من الحقائق المدوية إفلاسا و خسارة ان "العقلية السياسية الجنوبية" كانت تراهن على الحظ و التعويل الكامل على نتائج المعارك "الجيوسياسية الدولية" و التي كان يخوضها حلفاءها الروس مع خصومهم الامريكان حالها كحال باقي عقليات النظم الاشتراكية الشمولية الدائرة في فلك المنظومة الاشتراكية الروسية فيما كان يعرف وقتها بحقبة محاربة "الامبريالية العالمية" والتي كانت تتزعمها موسكو في مختلف مواجهاتها مع الامريكان إبان الحرب الباردة بين القطبين . و بل ان "القيادات الجنوبية" في الجنوب ذهبت إلى ماهو أبعد من ذلك و انتهجت خيار محاربة الامبريالية العالمية و الرأسمالية و أذنابها من النظم الرجعية و البرجوازية في جوارها و قام الرفاق بتصدير الثورة التحررية لسلطنة عمان و دأبوا على معاداة النظم الملكية كالسعودية و الكويت و كانوا يرون بان تلك النظم نظما مهددة لوجودها و لحليفها الاتحاد السوفييتي و الذي جعل من الجنوب قاعدة صاروخية بالستية لفرض الهيمنة الروسية في الجزيرة العربية بفضل تبعية و انجرار الرفاق لاشتراطات القادة الروس . ولعل كل تلك الاتكالية و الانتهازية السياسية للرفاق خير شاهد تاريخي على ضيق أفق العقلية السياسية الجنوبية و نظامها السياسي في الجنوب و هو الأمر الذي كلف الرفاق فيما بعد ثمنا باهظا بعيد سقوط الاتحاد السوفيتي و تفككه و إقراره بالهزيمة للامريكان .. و لكن المفارقة المعاصرة و المثيرة للجدل ان دولة رأسمالية كدولة "الامارات" و التي لم تكن موجودة على الخارطة في عصر تحالف الرفاق مع الدببه الروس هي الدولة التي يراهن عليها "رفاق اليوم" في استعادة الدولة الجنوبية . والأكثر إثارة للجدل ان الرعيل الأول لجماعة اليسار التقدمي "الرفاق الطغمة" و الذين أرتهنوا "للكي بي جي" الروسي بالأمس عادوا من جديد و عادت تبعيتهم على يد "الطغمة الجدد" الذين يعرضون خدماتهم اليوم على "الموساد" الإسرائيلي مقابل استعادة دولة الجنوب ..! و في صورة كاملة من الإنسلاخ التام و التحلل القيمي الكامل عن كل المبادى و القيم و الاهداف التحررية المدافعة عن القومية و العروبة و الوطنية و الاهداف الاشتراكية التحررية و التي صدعت رؤوس الجنوبيين في يوما ما بالدفاع عن "القضية الفلسطينية" و حقوق الشعوب في التحرر و الانعتاق من نير الاستعمار و الاستبداد . و في "سفر إصحاحنا الرابع والعشرون" نحاول ان نقارب الإشكالية المزمنة لدى تلك الجماعات اليسارية التقدمية في الجنوب منذ استقلاله و كيف أنها و في كل المراحل لا تملك غير الأرتهان الكامل للخارجي و المراهنة على تلبية مصالحه و حساباته السياسية على حساب سيادة و طنها و مصالح شعبها لقاء منحها بعض الامتيازات المادية والدعاية السياسية كغطاء سياسي لتوجهات الجهة المتحالفة معها و التي تستخدمها في مواجهة القوى الوطنية المعارضة و المعادية لمشاريعها . و في تقديري ان هكذا ارتهان و تبعية و اتكالية سياسية تاريخية لن تحقق غاية و لا هدف و حجم و مدى الارتهان و التبعية السائدة فاق كل التوقعات و مس كل الثوابت العقائدية و الوطنية و القومية و الإسلامية و لا يمكن تقبله و احتماله لدى قطاعات و فئات و اسعة من الجنوبيين باتت تضيق ذرعا و غيضا من هكذا سلوك سياسي فقد شرعيته الاخلاقية و أهليته السياسية و العقلية و الموضوعية و المنطقية بأسم استعادة دولة يستحيل ان تعود على يد مجموعة من الأسرى المكبلين بقيود التبعية العمياء.