ التفكير الجدي والفِعلي لمواجهة التهديد الإيراني المتنامي في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، فالخطر الإيراني يتعاظم، وسياساته التوسعية تسجل تناميًا على أكثر من جبهة، كما أن منطق تقاطع المصالح خلق توازناتٍ دوليةٍ جديدة ومُقلقة.
أعلنت إيران في سبتمبر عام 2014م، انها سيطرت على العاصمة العربية الرابعة، عندما اجتاحت المليشيات الحوثية العاصمة اليمنية صنعاء، وهذا الإعلان ان دل على شيء فإنما يدل على تبعية المليشيات الحوثية للنظام الإيراني أيديولوجيا وعقائديا، وهو ما يوحي بلا أدني شك ان طهران. تتخذ من المليشيات الحوثية أداة عسكرية لخدمة اهداف السياسة الخارجية الإيرانية. في الواقع يبدو ان المليشيات الحوثية ما هي الا شكل من اشكال التنظيمات شبه العسكرية التي انشأتها إيران في عدة دول عربية مثل حزب الله الشيعي في لبنان، والحشد الشعبي الشيعي في العراق وفيلق القدس في سوريا بهدف ممارسة النفوذ وزعزعة الامن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، لكن يبدو ان مهمة الوكيل الايراني في اليمن الحوثيين، هي تهديد الامن والاستقرار في دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. تهدف هذه الدراسة الى التعريف بالحركة الحوثية وكيف طورت ايران علاقتها بالحوثيين وجعلت منهم وكيل حصري في المنطقة لممارسة النفوذ والتأثير وحتى التهديد والمواجهة مع الخصوم الاقليميين بطريقة منخفظة التكاليف والمخاطر كي تتجنب طهران المواجهة المباشرة ، كما تهدف الدراسة الى استكشاف التهديدات الحوثية ضد أمن دول الخليج العربية، ولا سيما الامارات والسعودية، بالاضافة الى استكشاف مكانة اليمن في الاستراتيجية الخليجية والاستراتيجية الايرانية واستكشاف خطوط الامداد الايرانية الى الحوثيين.
الحوثيون وكيل ايران في اليمن: نظرة عامة
تشكلت النواة الأولى لجماعة أنصار الله الحوثي عام 1992، على يد حسين الحوثي المؤسس الأول لجماعة الحوثيين الذي تأثر بالخميني وبالثورة التي قادها في إيران عام 1979، ولم تخل محاضراته وخطبه من ذكر الخميني، إذ كان يرى فيه القدوة التي يجب اتباعها، فنقل هذه التجربة إلى اليمن، وحشد أتباعًا من حوله، وكسب ولاءهم وأحيا المناسبات الدينية الشيعية الجعفرية، ثم بدأ تأسيس مجموعة شبابية أطلق عليها اسم منتدى الشباب المؤمن، والتي أكمل تأسيسها كل من محمد عزان ومحمد بدر الدين الحوثي، إلا أن ذلك المنتدى لم يستمر طويلاً بسبب الانشقاقات التي دبت في صفوفه وتحول على إثرها اسم المنتدى من مدلول ثقافي فكري، إلى مدلول سياسي وتحول إلى تنظيم الشباب المؤمن، الذي قاده حسين بدر الدين الحوثي، وأصبح مرجعية عليا للتنظيم كما أطلقوا عليه وتم إقصاء الآخرين بعد خصومات بين الأطراف بسبب اتهامات للبعض بالانقلاب على مبادئ الزيدية، وهي إحدى فرق الشيعة.
تبني الحوثي خطاب مماثل للخطاب الإيراني المعادي لأميركا والغرب ورفع الشعار الإيراني: "الله اكبرالموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للاسلام"، وجعل القضية الفلسطينية الهمَّ الأول والقدس الهدف المنشود في جميع خطبه، وأحيا المناسبات الدينية الشيعية الجعفرية، وبعد مقتله اتَّبع أخوه عبد الملك الحوثي الزعيم الحالي للجماعة نفس الأسلوب. هذا الإعجاب بالثورة الإيرانية شجَّع طهران على استقطاب آل الحوثي، مع الإشارة إلى صعوبة تحديد تاريخ بدء العلاقات الإيرانية الحوثية، إلا أنه يمكن القول: إن العلاقات بين الطرفين دخلت مرحلة الجدية مع نجاح إيران في استقطاب آل الحوثي وذهاب بدر الدين الحوثي-الأب الروحي للحوثيين- وابنه حسين الحوثي إلى إيران عام 1994، بعد مغادرتهم صعدة على إثر خلاف نشب بينهم وبين علماء الزيدية، وإن كان اختيار إيران ملجأ لهم في تلك الفترة ينمُّ عن وجود ترتيب مسبق بين الطرفين. يأتي ظهور الحركة الحوثية في اليمن في إطار تفاعلات معينة تاريخية وسياسية واجتماعية ودينية وعرقية، حيث تمثل حركة الحوثي المذهب الزيدي للإسلام الشيعي. وهي أقلية طائفية تمثل حوالي 25٪ من سكان اليمن. كما أنها تمثل عرقيًا فئة العائلات الهاشمية، التي تدعي أنها تنتمي إلى عشيرة النبي محمد. وتسعى جماعة الحوثي جاهدة لإعادة نظام الإمامة الزيدية الذي كان قائما في شمال اليمن حتى اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962، التي أطاحت بنظام الإمامة وأقامت جمهورية علمانية حديثة. هناك عوامل داخلية ساهمت بشكل غير مباشر في ظهور حركة الحوثي، منها التنافس الطائفي الشرس بين الجماعات الإسلامية السنية والشيعية، التي زادت من نشاطها في العقود الثلاثة الماضية. حيث مولت السعودية الجماعات السنية بفرعيها السلفي والإخوان المسلمين، بينما مولت إيران جماعة الحوثي كممثل للجماعات الشيعية في اليمن ووكلاء للسياسة الخارجية الإيرانية، التي تعمل على توسيع النفوذ الإيراني في المنطقة وتسعى لتصدير الثورة الإسلامية الإيرانية بين شعوب الشرق الأوسط.
خاضت جماعة الحوثي المتمردة في أقصى شمال اليمن محافظة صعدة ست حروب متفرقة ضد الحكومة اليمنية التي تعاني من الفساد والمحسوبية وتعاني من الصراع الخفي بين أسرة الرئيس علي عبد الله صالح وعائلة الأحمر، أقطاب النظام الحاكم لما يقرب من أربعين عاما. بدأت حروب الحوثيين ضد الحكومة اليمنية عام 2004 وانتهت عام 2010، لكن نتائج تلك الحروب أدت إلى تنامي قوة جماعة الحوثي وخلقت المزيد من التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية للحكومة اليمنية. كان حسين بدر الدين الحوثي مؤسس حركة الحوثي مقتنعا بعدم جدوى العمل السياسي السلمي والديمقراطي والنشاط الحزبي كوسيلة ناجحة لاستعادة سلطة الإمامة المنهارة عام 1962، خاصة بعد مشاركته الفاشلة في الانتخابات البرلمانية 1993 و 199. حيث حصل حزب الحق على مقعد واحد فقط من أصل 301 في البرلمان اليمني. لذلك قرر إنشاء حركة دينية شيعية مسلحة من الشباب الزيدي بشكل عام ومن الشباب الهاشمي بشكل خاص كوسيلة ناجحة للإطاحة بالدولة الجمهورية الحديثة وإقامة سلطة دينية طائفية تهيمن عليها العائلات الهاشمية.
