=================== بعد أن نزلت من الباص تثاقلت خطواتي و ما لبثت أن تسمرت في مكاني.الى أين ذاهب؟؟ آخرتها تبيع سمك و صوت في داخلي يقول:( الشغل مش عيب.العيب أن تمد يدك للآخرين) ثم هذا ليس أول عمل لك.أنت تعمل منذ نعومة أظافرك.أنسيت أنك و أنت تلميذ في الإبتدائية كانت أمك تصنع لك الشاي و الخبز و كنت تبيعه بعد صلاة الفجر ثم تذهب الى مدرستك.أنسيت أنك كنت تعمل و أنت طالب في الإعدادية في و كالة أنباء عدن.تعود من المدرسة بعد الظهر و تصل الوكالة عند الساعة الخامسة بعد العصر و تطبع النشرة الإخبارية حتى الساعة الثانية بعد مننصف الليل ثم عملت في التليفزيون في المكتبة ثم في قسم التليسينما و المونتاج و قبل أن تنهي الثانوية تعسكرت.حياتك كلها عمل في عمل و كنت تشعر بالسعادة و كل من حواليك يظن أنك مدلل، مرفه.و بدأت أحث السير الى سوق حراج السمك و مرة أخرى يأتي الصوت من داخلي: ( أحمد الله أن رأسك فوق جثتك) تذكر كل الناس الذين سرحوا من أعمالهم ، مدنيون و عسكريون في كل المراحل منذ الانقلاب على قحطان الشعبي مروار بالإنقلاب على سالمين و أحداث يناير المشؤومة و بعد حرب 94م.أتذكر خالك الشاعر علي أحمد درعان، ضابط البوليس السري الذي عشت جزء كبير من طفولتك في بيته.تذكر كيف عاش؟. أخرجوه من بيته بعد أن سرحوه من عمله و غادر عدن ليعيش في بيت أبيه في لودر في غرفه على السطوح لا يخرج منها أبدا معتزلا الناس لمدة 25 سنة حتى توفاه الله قال فيها أجمل أشعاره و التي تغنى اليوم و يطرب بها الناس( بن درعان يا هيلة و يا نعنعة .. قل لمن شل عقلي بالبصر رِجِّعه).هل تريد أن يكون مصيرك كمصيره.توكل على الله.لعل لك في هذا العمل خير). دخلت سوق الحراج.رصيف بطول نصف كيلو متر تقريبا، تكومت فيه أنواع كثيرة من الأسماك.في الساعة السادسة بالضبط بدأ الحراج.الناس تعج في المكان و رجل كهل، ضخم البنية بصوت جهوري شاحب يقف عند كل كوم: 500، 1000، 1500. رأيت شاباً يقف المحرج عند آخر مبلغ فترسو عليه البيعة.جلت بنظري على كل الأسماك الموجودة.رأيت عشرة حيتان من سمك الديرك( كينج فش) كل واحد بطول متر و نصف تقريبا، طازجة يقطر الدم منها.وقفت بجوارها.جاء المحرج.1000، 1950.صرخت 2000. قال؛ شل. عشرة حيتان من 2000 يعني بعشرين ألف ريال و معي في جيبي عشرة ألف ريال ما العمل؟ قلت للمحرج و كان رجلا فاضلا إسمه رشاد الجبل رحمة الله عليه من أبناء الشيخ عثمان علمت أنه ورث العمل في السوق عن أبيه و كان الصيادون يثقون به كثيرا حيث يأتون بأسماكهم الى السوق و يغادرون و هو يقوم بالبيع ثم يحاسبهم لاحقا.في الرجل خير كثير.يعيل أسرا فقيرة و أيتاما في الشيخ عثمان.قلت له: ياعم معي عشرة ألف.خلي السمك عندك و انا با روح أجيب لك الباقي.قال: روح بيع و بعدين تعال حاسب ثم نظر الي و قال: شوف هذاك و اشار الى شخص على بعد في السوق قلت نعم قال: هذا جاء مثلك و ساعدته و الآن عنده 12 شاحنة بها ثلاجات للسمك.أخذت رأسه و قبلته و أخذت السمك و لكن الى أين و ماذا ستعمل بهذه الحيتان العشرة.مر طفل عنده عربة صغيرة( جاري) قال يا عم: اشل معك.قلت له: شل.تحلق حولي سائقوا سيارات الأجرة. - إنجيز يا حاج. - بكم الى الشيخ عثمان؟ - بألف - لا ما عندي. قالوا خلاص أطلع في السيارة الهيلوكس مع صيادي الشيخ عثمان و أدفع 200 ريال.حملوا السمك على ظهر الهيلوكس و أعطيت الطفل 100 ريال و قالوا لي يا حاج لأن ثيابك نظيفة أطلع قدام.ركبت السيارة و ركب بجواري الشاب الذي كان يقف المحرج عنده في كل مرة.سألني: عندك فندق؟.قلت له: لا. عندك مطعم؟ قلت له لا.طيب فين رايح؟ قلت له حيث ستبيعون سمككم سأبيع سمكي.قال لي عندنا محلات.إنت شكلك معك فلوس تشتي تضيعه. قلت له الرزق على الله. و صلنا الشيخ عثمان و عند سوق الشيخ من الجهة الخلفية قلت لهم أنزلوني هنا.نزلت و أنزلت السمك و دفعت الأجرة.بحثت عن كراتين.وضعت السمك فوقها على الرصيف.كانت الساعة السابعة تقريبا.جاء إثنان من هيئتهما يبدوان من رجال شبوة. - من كم يا بوك؟ - 3000 - يا بوك شعنا لبى نوكل ما نبيع. عملت حسبة سريعة و أني سأستفيد عشرة ألف ريال.ربح مفيد دون اي عناء شديد. - ب 2500 وافقا و أخذا حوتا و دفعا عدا و نقدا ثم جاء آخر رآهما يدفعان المبلغ فأخذ واحدا و دفع مثلما دفعا. بقي ثمانية حيتان.مرت ساعة أخرى و الثانية و لم يلتفت لي أحد و الشمس بدأ لهيبها.إقترب مني رجل و قال لي: يا حاج الديرك عقله خفيف با يخيس عليك.أنصحك شله الى حراج صيرة و حرج به بأي مبلغ هناك.هنا الناس تشتري حيتان صغيرة لتشويها في المخبازة. أخذت سيارة أجرة ب 400 ريال و إنطلقت الى حراج صيرة.جئت و السوق ليس به سمكة واحدة و أول ما وصلت سألوني: من فين واجي؟ قلت لهم من شقرة و بدأوا يحرجوا: رسى الحراج على 2300.بعت و دفعت 6% رسوم للجمعية في السوق.حسبت و أني أستفدت 1400 ريال بعد خصم مصاريف النقل و ما دفعته للجمعية.1400 في ثلاث ساعات خير كثير.ثلاث سنوات و أنا معتكف في المسجد لم أكسب ريالا واحدا في يومي و لأثبت للعم رشاد أني وفي ذهبت اليه و سلمته ما عندي كاملا.قبل أنا أعود الى البيت مررت على السوق و أشتريت دجاجة و خضار و فاكهة و أعطيت اولادي مصاريف المدرسة لليوم التالي.أقول لكم هذه الدجاجة أطعم و ألذ دجاجة أكلتها في حياتي.بقيت أعد الساعات لعلها تنقضي و أعود ثانية الى السوق في اليوم التالي.نمت مبكرا نوما هادئا و صحوت لصلاة الفجر و على السوق و عم رشاد. غدا: اليوم الثاني في سوق حراج السمك بالدوكير.