ما يحدث في اليمن لايمكنك ان تسميه ( نزاعا )، فالطرف الاول عبارة عن حكومة شرعية معترف بها دوليا، بينما الطرف الثاني تم توصيفه وفق القرارات الدولية ذات الصلة بقوى أنقلاب وعلى هذا الاساس وضعت قياداته تحت طائلة بند العقوبات الدولية. قانونيا، أذا سلمت انه نزاعا، فهذا يعني ان هنالك إدعائين وكلاهما متساويان تحت القانون الدولي، وهو ما يتعارض مع القرارات الدولية الصادرة بخصوص الأزمة اليمنية. ولكن ما الذي قد يعنيه تسمية الأزمة اليمنية ( نزاعا ) أثناء تقديم أي مبادرة سياسية للحل باليمن؟!! يمكننا القول ! إن تسويق هذا المفهوم المغلوط على المستوى الدولي بات يشي فعلا بأن القرارات الدولية المتعلقة بالأزمة اليمنية قد أفرغت من مضمونها وان نظرة المجتمع الدولي للصراع اليمني قد تبدلت. لهذا سنرى اليوم ان جميع مبادرات حل الازمة اليمنية باتت تنطلق من مفهوم (حل النزاع)، ولديك هنا أقرب مثال ! مبادرة جريفيث الأخيرة ( الإعلان المشترك )، المبادرة التي تسعى الى تقديم سلطات الإنقلاب الحوثي كسلطة أمر واقع دونما الالتفات الى قرار مجلس الامن الدولي 2216، القرار الذي يناقض مضمونها . لطالما أكدنا دائما بأن الرتابة الدبلوماسية في التعامل مع المساعي الدولية الى جانب تبعات ما سيخلفه فشلها السياسي والعسكري على الارض، هما في النهاية من سيدفع بالشرعية اليمنية نحو زاوية الصراع الضيقة،وبالتالي ظهورها بمظهر الحلقة الأضعف، وأظنه بات أمرا ملموسا اليوم ..كيف ذلك؟ عزيزي المهتم بالشأن اليمني ! في الوقت الذي ستدخل فيه مبادرة جريفيث ( الاعلان المشترك) حيز التنفيذ، حينها برأيك ماهو وضع التحالف العربي على الارض، وبخاصة اذا ماعلمنا ان تواجده جاء تحت مسمى ( تحالف استعادة الشرعية ودحر الانقلاب) وهو مايتعارض مضمونا مع مبادرة جريفيث التي تسعى لحل الصراع بوصفه (نزاعا) وليس إنقلابا سياسيا وعسكريا وجب إنهائه كما يتبنى ذلك خطاب التحالف العربي؟ نستطيع التأكيد هنا ان سريان مبادرة جريفيث سيعني إقرارا واضحا ببدء مغادرة التحالف لملف الازمة اليمنية، على الاقل تكون هنا الخطوة النظرية للمغادرة قد تحققت، وهو ما قد يفسر تلاشي حضور التحالف بالشمال والسماح بتمدد الحوثيين هناك تمهيدا لاحكام السيطرة والظهور بمظهر طرف نزاع وليس مجرد سلطة انقلاب. أود ان أذكرك اخي العزيز هنا ان الامير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي كان قد رحب في تغريدة سابقة له بمبادرة جريفيث، اي ان الرغبة السعودية في مغادرة اليمن أصبحت حاضرة بقوة اليوم، ولم يعد هنالك ما يمنع من إعلان ذلك رسميا سوى تحقيق المملكة ولو للحد الادنى من مصالحها وضمان أمنها القومي . اليوم يمضي مسلسل فرض الوقائع بداخل ملف الازمة اليمنية بوتيرة عالية وتحت رعاية إقليمية ودولية واسعة وهو ما يؤكد ان ثمة تحولات كبيرة في طريقها لأعادة تعريف عنوان الأزمة ومسار الصراع باليمن قبيل 20 يناير من العام القادم، وللعلم تلك التحولات اذا ما تحققت فإن ما اشرنا اليه آنفا من تداعيات ومغالطات تسويق مفهوم الازمة اليمنية كنزاع واطراف متنازعة ستبدو حينئذ خجولة جدا امام حجم الارتدادات التي ستخلفها تحولات الايام القادمة . وبالمناسبة حتى الخطاب الاعلامي المعني شهد هو الاخر تحولا في هذا الاطار، فبدلا من مسمى " تحالف استعادة الشرعية " اصبح اليوم المسمى الرائج له " تحالف دعم الشرعية " واعتقد ان الدلالة واضحة ومقصودة في هذا الامر.