بدا حسين الحوثي متأثراً بشكل كبير بثورة الخميني في إيران، وبعد زياراته مع والده لها، عاد مقتنعاً بضرورة تطبيق الآلية الثورية الإيرانية في اليمن، وبعدها صاغ شعار حركته المشتق من شعار الخميني، مع بعض الزيادات التي أراد من خلالها الحوثي نوعاً من التميز لحركته في اليمن، وقد هتف الحوثي بشعار الصرخة (تسمية خمينية)، في حشد من أتباعه، الذين أخذوا يرددون الشعار في بعض المساجد في صعدة وصنعاء، الأمر الذي أدى إلى ضرب من النزاع داخل المساجد، مما اضطر الدولة لمنع الشعار حينها، واتخذ الحوثي من عملية المنع دليلاً على أن النظام السابق كان عميلاً لأمريكا وإسرائيل، وهو ما يحتم الخروج عليه، مستعيناً بالمقولة الزيدية المعروفة "وجوب الخروج على الحاكم الظالم". وبالفعل اندلعت المواجهات بين الجيش اليمني وأنصار الحوثي، بعد هجوم عناصر من جماعة الحوثي على نقطة عسكرية، لتندلع أولى ما عرف ب"الحروب الست". في 19 حزيران (يونيو) 2004، وهي المواجهات التي قتل فيها حسين الحوثي في 10 أيلول (سبتمبر) 2004، حسب إعلان الحكومة اليمنية، ليتولى القيادة والده بدر الدين الحوثي، وتندلع المواجهة الثانية التي انطلقت فى 19 آذار (مارس) 2005، واستمرت لأسابيع فقط، قبل أن يتم توقيع اتفاق بين الجيش والمتمردين الحوثيين حينها، لتندلع أربع جولات أخرى بقيادة الشقيق الأصغر لزعيم الجماعة عبدالملك، انتهت في كانون الثاني (يناير) 2010 بما أشبه الهزيمة لجماعة الحوثي، التي وقعت على ستة شروط لوقف الحرب بعد تدخل السعودية لصالح القوات الحكومية آنذاك. غير أن الفرصة الذهبية لاحت للحوثيين مجدداً مع اندلاع أحداث الربيع العربي في اليمن، في شباط (فبراير) 2011، حيث بدأ الحوثيون يطلقون على أنفسهم التسمية الحالية أنصار الله، جرياً على النمط الإيراني في التسميات، مثل: حزب الله، وثأر الله، وجند الله، وغيرها من التسميات ذات الأبعاد المغالية في استغلال لفظ الجلالة لأهداف سياسية.
الاستثمار الايراني في سوق الوكيل الحوثي
على امتداد التاريخ تميز الإيرانيون بنزعة توسع، عبَّروا عنها قديمًا بتشكيل إمبراطورية سعوا لمدِّ حدودها نحو أكبر قدر ممكن من بقاع الأرض، أمَّا محمد رضا بهلوي شاه إيران فرأى القوة في أن تكون إيران حليفة للولايات المتحدة الأميركية، وأن تمتلك قوة نووية، وبعد نجاح الثورة الإسلامية في عام 1979 وإعلان إيران جمهورية إسلامية سعت إيران للقوة من خلال مدِّ نفوذها إلى دول المنطقة عن طريق تصدير ثورتها إليها، ولهذا الغرض مدَّت جسور التواصل بينها وبين الأقليات الشيعية في المنطقة، ووطَّدت علاقتها بهم ودعمتهم حتى يدينوا بولائهم لها قبل بلدانهم، وبذلك استطاعت بناء أذرع لها في تلك الدول قادرة على تهديد الأمن والاستقرار فيها لصالح إيران، واستخدامهم كأوراق ضغط في سياستها الإقليمية والدولية. وفي هذا الإطار وطَّدت إيران علاقتها بالحوثيين في اليمن على مدى ما يقارب العشرين عامًا، قدمت لهم خلالها أشكالًا مختلفة من الدعم الذي واكب حاجتهم ومتطلباتهم مع كل تقدُّم كانوا يحرزونه في طريقهم للوصول للسلطة.
ارتبطت جماعة أنصار الله الحوثي بإيران ارتباطًا وثيقًا بعد لجوء بدر الدين الحوثي إليها نتيجة المقاربات التي كان يطرحها بخصوص اوجه التشابه بين الزيدية والاثنى عشرية، حيث أصدر كتابًا بعنوان «الزيدية في اليمن»، يشرح فيه أوجه التقارب بين الزيدية والاثنى عشرية، ونظرًا للمقاومة الشديدة لطروحاته الجديدة، فإنه اضطر إلى الهجرة إلى طهران حيث أقام هناك عدة سنوات. وجدت ايران غايتها في عائلة الحوثي لصناعة الوكيل المخلص الذي سيعمل على تصدير الثورة الايرانية في اليمن وشبه الجزيرة العربية. فسارعت طهران الى تأسيس الجماعة الحوثية المسلحة ودعمتها بالمال والسلاح والتدريب. بدأت ايران استقطاب قيادات الحركة ومناصريها وإرسالهم إلى مدينة قم الإيرانية للتعليم الديني، كون المدينة تضم الحوزة العلمية، وتزخر بالعديد من المؤسسات والمدارس العلمية التي يزيد عددها على 60 مؤسسة ومدرسة منها المدرسة الفيضية وجامعة دار الشفاء والمدرسة الحجتية والجامعة المعصومية ومدرسة الكلبايكاني ومدينة العلم وجامعة الزهراء وجامعة الصدوق وجامعة المفيد وجامعة قم وجامعة المصطفي.
منذ عام 2015، زادت إيران بشكل كبير من دعمها لحركة الحوثيين. واستخدمت طهران بشكل روتيني علاقات الراعي بالوكالة لتوسيع نطاقها والوصول إلى الشرق الأوسط واستعداء خصومها مع تقليل مخاطر دعوة الصراع المباشر. تنمية الوكلاء من غير الدول وتطوير قدراتهم سمحت لإيران بإبراز قوتها على نطاق واسع في منطقة معادية لمصالحها. أصبحت هذه العلاقات ركيزة أساسية لسياسة إيران الخارجية في الشرق الاوسط. من وجهة نظر إيران، يقدم الحوثيون فرصة جذابة لنمو النفوذ الإيراني، وعلى أقل تقدير، يستنزف منافسيه السعوديين في مستنقع مكلف. حتى الآن، كان الدعم الإيراني وسيلة مفيدة لتعزيز هذه الأهداف. ارتبطت إيران بالحوثيين منذ حملتهم العسكرية الأولى عام 2004م، تاريخيا كان هذا الدعم في حده الأدنى. أصبح الدعم الإيراني ذا قيمة خاصة بعد التدخل السعودي-الاماراتي في مارس 2015م. وبمرور الوقت أصبح القادة الحوثيين يؤطرون الحرب الأهلية كجزء من صراع اوسع بين اليمن والسعودية على امل ان يستعيد الحوثيون اراضيهم التقليدية المتنازع عليها.
على الرغم من انه لا يوجد اجماع حول تقديم الدعم الايراني الى الحوثيين قبل 2011م، الا انه من المرجح ان يقتصر ذلك الدعم على تدابير منخفضة التكلفة ومنخفضة المخاطر التي عززت الوصول والاستخبارات الإيرانية قبل عام 2010م، قبل الربيع العربي وسقوط الرئيس اليمني علي عبد الله صالح كانت الدولة ضعيفة لكنها فعالة، مما جعل التسلل والدخول الإيراني أكثر صعوبة مقارنة بفترة ما بعد 2011م، عندما كادت الدولة تنهار وتفتح ابواب البلاد. فقد تمكن نظام صالح على الأقل من الحفاظ على دولة فاعلة إلى حد ما. هناك بعض الأدلة على الدعم الإيراني المحدود إلى حد ما من 2011م الى 2014م، وزاد ذلك الدعم في 2015م وشمل تقديم اسلحة اكثر تطورا (مثل الصواريخ الباليستية). تتمتع ايران بسيطرة مباشرة على سلوك الحوثيين واتخاذ القرار.
الاهتمام الإيراني بسوق الجماعات الوكيلة المحتملة يعتبر الحركة الحوثية ذات قيمة استراتيجية لإيران بسبب قربها من الخليج والسعودية الخصم الرئيسي لطهران في المنطقة. عبر الثلاثة العقود الماضية استغلت إيران الحكومات الضعيفة لتطوير وكلاء يمكنهم إلهاء موارد أعدائها وإهدارها. بالنسبة الى اليمن حيث الحكومة الضعيفة وطرق التهريب عبر البلاد حفزت ايران لتقديم الدعم للحوثيين دون مخاطر او تكلفة عالية. تأجيج الصراع وعدم الاستقرار في اليمن يخدم مصالح إيران الإقليمية و أهداف جيوسياسية أوسع. الصراع المستمر يضمن عدم الاستقرار المستمر على طول حدود المملكة العربية السعودية، مما يصرف انتباه الرياض ويزيد من احتمال عبور العناصر الارهابية العابرة للحدود الى البلاد من اليمن. تستفيد ايران من وكيلها الحوثيين من خلال استمرار الصراع الذي تتركز مخاطره وتكاليفه على المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة. تجلب الحرب تكلفة منخفضة نسبيا على ايران، بينما تفرض تكلفة باهضة على السعودية والامارات دون التعرض للمواجهة المباشرة.
