رغم التجاهل المتعمد من قبل الجهات الرسمية قديماً وحديثاً لشخصية بحجم هيثم إلا أنه رمز خالد يأبى النسيان واسم نحت في سجل العظماء يستحيل إزالته وشخصية فريدة يصعب القفز عليها أو تجاوزها . إنه المناضل والسياسي والقائد والمثقف والمقدام والإنسان محمد علي هيثم ..ذلك الرجل الاستثنائي _ بكل ما تحمله هذه الكلمة _ في تلك المرحلة من مراحل تاريخنا الوطني. لقد أصر هيثم على نحت اسمه بأحرف من نور على صفحات التاريخ وتخليد ذكره في سجل الخالدين وتدوين مواقفه في دواوين العظماء ... فرغم أنه ينحدر من أسرة ريفية من إحدى قرى مديرية موديه والتي تكاد تنعدم فيها وسائل الثقافة والتنوير في تلك المرحلة إلا إنه لم ينحن لمثل هذه الظروف الصعبة بل شق طريقه باقتدار نحو المجد وبجهود ذاتية كشاب يحلم بعالم تسوده الحريه والعدالة والكرامة والثقافه والعلم ...كل ذلك دفعه منذ نعومة أظافره للالتحاق بالتعليم النظامي في منطقته ثم أصر على مواصلة دراسته الثانوية في عدن تلك المرحلة من مراحل التعليم كان لها بالغ الأثر في صقل شخصيته وتنمية مواهبه وتطوير قدراته في ظل انتشار متسارع للفكر القومي على الساحة العربية آنذاك وبداية تشكل ونمو الروح الثورية لمناهضة الاستعمار والتي كانت عابرة للقارات وتلاقح الأفكار .. كل تلك التطورات كان لها دور كبير في التأثير على شخصية هيثم.. وهذا ما ظهر بوضوح منذ عودته إلى موديه وبداية ممارسته لعمله كأستاذ في مدارس المنطقة الوسطى حيث مكنه ذلك من بث الروح الثورية في شباب المنطقة الوسطى وتأسيس نواة عمل فدائي لمناهضة الانجليز والذي تكلل بأنشاء جمعية أبناء دثينة بمساعدة زملائه كإطار مؤسسي يهدف للاستفادة من جهود الفدائيين وتنظيم صفوفهم وشخذ هممهم في تلك المرحلة كان هيثم ملهماً للثوار موقدا لشعلة النضال ضابطًا لإيقاع تحركاتهم ... إلا أنه يعمل بصمت بعيداً عن الأضواء حفاظاً على سلامته.. ولم يظهر إلى العلن بصورة رسمية كقائد مغوار للثوار إلا في تاريخ م18/8/1967 وذلك يوم أن زحف الثوار من كافة مديريات المنطقه الوسطى إلى مودية والاحتشاد في ميدان التحرير.. عندها اعتلى محمد علي منصة المهرجان وانتزع علم الانجليزي ورفع علم الجبهة القومية وأعلن عن خطوات المرحلة القادمة للثوار والتي كان من أبرزها إسقاط السلطانات التابعة للاحتلال. وهذا ما حدث بالفعل حيث تمت السيطرة الكاملة على محافظة أبين من قبل الثوار والزحف إلى عدن. في تلك الأثناء قرر الانجليز الرحيل النهائي من عدن في 30 /11 /67م وأعلن رسميًا ولادة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية برئاسة قحطان وتشكيل حكومة أسندت فيها حقيبة الداخلية للشاب ذي السبعة والعشرين عاماً محمد علي هيثم والذي استمر فيها حتى 16/6/1969حيث تم إقصاءه من قبل قحطان مما اضطره ذلك للتحالف مع سالمين وتشكيل تكتلا جديدا أطاح بقحطان ووضعه تحت الإقامة الجبرية تاريخ 22/6/1969م وأعلن رسميًا تشكيل لجنة رئاسية بقيادة سالمين وحكومة جديدة برئاسة الشاب محمد علي هيثم ليكون أصغر رئيس وزراء ( 29 عامًا ) استمر فيها حتى أغسطس 71م حيث قدم استقالته وغادر أرض الجنوب إلى منفاه والذي ظل فيه حتى قيام الوحدة عام 90 م ثم عاد إلى صنعاء وفي مايو 93م عين وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية ولكن لم يطل به المقام كثيراً حيث عاجله الموت بعد حوالي شهرين وتحديداً تاريخ 10/7/1993 في ظروف تبدو غامضة حتى اللحظة . إنني أدرك تمام الإدراك أن حديثي عن هامة وطنية سامقة شامخة فريدة أصيلة بحجم محمد علي هيثم هو من باب التطفل ..لكن حبي وإعجابي وتقديري لشخصه الكريم دفعني للإشارة إليه بهذه المقالة المتواضعة علها تجد آذناً صاغية من قبل الجهات الرسمية لإعطاءه المكانة اللائقة به كرمز وطني كانت له بصمات ناصعة في أبرز التحولات والأحداث من تاريخنا الوطني.. وكشخصية يشار إليه بالبنان على المستوى المحلي والدولي . حقاً إنه شخصية فريدة اكتسبت من القدرات والمواهب والملكات ما مكنه من أن يفرض نفسه كقائد للثوار يحظى باحترام غير مسبوق وهو في بداية العشرينات من عمره ثم يتقلد مناصب سيادية كوزير للداخلية ثم رئيس للوزراء في مراحل حرجة جداً وهو كذلك لم يتجاوز الثلاثين سنة . رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.