تابعت يوم أمس المظاهرات في العاصمة الأمريكيةواشنطن، التي دعى لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، احتجاجاً على نتائج الانتخابات الأمريكية، وما أسفرت عنه من اقتحام المحتجين لمبنى الكونجرس الأمريكي وتعطيل جلساته مؤقتاً، وما لحق ذلك من تداعيات سياسية داخل أمريكا وخارجها. ومن تلك الأحداث فقد ترسخت عندي قناعتين أو درسين، كنت ولا زلت أؤمن بهما: الأولى: أن أي إمبراطورية في التاريخ مهما كانت قوتها العسكرية والاقتصادية، فإن إنهيارها يكون من الداخل وليس من الخارج، فالولايات المتحدةالأمريكية تعتبر أعتى إمبراطورية عرفها التاريخ البشري، ولا تستطيع اليوم أي قوة عسكرية أو إقتصادية مقارعتها، ناهيك عن تدميرها، ولكن أي تصدع في البيت الداخلي، سوف يقلبها رأساً على عقب ويجعلها مجرد دويلات متناثرة متناحرة، بعد أن كانت ولايات متحدة مترابطة، وما الإمبراطورية السوفيتية منها ببعيد، لذا فإن زوال هذه الإمبراطورية لن يكون بأسباب خارجية وإنما بأسباب داخلية، وتعس من لم يعتبر، من مثل هذه الدروس. الثانية: أن من مساوئ الديمقراطية، أنها قد تأتي بحكام معتوهين أمثال ترامب، فأصوات الناخبين التي توجهها الآلة الإعلامية والتعصبات الحزبية، لا تفرق بين الغث والسمين، وبين العالم والجاهل، بل وحتى بين العاقل والمعتوه. ورغم ذلك تبقى الديمقراطية على علاتها، أفضل طريقة حكم موجودة حالياً على مستوى العالم، وأياً من شعوب العالم ظفرت بها فقد فازت ونجحت، ومن فاتتهم فتعساً لهم ولا يلومون إلا أنفسهم. الثالثة: أن تصدر الغوغاء للمشهد لن يأتي بخير، بل أنهم كانوا ولا زالوا معاول هدم للحضارات والثقافات، ومثل هذه العينة لا يمكن السيطرة عليها، أو توجيهها التوجيه السليم، وإنما أينما توجهها لن تاتي بخير، فهاهو ترامب يدعوها للاحتجاج وبعد أن خرج الوضع عن السيطرة يدعوها للعودة إلى قواعدها، فعادت ولكن بعد أن عاثت في مبنى الكونجرس فساداً، ولطخت ديمقراطية أمريكا بالسواد، الذي لن يمحى ما دام كاتب التاريخ، يكتب بكل توضيح.