على وجه الخصوص، يمثل الحوثيين الذين يقع معقلهم التقليدي في شمال اليمن وكيلا جيدا لايران وقريبا بما يكفي لتهديد المملكة العربية السعودية بشكل مباشر. وفقا لمسؤولين سعوديين، تعرضت مدينة نجران وحدها لاكثر من عشرة الالف قديفة مدفعية وصاروخية منذ بدء الحرب. جميع المطارات المدنية في عسير وجيزان ونجران اغلقت منذ يوليو 2015م بسبب خطر الضربات الصاورخية الحوثية. والجدير بالذكر أن الحوثيين أظهروا مؤخرًا قدرتهم على تهديد الرياض بالصواريخ الباليستية. من المحتمل أن إيران اعتبرت الحركة الانفصالية الجنوبية وكيل يحتمل أن يكون جذابًا. لكن منذ بدء الحرب، أثبت الحوثيون أنهم الخيار الوحيد القابل للتطبيق في اليمن، وهو الخيار الذي كانت إيران أكثر استعدادًا لدعمه.
أشكال الدعم الايراني للحوثيين
على مدار الحرب، اتخذ دعم إيران أشكالاً مختلفة. ربما أكثر الأدلة الصارخة تأتي في شكل استخدام الحوثيين لأسلحة أكثر تطوراً. وفقًا لمصادر متعددة ، لم يكن لدى الحوثيين إمكانية الوصول إلى الكثير من الأسلحة المتطورة، مثل الصواريخ الباليستية والمضادة للسفن، قبل الحرب الأهلية الحالية. بالنظر إلى الهجمات الصاروخية التي شنها الحوثيون مؤخرًا، بما في ذلك هجوم نوفمبر 2017 على الرياض- مطار الملك خالد الدولي وهجوم كانون الأول 2017 على قصر اليمامة، الدليل على الدعم الايراني اصبح ساحقا، ومن الصعب على نزاع بمستوى كبير ان يكون بمعزل عن التدخل الخارجي. ظهر أحد أولى المؤشرات على دعم إيران المتزايد للحوثيين في عام 2016، عندما أطلق الحوثيون سلسلة من صواريخ كروز على السفن الحربية الأمريكية والإماراتية والسفن الحربية السعودية، التي تعمل قبالة السواحل اليمنية. في حين أن هذه الهجمات استخدمت على الأرجح صواريخ يمنية صينية قديمة الصنع انتشلها مقاتلو الحوثي بدلاً من الأسلحة الجديدة التي قدمتها إيران مباشرة، فمن المرجح أن الدعم الإيراني (على سبيل المثال، التدريب وقطع الغيار والمعدات) في تجديد وتفعيل الأسلحة الخاملة للهجمات. تشير هذه الهجمات إلى أن إيران بدأت في استخدام قدرات الحوثيين الموسعة لشن هجمات أوسع خارج حدود اليمن الإقليمية.
بالتزامن مع هجماتهم بصواريخ كروز على السفن البحرية بدأ الحوثيون أيضًا في زيادة قدراتهم الصاروخية الباليستية، وبدعم إيراني مباشر بلا شك. منذ عام 2015، زادت قدرات الصواريخ الباليستية للحوثيين بشكل كبير من حيث النطاق والتطور، على الرغم من وجود معلومات قليلة جدًا مفتوحة المصدر عن عدد الصواريخ التي يمتلكها الحوثيون. وفقا لتقرير اخباري، في أواخر عام 2015، اقترحت مصادر الجيش الوطني اليمني أن الحوثيون يمتلكون حوالي 70 صاروخًا، على الرغم من أن مزاعم التحالف الذي تقوده السعودية استبعدت تهديد الصواريخ الباليستية بعد تدخله الأولي. كشفت الهجمات الصاروخية الباليستية الأخيرة على أهداف سعودية أن الحوثيين يمتلكون تكنولوجيا صاروخية. أكثر تعقيدًا مما كان يُفترض سابقًا في المنتديات مفتوحة المصدر. وبخصوص تطوير الامن الاقليمي، أعلنت قوات الحوثيين عن استخدامها لصواريخ سكود- سي طويلة المدى تسمى بركان 1، مع نطاق مزعوم ل 800 كم. في مايو 2017، ادعى الحوثيون أنهم أطلقوا أحد هذه الصواريخ باتجاه الرياض (حوالي 900 كم من صعدة)، واعترف التحالف بقيادة السعودية بتلك العملية وتم اسقاط الصاروخ على بعد 200 كم غرب المدينة.
في فبراير / شباط 2017، أعلن الحوثيون حيازتهم لتقنية صواريخ جديدة (صواريخ بركان 2) زعموا أنها مكنتهم من ضرب الرياض. في خطاب متلفز قال عبد الملك الحوثي إن الصواريخ الباليستية التي يطلقها تنظيمه اصبحت الآن "قادرة على الوصول إلى العاصمة الإماراتية أبو ظبي وأي مكان داخل السعودية". إن هجوم نوفمبر 2017 الصاروخي على مطار الرياض هو تطور مقلق يشير إلى القدرة المحتملة على الضرب حتى 900 كيلومتر من صعدة. وعلى الرغم من ان الحوثيين اظهروا قدرتهم على الوصول إلى عمق الأراضي السعودية، فان قدرتهم لا تزال غير كافية للوصول إلى مدينة رئيسية في الإمارات العربية المتحدة ( مثل ابو ظبي ودبي) على بعد حوالي 1300-1400 كم عن صعدة. حينما اتهم السعوديون إيران بتقديم عمليات نقل أسلحة على نطاق واسع، يقول تقرير الأمم المتحدة الأخير أنه لا توجد أدلة كافية لتأكيد هذا الادعاء، لكنه يمضي ليلاحظ أن الحوثيين يستخدمون أسلحة موجهة مضادة للدبابات مصنعة في إيران. وقد حددت العديد من تقارير الأمم المتحدة الأسلحة التي استخدمها الحوثيون. لم يكن معروفًا أنها جزء من المخزون العسكري اليمني قبل الحرب الأهلية. في بعض هذه الحالات، خلص خبراء الأمم المتحدة إلى أن هذه الأسلحة كانت "بلا شك من أصل إيراني"، رغم أنهم لم يتمكنوا من تأكيد سلسلة التوريد أو لم ترد الحكومة الإيرانية على استفسارات لجنة الأمم المتحدة حول تلك الأسلحة.
وجد تقرير الأمم المتحدة لعام 2017 أيضًا أدلة على احتمال أن تكون تقنية العبوات الناسفة في اليمن إيرانية الأصل، رغم أنه لم تحدد ما إذا كانت هناك أي هجمات ونسب استخدام مثل هذه الأجهزة إلى الحوثيين. يصف التقرير أيضا استخدام المتفجرات الخارقة للدروع التي قدمها الحرس الثوري الإيراني- فيلق القدس لحزب الله والجماعات العراقية المتشددة. وخلص التقرير إلى أنه على الرغم من عدم وجود دليل ملموس على وجود عملاء إيرانيين على الأرض يدربون الماربين الحوثيين في اليمن، " الا ان تأثير الحرس الثوري الإيراني قد انتقل الآن إلى اليمن ". من المحتمل أن ينتشر مثل هذا التأثير من خلال مدربي حزب الله، الذين يمثلون شكل من أشكال الدعم الإيراني. وقالت مصادر غربية ويمنية بأنهم شاهدوا أدلة على سفر الحوثيين إلى إيران ولبنان لتلقي تدريب عسكري منذ أواخر 2013 على الأقل. وزعم أحد المصادر كذلك أنه تم تحويل الأموال عبر حزب الله والسعاة على الرحلات الجوية التجارية. شبكة تلفزيون المسيرة الحوثية تقع في الضواحي الجنوبية التي يسيطر عليها حزب الله في بيروت تكشف عن نوع آخر من الدعم المقدم من حزب الله: الخبرة الإعلامية والدعاية.
يمكن رؤية بصمات حزب الله في جميع أنحاء وسائل الإعلام الحوثية، وهناك كانت شائعات عن مدربيهم على الأرض في اليمن منذ 2015. الدور المباشر لإيران كان أقل وضوحا بكثير فيما وراء عمليات نقل الأسلحة. استشهد تقرير للأمم المتحدة عام 2015 بمصادر مجهولة زعمت أن إيران دربت قوات الحوثيين على جزيرة قبالة ساحل إريتريا. ونفت الحكومة الإريترية هذا الادعاء، واكتفت بالمصادر العامة التي اوردت تفاصيل القصة والتي جاءت من وسائل اعلام ممولة سعوديا. أجرت رويترز مقابلة مع "مسؤول إيراني كبير" زعم أن الحرس الثوري الإيراني لديه مئات العسكريين في اليمن لتدريب مقاتلي الحوثيين. يمثل هذا الاعتراف خروجًا ملحوظًا عن إنكار إيران العام لدعم الحوثيين أو صمتهم بشأن هذه المسألة. بينما قد تقدم إيران إشارات رمزية لدعم الحوثيين و استغلال كل فرصة لإدانة الإجراءات السعودية القاسية علانية، كان النظام حريصًا على تجنب الارتباط مباشرة بقوات الحوثيين.
