اختلف أبناؤه عليه في اليمن. فمنهم من حسبه بقرة حلوب ، ومنهم من ركبه كحمار ، ومنهم من ربطه بحبل ظناً منه أنه كلب حراسة ، ومنهم من تدفأ في فرائه كأنه دب قطبي ومنهم من أكل لحمه كأنه كبش من الضأن . البهايم كلهم بتعاملون مع الوطن إنه حيوان .وهذا ما يحدث في بلادي اليمن. إننا لا نستطيع أن نبدأ أي حديث حول حب الوطن أو المواطنة أو الشعور بالانتماء للوطن، قبل أن نتفق على تعريف محدد للوطن أولا. يقول فتغنشتاين: "إننا نسمي الأشياء ثم نستطيع الكلام عنها" علينا أن نعرف الصورة الذهنية التي تحدث في عقول أبنائنا أولا حين نتكلم معهم عن الوطن. والتصور أو الخيال المرئي من نوع ما والمرتبط بكلمة (الوطن). الوطن هو المكان الذي يطلق طاقاتك وابداعك. المكان الذي يحترمك، هذا هو المكان الذي تستطيع أن تنتمي له وتحبه. هذا هو المكان الذي يجعلك منتميا، وعندما تغيب هذه المعاني لا يكون وطنا، بل قهر مشترك للكثيرن، ويصبح مكانا تغلب فيه القيم الأنانية فلا ينتمي الانسان فيها الا الى ذاته أو عائلته أو قبيلته في أحسن الأحوال .. يصبح مكانا نقول فيه كلمات كثيرة عن الوطنية وحب الوطن ... في الشعر وفي الخطابات الرنانة، لكننا لا ننتمي له، اذ يصبح مكانا يسرقنا ونسرقه يظلمنا ونظلمه سكانه لديهم حالة ريبة وشك خفية من كل المعاني المتعلقة به . ولأنني تغربت مدة عن وطني،ولازلت متغرب عنه وأعرف بكل عمق ماذا يعني الوطن، كتبت هذا المقال اليوم، عندما يبتعد الإنسان عن وطنه، يراه مقدسا بدون عيوب، يراه كاملا من غير نقص، ويشعر فعلا ودون أي مبالغة، أن بينه وبين الوطن وشيجة قوية لا يمكن أن تنقطع لأي سب كان وبأي عذر كان، وشيجة كتلك التي تربطه بأمه وبأبيه وبأهله.