خطوط الإمداد واستعداد إيران للاستثمار في الوكيل الحوثي
يعتمد تقديم إيران للدعم العتدي على استعدادها لتزويد الحوثيين بالأسلحة والمال، وإمكانية وصولها إلى خطوط إمداد قابلة للحياة، والتي تشكل المخاطر وتكلفة الاستثمار. يُزعم أن إيران زودت الحوثيين عبر رحلات جوية مباشرة من إيران إلى صنعاء باستخدام شركة الطيران ماهان إير المملوكة للدولة، على الرغم من أن هذه التقارير لم يتم تأكيدها مطلقًا. لم يعد هذا الخيار ممكنًا بسبب التفوق الجوي للتحالف. تظل مدينة الحديدة الساحلية مدخلاً هامًا ونقطة عبور للمواد الإيرانية المرسلة عن طريق البحر، ومن المحتمل أن تكون أكبر نقطة دخول للإيرانيين وإرسال الإمدادات إلى قوات الحوثي. هناك أدلة على أن إيران استخدمت طرق شحن غير معلنة لنقل الأسلحة وغيرها من العتاد إلى اليمن عن طريق البحر منذ عام 2013 على الأقل. في يناير 2013 ، اعترض خفر السواحل اليمني السفينة جيهان 1، التي زُعم أنها كانت تحمل أسلحة إيرانية الصنع. ادعت الحكومة اليمنية أن السفينة كانت متجهة إلى صعدة، رغم أن الأمم المتحدة لم تتمكن من تأكيد ذلك. كل من الحوثيين الإيرانيون ينفون أي تورط في الشحنة، لكن من المفيد الإشارة إلى تلك الأيام بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، أطلقوا سراح جميع أفراد الطاقم الذي تم اعتقاله من قبل خفر السواحل؛ وكان من بين الطاقم المحتجز اثنان من حزب الله وثلاثة أعضاء من أفراد الحرس الثوري الإيراني، كما تم الاستيلاء على السفن القادمة من إيران من قبل القوات البحرية متعددة الجنسيات. في عامي 2015 و 2016 حاملة أسلحة من أصل إيراني. على القوارب الأربعة التي تم الاستيلاء عليها، حدد محققو الأمم المتحدة 2064 قطعة سلاح إيرانية المنشأ، ومع ذلك صدر تقرير الامم المتحدة بشأن المضبوطات وكان حريصا على تضمين ذلك. حينما جاءت السفن والأسلحة بلا شك من إيران، كان هناك القليل من الادلة الملموسة التي تثبت ان الشحنة كانت متوجه الى اليمن.
على الرغم من هذه التحديات، تظل تكلفة ومخاطر إعادة الإمداد منخفضة نسبيًا بالنسبة ل إيران. طالما أن الحوثيين يستطيعون الحفاظ على علاقات جيدة مع القبائل وغيرها من الجهات الفاعلة. العامل الحاسم سيكون رغبة إيران في دعم الحوثيين. بينما قد يكون الحوثيون وسيلة رخيصة لتهديد دول الخليج العربي واستنزاف الامارات والسعودية. والأهم من ذلك، أن مصالح وأهداف القيادة الحوثية والإيرانية تتماشى بالضرورة مع جميع القضايا. في حين أنهم يشتركون في عدو مشترك هو مجلس تعاون دول الخليج العربية وخاصة الامارات والمملكة العربية السعودية.
كشفت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي النقاب عن أدلة جديدة على تسليم أسلحة إيرانية إلى الميليشيات الحوثية في اليمن. ففي مركز عسكري داخل "القاعدة المشتركة «أناكوستيا بولينغ» في واشنطن العاصمة، عرضت هيلي ومسؤولون في البنتاغون قطعاً من صاروخ وصوراً لمجموعة من منظومات أسلحة إيرانية الصنع تمّ اكتشافها في اليمن. تَرَكَّز عرض هيلي على أجزاء من صاروخين إيرانيين الصنع من نوع "قيام-1" أُطلقا على السعودية -أحدهما باتجاه ينبع في 22 يوليو 2017م، والآخر باتجاه الرياض في 4 نوفمبر 2017م. وكانا نسختين معدلتين خصيصاً من صاروخ "قيام-1" برأس حربي أصغر حجماً وكمية قصوى من الألمنيوم لاكتساب مدى إضافياً. وإذ يطلق عليها الحوثيون تسمية "بركان H2"، تكتسب صواريخ "قيام-1" أهمية لأنها تمثل قفزة إلى الأمام على صعيد القدرات التي تستخدمها الميليشيات الحوثية، وتتيح تنفيذ هجمات تصل إلى مدى يزيد عن 1000 كيلومتر، مما يجعل بالتالي السعودية وكافة دول الخليج تقريباً في مرمى النيران الحوثية. وقد أثنى زعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي على هذه القدرات الجديدة، الذي زعم في 14 سبتمبر 2017م أن الإمارات العربية المتحدة "أصبحت الآن في مرمى صواريخنا".
وشملت عناصر الصواريخ عدداً من "الأدلة الدامغة" على أنها إيرانية الصنع. فقد حمل المشغل الميكانيكي لأحد الصواريخ، وهو الجزء الذي يتحكم بالوضعية - شعار "مجموعة الشهيد باقري الصناعية"، وهي شركة دفاع إيرانية تخضع لعقوبات فرضتها عليها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. كما دُمغت لوحة الدارة الموجودة ضمن وحدة قياس لصاروخ محطم على أنها منتج "مجموعة الشهيد همّت الصناعية"، وهي هيئة أخرى تخضع لعقوبات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، ذكرت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية لورا سيل، أن "الهدف من هذا العرض هو إظهار أن إيران وحدها، هي التي تقوم بصنع هذا الصاروخ. ولم يزوده الإيرانيون لأي عناصر أخرى، فلم نرَ أحداً يستعمله إلا إيران والحوثيين".
للمرة الثانية اصطحبت السفيرة الامريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي يوم الاثنين 28 يناير 2018م اثنى عشر سفيرا اجنبيا بمجلس الامن الدولي في جولة للاطلاع بأنفسهم على الأدلة التي تثبت تسليح إيران للميليشيات الحوثية في اليمن. وفي قاعدة عسكرية على مشارف واشنطن، شاهد الحضور، وكان من بينهم سفراء الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة بقايا صاروخ إيراني أطلق من اليمن نحو السعودية في 4 نوفمبر الماضي. وكان الغرض من الزيارة هو ان يطلع أعضاء مجلس الامن بأنفسهم ليصبحوا قادرين على اتخاذ القرارات ضد إيران التي تتجاهل بشكل مستمر التزاماتها الدولية. وفي السياق ذاته ذكر تقرير لجنة الخبراء التابعة لمجلس الامن بشأن اليمن في تقريرها الذي يغطي الفترة الممتدة من يناير الى يوليو 2018م، أن أسلحة استخدمها الحوثيون وتم تحليلها في الآونة الأخيرة - بما في ذلك صواريخ وطائرات بلا طيار - "تظهر خصائص مماثلة لأنظمة أسلحة معروف أنها تصنع في الجمهورية الإسلامية الإيرانية". وتمكن فريق الخبراء من فحص حطام عشرة صواريخ سقطت في الأراضي السعودية وعثر فيها على كتابات تشير إلى أصلها الإيراني، وأضاف التقرير "يبدو أنه على الرغم من الحظر المفروض على الأسلحة، لا يزال الحوثيون يحصلون على صواريخ بالستية وطائرات بلا طيار من أجل مواصلة هجماتهم، وعلى الأرجح تكثيف حملتهم ضد أهداف في السعودية". وبحسب لجنة الخبراء فإن من المحتمل جدا أن تكون الصواريخ صنعت خارج اليمن، وشحنت أجزاؤها إلى الداخل اليمني حيث أعاد الحوثيون تجميعها.


اليمن في الاستراتيجية الخليجية
تبرز الأهمية الإستراتيجية لليمن بالنسبة لدول مجلس التعاون، حيث يمثل عمقًا استراتيجيًا للجزيرة والخليج يجعل منه عاملًا مهمًا لأمن واستقرار المنطقة، ومن ثم لا يمكن الاستغناء عنه أو إقصاؤه في الوقت الذي يشهد فيه العالم تحالفات إقليمية، وتهديدات مستمرة ومتزايدة للمنطقة. فهناك حاجة خليجية ليمن آمن ومستقر من أجل مواجهة الأخطار المشتركة، هذا فضلًا عن أهمية الموقع الاستراتيجي اليمني، وما يمثله من مجال حيوي- فهو يطل على البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط الهندي- حيث يمثل خليج عدن ومضيق باب المندب، المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، أهمية مضاعفة في تأمين عبور السفن البحرية الدولية والإقليمية، وما يمثله خليج عدن من أهمية، حيث يمر منه ويلتقي عنده أهم ثلاثة ممرات مائية بحرية دولية، تتمثل في: الخط القادم من الخليج العربي، والخط القادم من شرق وجنوب شرق آسيا، والخط االقادم من شرق أفريقيا وجنوبها إلى البحر الأحمر.
وتؤثر هذه الخطوط الثلاثة في حركة الملاحة في البحر الأحمر الذي يمثل ممرًا مائيًا شديد الحيوية لحركة النقل البحري وحركة التجارة العالمية، يربط من جهة بين جنوب شرق آسيا، وجنوب أفريقيا، وأوروبا والأمريكتين من جهة أخرى. علاوة على ذلك، تقع هذه الممرات للملاحة البحرية في منطقة شديدة التوتر والصراع والفوضى الأمنية، ابتداءً من الصومال وجيبوتي وحتى إريتريا وإثيوبيا، وما يمثله الوجود الأجنبي على سواحل وأراضي هذه الدول (القوات الأمريكية المتمركزة في جيبوتي والوجود الصيني الإيراني في الصومال، والوجود الإسرائيلي الأمريكي في إريتريا) من تحديات لأمن الخليج. ويعود الوجود العسكري الأجنبي في هذه الدول إلى تحولها إلى دول فاشلة وغير قادرة على حماية نفسها، أو تأمين المجال الحيوي الذي تمر منه الناقلات النفطية، وأكثر من 15 ألف سفينة بحرية سنويًا، ومدخل جنوبي وإستراتيجي لحقول النفط العربي. ومما زاد من حجم الوجود العسكري الأجنبي بروز ظاهرة القرصنة البحرية، مع انعكاسات كل ذلك على أمن المنطقة، ودول مجلس التعاون بصفة خاصة.
يحظى ملف اليمن باهتمام بالغ في الأوساط الخليجية والعربية والدولية، وخصوصا بالنسبة إلى دول “مجلس التعاون لدول الخليج العربية” التي ترقب أولا بأول التطوّرات في الشأنين الداخلي والخارجي لليمن، لما لها من انعكاسات مباشرة على المنطقة، إذ يمثل اليمن البوابة الجنوبية لشبه الجزيرة العربية، ومن المؤكّد أن دول مجلس التعاون تعتبر نفسها معنية بالدرجة الأولى بأيّ تطورات سلبية تحدث في هذا البلد، لأن من شأنها أن تؤثر في أمنها القومي بصورة مباشرة بحكم الجوار الجغرافي، ولاسيّما أن اليمن يمثل الحلقة الأضعف في السلسلة الأمنية لدول الخليج العربي.
اليمن في الاستراتيجية الايرانية
لا يمكن حصر الاهتمام الإيراني باليمن في العقد الأخير بل هو سابق على ذلك بكثير، ويسبق الإطاحة بنظام الشاه وانتصار الثورة الإسلامية كما يسبق إعادة توحيد اليمن، لكن هذا الاهتمام لم يكن ضمن الأولويات الأولى في السياسة الخارجية الإيرانية، وهو ما تغير في العقد الأخير. وفَّر الصراع بين الحكومة المركزية والحوثيين أسبابًا لإيران لتُنافس السعودية على النفوذ في اليمن. وعلى وقع اشتداد حدة التنافس الإقليمي، أصبح اليمن أيضًا مكانًا للصراع والحرب بالوكالة بالنسبة للطرفين. ومع التطورات التي شهدها اليمن في أعقاب الثورات العربية كان التناقض وتباين المصالح يأخذ مداه في الأراضي اليمنية بصورة أحدثت انقسامًا حادًّا في المكونات اليمنية، ومهَّدت الأرضية للتدخل وجعلت القرار اليمني مرتهنًا للقوى الإقليمية تبعًا لأوراق القوة التي يمتلكها كل طرف من أطراف الصراع على الأرض. إن دعم إيران لحركة أنصار الله، فضلًا عن دعم المملكة العربية السعودية وبعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي للحكومة السابقة، جعل تحقيق الاستقرار بعيد المنال أمام سعي الجميع لتعزيز القوة. وجاءت عاصفة الحزم لتكشف عن هشاشة إقليمية في التعامل مع الحالة اليمنية، وخلَّفت ويلات بالنسبة للشعب اليمني، فيما واصل الحوثيون تعزيز قوتهم على الأرض، وصاروا رقمًا صعبًا لا يمكن حذفه من المعادلة اليمنية، سواء كانت هذه المعادلة صراعًا بين أطرافها أو بحثًا عن السلام.
قدمت الجمهورية الاسلامية الايرانية دعمًا ماديًّا ومعنويًّا لحركة أنصار الله، سعيًا لتغيير ميزان القوة الإقليمية لصالحها على حساب السعودية؛ مما أوجد تنافسًا حادًّا وصراع مصالح بين الدولتين، أدخل اليمن في لعبة سياسية صفرية. إن التأكيد على البعد العسكري للأمن، والدعوة إلى التعظيم الدائم للقدرات العسكرية، والطبيعة الفوضوية للنظام الدولي، ومعضلة الأمن يمكن أن توفر أساسًا نظريًّا جيدًا لدراسة الاستراتيجية الإيرانية تجاه اليمن ضمن إطار نظري يعتمد الواقعية الهجومية. ويجادل منظِّرو الواقعية الهجومية بأن الفوضى تجبر الحكومات على تعظيم قوتها أو نفوذها النسبي، وهي تسعى كذلك إلى تعظيم أمنها عن طريق زيادة قوتها ونفوذها. ويعطي الواقعيون الهجوميون، أهمية كبيرة للفوضى الدولية. وفي المحصلة، قد تؤدي محاولات الحكومات للحصول على الأمن إلى صراع مع الآخرين، ولأن اكتساب سلطة من قبل دولة ما يعني فقدان سلطة دولة أخرى، فإنه يجبر الحكومات على المطالبة بالقوة. وستكون النتيجة النهائية لهذه اللعبة الصفرية هي التضاد والصراع. في هذه اللعبة تسعى الأطراف المتصارعة إلى تغيير ميزان القوى لصالحها، حتى لو قاد ذلك إلى وضع أمنها في معرض الخطر، ولذلك فالواقعيون الهجوميون يعتقدون بأن وقوع الحرب هو أمر وارد دائمًا. يجادل ميرشايمر بأن السبب الرئيس وراء البحث عن السلطة وتركيز الحكومات على زيادة القوة العسكرية يقوم على ثلاثة جوانب، هي: الهيكل الفوضوي للنظام الدولي، والقدرة الهجومية لدى الحكومات، وعدم اليقين في نوايا الطرف المعادي.
صحيح أنه جرى توجيه الاتهام إلى إيران في فترة سابقة على الثورات العربية بالوقوف وراء الحراك الحوثي في اليمن، كما حدث في العام 2009 عندما شنَّت السعودية حملة عسكرية ضدهم ووصفهم على عبدالله صالح بأنهم وكلاء إيران في اليمن، لكن مؤشرات كثيرة تشير إلى أن الاهتمام بالحالة اليمنية بهذا المستوى من الجدية يختص بالسنوات الأخيرة. لم يكن اليمن تاريخيًّا على رأس أولويات استراتيجية إيران في سياستها الخارجية، وتُظهر وثائق ويكيليكس الأميركية أن الأجهزة الاستخبارية الأميركية لم تجد أدلة كافية تدعم مقولة: إن إيران تدعم الحوثيين، وتقول برقية أرسلها السفير الأميركي في صنعاء، ستيفن سيس، بتاريخ 12 سبتمبر/أيلول 2009: إنه على الرغم من الاتهامات المتكررة بالدعم المادي والمالي من طهران للمتمردين الحوثيين في صعدة والحرب الإعلامية التي تجري بشكل متزايد بين اليمن وإيران، فإن نفوذ إيران في اليمن يقتصر على العلاقات الدينية غير الرسمية بين اليمنيين وعلماء دين، مع وجود استثمارات إيرانية ضئيلة في قطاعات الطاقة والتنمية . وتضيف البرقية أنه في حين أن إيران لديها أسباب استراتيجية جيدة للتدخل في الشؤون اليمنية -بما في ذلك قرب اليمن من المملكة العربية السعودية ووجود عدد كبير من الزيديين الشيعة- لا يزال التدخل الإيراني مجرد معركة إعلامية بالوكالة تديرها وسائل الإعلام الإيرانية مع السعودية واليمن ضمن عنوان دعم الحوثيين، لكن البرقية تستدرك أنه توجد فجوات كبيرة في معرفة الأنشطة الإيرانية في اليمن بسبب حساسية الموضوع والوصول المحدود للغاية إلى الأحداث في صعدة. ويعتقد معدُّ البرقية بأنه و"على الرغم من أن التأثير الموثق محدود، إلا أن المصالح الاستراتيجية لإيران في اليمن تستحق المراقبة عن كثب في المستقبل". ومن المؤكد أن تصاعد التوتر مع السعودية والحرب بالوكالة، التي شهدتها سوريا جعل مكانة اليمن تتقدم على سلَّم أولويات السياسة الخارجية الإيرانية.
التهديدات الحوثية لأمن الخليج العربي
تزداد المخاوف من احتمالات سعي جماعة الحوثيين لتبني تكتيكات جديدة في تهديد قوات التحالف العربي بقيادة السعودية. وبسبب الخسائر الكبيرة التي يتكبدونها جراء ضربات التحالف، من غير المستبعد حسب دراسة تاريخ التكتيكات العسكرية الحوثية تبني الحوثيين لخيارات العدوان الخاطف والانتقامي بأساليب جديدة لعل أخطرها امكانية اللجوء الى استخدام أسلحة فتاكة غير تقليدية يتم تطويرها محلياً من خلال احتمال الحصول على تكنولوجيا مهربة بشكل مباشر من إيران او بشكل غير مباشر من جهات كورية شمالية او روسية او من أوروبا الشرقية. وقد رصد تقرير أعده مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية احتمالات زيادة الهجمات الصاروخية على أراضي المملكة العربية السعودية. فبعد تهديدها لمنشئات حيوية سعودية بصواريخ باليستية أو طائرات مسيرة، هناك توقعات مقلقة قد ترجح مساعي حثيثة للحوثيين لتطوير عدد ومدى الصواريخ الباليستية لتصل الى مناطق ابعد من الرياض وقد تصبح بقية دول الخليج وجوار اليمن تحت طائلة التهديد الصاروخي الحوثي.
وفي حين ترجح متابعة التكتيك العسكري الحوثي زيادة خطر الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة الا أن المثير للقلق يتثمل في احتمالات تحميل القذاف الصاروخية بمواد تدميرية كيماوية او جرثومية. وبحسب قراءة أخلاقية الحرب الحوثية، فمن غير المستبعد اقدام ميليشيات حوثية على استخدام أسلحة محرمة دوليا في ظل سيناريوهات حرب انتقامية، ما يستدعي ضرورة تعزيز القدرات الدفاعية الخليجية تحسبا لأي عمل متهور تقدم عليه جماعة الحوثيين إذا تعرضت لخسارة ميدانية كبرى تجبرها على الانسحاب من العاصمة صنعاء أو إذا تم تصفية قياداتها على سبيل المثال. وبحسب رصد مستقبل تكتيكات حرب الحوثيين وما تشكله من مخاطر على السعودية ودول الخليج، فقد زادت احتمالات تطور حركة جماعة أنصار الله من مجرد وكيل إيراني على الأرض اليمنية الى أخطر من ذلك وتحولها الى أكبر منظمة عسكرية متمردة قد تكون لها مخططات مستقلة وانتقامية وتوسعية وعدائية مستقبلية ضد دول الجوار خاصة بعد تلقيها لضربات موجعة من قوات التحالف العربي التي تقوده السعودية.
وقد زادت احتمالات خطر العدوان الحوثي الى درجة يجدر عدم الاستهانة بمستقبل مخططات ميلشياته التي قد تهدف لحسم حرب مصيرية من جهة، ومن جهة أخرى لإثبات الذات من أجل الدفع بالقوى الإقليمية والدولية للاعتراف بتوسع نفوذ الحوثيين الميداني في اليمن وعدم الممانعة في الذهاب الى مفاوضات سياسية على أساس ما حققته من مكاسب على الأرض وهو ما تنبهت اليه قوات التحالف وتسعى لمنع حدوثه. وعلى الرغم من أن قوات الحوثيين أقل قدرة على التقدم ضد المواقع الدفاعية لدول الجوار وخاصة السعودية التي تغطيها قوات التحالف الجوية، الا أن تحركات الحوثيين على ما يبدو حثيثة لامتلاك سلاح يغير توازن القوى في الصراع المفتوح والمرجح ان يكون صراعاً وحشياً على المدى القريب. وقد تطور اسطول أسلحة الحوثيين من استخدام الاليات الخفيفة الى المتوسطة والثقيلة وصولا الى الأسلحة التكتيكية كالطائرات بدون طيار وصولا الى الصواريخ متوسطة المدى، وهو ما يدعو الى القلق حول مساعي حثيثة الى امتلاك اسلحة متطورة قد تصنف ضمن الأسلحة غير التقليدية والدمار الشامل من شأنها أن تشكل خطرا على دول جوار اليمن الخليجية. وقد تكون هذه المساعي بدعم من إيران أو بدون علمها خصوصا مع نمو تدفقات مداخيل الحوثيين من نهب الثروات اليمنية والتهريب.
وقد زادت مخاوف المسؤولين الغربيين بشأن الانتشار الإقليمي لأسلحة الدمار الشامل. ويُزعم تورط مسؤولين ايرانيين في انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة، ومن اجل الحد من هذه المخاطر تحاول الولايات المتحدة بمعية حلفائها الخليجيين لاتخاذ موقف أكثر تشددًا تجاه طهران. وحسب مصادر رصد متابعة التكتيك العسكري الحوثي، أطلق الحوثيون أكثر من 150 صاروخاً على المملكة العربية السعودية منذ بدء الصراع بين الجماعة المتمردة والتحالف الذي تقوده المملكة في عام 2015، وتم اعتراضها أو هبطت جميعها تقريبًا في مناطق غير مأهولة. لكن مع استمرار الصراع في اليمن، زاد مدى صواريخ الحوثيين، مما دفع خبراء الأسلحة إلى افتراض أن جماعة الحوثي بإمكانها تعديل مدى الصواريخ الإيرانية وسكود السوفيتية والكورية الشمالية التي تتضمنها ترسانة اليمن الحالية بقدرات ذاتية أو ربما بمساعدة من إيران. وعلى مدى عقود، هناك مزاعم قوية حول قيام كوريا الشمالية بتسهيل بيع أسلحة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية ومعدات كيميائية، إلى دول مثل إيران وسوريا ووكلاءها من غير الدول على غرار جماعة الحوثيين في اليمن فضلاً عن تزويدهم بالوسائل التقنية اللازمة والمساعدة العسكرية لتطوير برامج الأسلحة الخاصة بهم.
وما يزيد من خطورة توقعات نمو ترسانة الحوثيين هو زيادة احتمالات حصول إيران الداعم الأساسي للحوثيين على تكنولوجيا الأسلحة غير التقليدية التي يمكن ان تزود بها الحوثيين. ويقول خبراء ألمان إن إيران تحاول بشراسة توسيع ترسانتها بأسلحة الدمار الشامل وسط مخاوف من أن الولايات المتحدة تستعد للهجوم وإمكانية تصدير طهران لمعدات أسلحة غير تقليدية لوكلائها في الشرق الأوسط واردة في ظل هذه التوترات. وجاء الادعاء في تقرير للمخابرات الالمانية يقول "إن الإيرانيين يحاولون شراء التكنولوجيا التي يمكن استخدامها في الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية أو النووية". تثير الهجمات على منشآت إنتاج النفط في المملكة العربية السعودية القلق حول حقيقة تطور الترسانة العسكرية لحركة الحوثي اليمنية، التي أعلنت مسؤوليتها عن الضربات الصاروخية. وفي حين تزعم الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أن إيران كانت متورطة بشكل مباشر في الهجمات، يجدد هذا التطور التكتيكي في الاعمال العدائية العسكرية التي يشنها الحوثيون ضد أهداف سعودية التركيز على تحول في الاستراتيجية العسكرية للحوثيين من التعويل على آليات تقليدية الى زيادة استخدام أسلحة غير تقليدية وأبرزها الصواريخ الباليستية التي حذرت سابقاً منظمات دولية من احتمالات تطوير الحوثيين محلياَ لصواريخ قصيرة المدى الى متوسطة المدى، وذلك بزيادة مداها وقدرتها التدميرية.
ولم يعد دور حركة الحوثي كحركة معارضة صغيرة ظهرت في شمال اليمن لتزيد طموحاتها على ما يبدو في سعي لإقناع دول الجوار والمجتمع الدولي أنها لاعب ذات أهمية محلية وإقليمية متزايدة. وعلى الأرجح ان حركة الحوثي باتت تعتمد استراتيجية عنصر المفاجأة والهجمات التكتيكية المباغتة والانتقامية ضد أهداف خارجية وخاصة سعودية في ردها على ضربات التحالف العربي. ويزيد القلق اليوم من تطور قدرات الحوثيين على إعادة تصنيع صواريخ وتطوير مداها ليصل دول الجوار مع زيادة احتمالات استفادة الحوثيين من أنشطة تهريب الأسلحة التقليدية وغير التقليدية والتي نشطت بشكل كبير في مناطق الصراع في الشرق الأوسط بصفة خاصة مع زيادة التهديد الغربي لإيران وقيام تنظيم داعش. وقد سجل تقرير للأنتربول زيادة أنشطة تهريب الأسلحة في الشرق الأوسط وقد يكون بينها احتمالات سعي بعض الدول أو المنظمات الى امتلاك أسلحة غير تقليدية أو فتاكة تصل لتصنيف أسلحة دمار شامل. وقد بدأ تفعيل التحالف العربي في مارس 2015 بدعم من الحلفاء الإقليميين والمجتمع الدولي. وقد كان اشتراك القوى الإقليمية في الصراع في اليمن مدفوعًا، جزئياً على الأقل، بمخاوف من توسع النفوذ الإيراني وتحول الأحداث الى حرب طائفية. ومع ذلك، في حين استفاد الحوثيون من الدعم المقدم من إيران، الا أنهم يشكلون أكثر قليلاً من وكيل إيراني في اليمن. حيث من المرجح انهم يسعون الى التعويل على ثروات محلية يمنية والاستفادة من إيراداتها لتمويل صفقات شراء أسلحة متقدمة من أسواق سوداء ومن دول مصدرة محظورة مثل كوريا الشمالية ودول شرق أوروبا. كما ترجح تقارير زيادة احتمالات تطوير الحوثيين لإمكانيات التصنيع الحربي الذاتي.
وقد استخدمت جماعة أنصار الله الحوثي أنظمة أسلحة جديدة منذ عام 2015 أبرزها طائرات بدون طيار صرحت الأمم المتحدة بأنها “متطابقة تقريبًا في التصميم والأبعاد والقدرة لطائرات أبابيل بدون طيار التي تصنعها إيران. وتشمل الابتكارات الأخرى صواريخ جو- جو روسية الصنع تعمل بالحرارة وقد تحولت إلى أسلحة مضادة للطائرات تطلق بواسطة شاحنات متنقلة، فضلا عن امتلاك الحوثيين لأجهزة رادارات إيرانية افتراضية تجمع إشارات مراقبة الحركة الجوية في ظل استنباط حلول استهداف بطاريات الدفاع الجوي لقوات التحالف. وفي وقت سابق من العام الماضي عرض المسؤولون العسكريون لجماعة طائرات بلا طيار وصواريخ مطورة محليا ووضع عليها شعار “صنع في اليمن”. وتفتخر الميليشيات الحوثية بطائرات بلا طيار وقذائف قادرة على الوصول إلى عمق المملكة العربية السعودية. وقد مثل هجوم الطائرات الحربية بدون طيار التي تبناها المتمردون الحوثيين في اليمن على مواقع حساسة في السعودية كالمطارات ومواقع نفطية، نقطة اشتعال جديدة من شانها ان تزيد من توتير منطقة ملتهبة بالفعل بسبب التصعيد المتزايد بين الولايات المتحدة وإيران. في يونيو وحده، شن الحوثيون المتحالفون مع إيران ما لا يقل عن 20 هجومًا صاروخيًا وطائرات مسيرة على المملكة الغنية بالنفط، والعدو الإقليمي الرئيسي لإيران، أسفر بعضها عن سقوط ضحايا وأضرار. نجحت الدفاعات الجوية السعودية المتقدمة في اعتراض معظم الضربات، لكنها فشلت في التعامل مع بعضها، بما في ذلك هجوم بطائرة مسيرة على مطار حيوي في أبها في الجنوب، أدى إلى مقتل شخص وإصابة 21 آخرين.
تتزايد خطورة التحالف الوثيق بين إيران والحوثيين بعد أن صارت جماعة الحوثي تشكل خطرا كبيرا على الأمن القومي اليمني والخليجي، وصارت من أخطر أذرع إيران في المنطقة، بما في ذلك ما يسمى ب"حزب الله" اللبناني، كونها أصبحت تطلق الصواريخ البالستية التي حصلت عليها من إيران إلى عمق الأراضي السعودية، وهو عمل لم يسبق أن قامت به أي مليشيات شيعية في المنطقة، بما فيها مليشيات "الحشد الشعبي" في العراق، ومليشيات "حزب الله" في لبنان. ويؤكد الواقع أن إيران ممتنة كثيرا لجماعة الحوثي، كونها استطاعت أن تقصف عمق الأراضي السعودية بالصواريخ البالستية المقدمة منها، وتدفع بمقاتليها للتقدم صوب الأراضي السعودية والاشتباك المباشر مع الجنود السعوديين المرابطين في حدود بلادهم مع اليمن، ومثل هذا التهديد المباشر للسعودية، التي تعد الخصم الرئيسي لإيران، لم يسبق أن قامت به جماعات شيعية أخرى. وفي الوقت الذي تكشف فيه الهجمات عن تعرض السعودية للخطر في حربها مع الحوثيين، إلا أنها تظهر الكيفية التي يمكن فيها شن هجمات رخيصة الكلفة تترك آثاراً عميقة. ولا تتعدى كلفة بناء الطائرة الواحدة 15 ألف دولار أو أقل. فهذه الهجمات لا تقوم بضرب البنى التحتية الاقتصادية فقط بل تزيد كلفة الأمن وتعرقل أسواق النفط وتنشر الخوف. ورغم عدم توفر المصادر المالية الكبيرة للحوثيين، إلا أن الطائرات المسيرة تعطيهم طريقة للإضرار بالسعودية التي تعتبر ثالث دولة في العالم إنفاقاً على الأسلحة والدفاع، حيث استثمرت 67 مليار دولار في عام 2018.
تواجه المملكة العربية السعودية تهديدات خطيرة للغاية من الحوثيين وكيل ايران في اليمن، فهناك امور مبيتة ولم يتم الافصاح عنها حتى الان ومنها النوايا الرامية الى سيطرة الحوثيين وايران على المراكز الدينية المقدسة في مكة والمدينة المنورة، هذه النويا مدفوعة برغبات ايرانية اكثر من كونها رغبات حوثية. يعتبر الحوثيون انفسهم احفاد الرسول محمد، ولذلك فهم يعتقدون ان لهم الحق الشرعي والديني في رعاية المراكز الاسلامية المقدسة، بالاضافة الى ذلك، فالحوثيون ينظرون الى ال سعود على انهم اعداء للاسلام ويتهمونهم بمناصر امريكا واسرائيل ولا يجوز لهم ان تبقى مكة والمدينة تحت سيطرتهم. اما الايرانيون فقد عبروا عن معارضتهم منذ سنوات طويلة، وطالبت ايران مرارا وتكرار بوضع مكة والمدينة تحت اداراة اسلامية محايدة، لكن بعد صناعة الوكيل الايراني في اليمن تغيرت المطالب الايرانية واصبحت طهران تدعم سيطرة الحوثيين على تلك المراكز الاسلامية المقدسة. التهديد الخفي الذي ستواجهه السعودية في المستقبل القريب هو ان الحوثيين في قرارة انفسهم غير مقتنعين بالاتفاقية الحدودية بين اليمن والسعودية الموقعة عام 2000م، فهناك مؤشرات تؤكد ان الحوثيين سيسعون الى استعادة نجران وجيزان وعسير من السعودية سواء بالحرب او المفاوضات.
تهديد الحوثيين لأمن الامارات
اطلق زعيم الحوثيين تهديدات خطيرة وجدية ضد الامارات العربية المتحدة، وذلك في خطاب رسمي بثته قناة المسيرة الحوثية، وكان الحوثي قد توعد الامارات بضرب منشئاتها الاستراتيجية والحيوية في كل من ابو ظبي ودبي قائلا " لدينا أهداف إستراتيجية وحيوية وحساسة ومؤثرة يمكن استهدافها في حال القيام بأي تصعيد في الحديدة، صواريخنا قادرة على الوصول إلى الرياض وما بعد الرياض، إلى دبي وأبو ظبي وأهداف حيوية وحساسة لدى قوى العدوان". كما اعتبر الحوثي أن "الإماراتي يحشر نفسه في المشكلة في اليمن" مما يشكل مخاطر حقيقية على الاقتصاد الإماراتي، مضيفا "إذا استمر العدوان فإن الاقتصاد الإماراتي والاستثمار هناك سيكون معرضا لمخاطر حقيقية". توجيه صواريخ حوثية إلى الإمارات كفيل بزعزعة الاستقرار فيها وتهديد البيئة الاستثمارية، التي بنتها خلال السنوات الماضية، وصدرت نفسها للعالم والشركات الكبرى، بأنها بلد ذو بيئة حيادية جاذبة للاستثمارات عبر البنية التحتية المتقدمة والضرائب المنخفضة والحوافز الاقتصادية التي تقدمها. ان عملية قصف الامارات كفيلة بتهديد مكانة دبي الإقليمية والعالمية على السواء، إذ لن تكون الشركات بمنأى عن ذاك التطور وستتكبد أضرار جسيمة في أعمالها. ولن يكون لميناء جبل علي في دبي أي أهمية في حال خروج الشركات وإيقاف شحن البضائع نتيجة التهديد الأمني وارتفاع التكاليف.
الاسوأ بالنسبة للاماراتيين يتمثل في ان ابو ظبي ودبي مدينتان تقومان على الاقتصاد الخدمي من الاستثمار في العقار الى الاستثمار السياحي في الاسواق الراقية وتحويلات الاموال، اضافة الى عصب تجاري يقوم على الاستيراد والتصدير بين الدول، يضاف الى ذلك ان عمارة المدينتين عمودية وليست أفقية، حيث تشتهران ببناياتهما المرتفعة جدا والمكتضة جدا بالشركات والسكان، ما يجعل اي قصف حوثي على اي اهداف فيها أقرب الى الكارثة، التي تضر بالاقتصاد والعمران والانسان معا. من الواضح ان الامارات تتمتع بقوة عسكرية لا يستهان بها، فهي تملك ترسانة سلاح تعد من بين الاكبر والاحدث في المنطقة، وهي تستطيع تنفيذ عمليات بالغة التعقيد وواسعة المساحة خارج البلاد، لكن هامش حركتها في الداخل يبقى ضيقا، فالحوثيون ليسوا جيشا، فاذا حدث وقرروا استهداف الامارات، فان هذا يضرب رأس مال الامارات الحقيقي باعتبارها جنة للاستثمار القائم على الأمن وحرية نقل الاموال، وفي حالة كهذه ثمة من سيفكر مرتين في الاستثمار، وهذا كاف لتخسر الامرات ما هو اهم من المليارات وهو نموذجها في المنطقة والعالم، حيث الرفاة والثروة والامان.
الخاتمة
نجحت طهران في صناعة الوكيل الايراني في اليمن من خلال تبني خطاب مماثل للخطاب الإيراني المعادي لأميركا واسرائيل ورفع الشعارالإيراني: "الله اكبرالموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للاسلام". تعاظمت قوة الحركة الحوثية بشكل سريع، حتى اصبحت سلطة الامر الواقع في شمال اليمن. وجدت ايران غايتها في الوكيل الحوثي الذي سيعمل على تصدير الثورة الايرانية في اليمن والجزيرة العربية، فسارعت طهران الى دعم اللحوثيين بالمال والسلاح والتدريب، وبالتزامن مع تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية اصبح الدعم الايراني ذاقيمة.
الاهتمام الإيراني بسوق الجماعات الوكيلة المحتملة يعتبر الحركة الحوثية ذات قيمة استراتيجية لإيران بسبب قربها من الخليج والسعودية الخصم الرئيسي لطهران في المنطقة. تنمية الوكلاء من غير الدول وتطوير قدراتهم سمحت لإيران بإبراز قوتها على نطاق واسع في منطقة معادية لمصالحها. يقدم الحوثيون فرصة جذابة لنمو النفوذ الإيراني، وعلى أقل تقدير، يستنزف منافسيه السعوديين والاماراتيين في مستنقع مكلف. تأجيج الصراع وعدم الاستقرار في اليمن يخدم مصالح إيران الإقليمية و أهداف جيوسياسية أوسع، حيث تستفيد ايران من وكيلها الحوثيين من خلال استمرار الصراع الذي تتركز مخاطره وتكاليفه على المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة. التوقعات المقلقة تشير الى ان الحوثيين يطورون الصواريخ البالستية لكي تصل الى مسافات ابعد تمكنهم من ضرب العواصم الخليجية في المستقبل القريب.
من غير المستبعد ان يتبنى الحوثيين خيارات العدوان الخاطف والانتقامي بأساليب جديدة لعل أخطرها امكانية اللجوء الى استخدام أسلحة فتاكة غير تقليدية ضد السعودية والامارات بشكل خاص والخليج بشكل عام، حيث يتم تطويرتلك الاسلحة محلياً أو من خلال الحصول على تكنولوجيا مهربة. ينظر الحوثيون الى حكومات الدول الخليجية على انها انظمة غير شرعية تعادي الاسلام وتناصر امريكا واسرائيل، ولذلك يجب ان تزول ليصبح عبد الملك الحوثي سيد الجزيرة العربية بلا منازع وتصبح ايران القوة العظمى الوحيدة المهيمنة في المنطقة. اصبحت جماعة الحوثي تشكل خطرا كبيرا على الأمن القومي اليمني والخليجي، وصارت من أخطر أذرع إيران في المنطقة، فهي تطلق الصواريخ البالستية على السعودية وتشن هجمات بالطائرات المسيرة، وهو ما لم تفعله الميليشيات الشيعية الاخرى في اي مكان. يشكل الحوثيون تهديدا حقيقيا على الممرات المائية الدولية وخصوصا مضيق باب المندب والبحر الاحمر، فقد هدد الحوثيين باغلاقه عدة مرات، كما قصفوا سفن وناقلات نفط سعودية ودولية وزرعوا الغاما في البحر الاحمر.
يشكل الحوثيون وكلاء ايران في اليمن تهديدا حقيقيا على الامارات العربية المتحدة، لا سيما بعد ان حذر زعيم الحوثيين القادة الاماراتيين من ان ميليشياته قادرة على ضرب المدن الاماراتية ابوظبي ودبي اذا لم تنسحب الامارات من تحالف دعم الشرعية اليمنية. خطورة الحوثيون وكيل ايران في الجزيرة العربية تكمن في كونها ميليشيات لا تتردد لحظة واحدة في تنفيذ الاوامر الايرانية، وهذا يعني ان طهران قادرة على ايذاء الدول الخليجية متى شاءت وكيف ما تشاء. الحوثيون لا يعترفون باالاتفاقية الحدودية اليمنية السعودية ويعتبرون نجران وجيزان وعسير وصحراء الربع الخالي اراضي محتلة يجب استعادتها من السعودية، بالاضافة الى ذلك، يرى الحوثيين انهم احق بادارة المراكز الاسلامية المقدسة في مكة والمدينة كونهم يعتقدون انهم احفاد الرسول محمد وهم من وجهة نظرهم احق من ال سعود برعاية تلك الاماكن. هذه النوايا الخفية مدفوعة برغبات ايرانية، مما يعني ان النزاع لن ينتهي والخطر لن يزول. من المخاطر المحتملة ان يشجع الحوثيين شيعة الخليج العربي على التمر ضد حكوماتهم، فالواقع اثبت ان الشيعة يقدمون الولاء للمذهب على الولاء للوطن، فمن المرجح ان ينتفض الشيعة في شرق وجنوب السعودية والكويت والبحرين في المستقبل، خاصة اذا خرج الحوثيين اقوياء من هذه الحرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.