رغم بشاعة ومأساوية الاحداث الدامية التي شهدتها مصر منذ قيام ثورة 25يناير وحتى الان ،وراح ضحيتها مئات الشهداء والاف الجرحى كحادثة استاد بور سعيد وماسبيرو وشارع محمد محمود و..، الا أن الحادثة الاخيرة التي وقعت امام مقر الحرس الجمهوري ، في اعتقادي ربما تكون الاخطر على امن واستقرار ومستقبل مصر لأسباب عديدة منها : 1-من غير المستبعد أن تكون الحادثة نقطة تحول في مسار الاحداث في مصر،وقد تدفع طرفي الازمة الحالية الى العنف والعنف المضاد ،فالجيش قد يتحرك وبدعم من القوى الشبابية واليسارية المؤيدة له لحظر حزب العدالة والحرية (الجناح السياسي للإخوان) واعتقال قيادات الجماعة ومنعهم من ممارسة العمل السياسي ،وليس واضحا بعد هل قرار النيابة العامة يوم 10/7 استدعاء مرشد الاخوان و12 اخرين من قيادة الجماعة مقدمة لذلك ام لا ؟
-طبعاً مقابل ذلك ستعود الجماعة الى العمل السري ،ويميل جزء كبير من انصارها الى التشدد والانضواء في الجماعات الارهابية المسلحة خاصة مع تلاشي السياسة المرنة التي تعاملت بها الجماعة مع النظام المصري طوال حكم مبارك منذ وصولها الى الحكم قبل أكثر من عام ،وكل ذلك يجعلنا امام سيناريو جزائري جديد تكون ارض الكنانة هى ساحته لاقدر الله .
2-اعتبار الجيش هو المسئول عن سقوط الضحايا في الحادثة الاخيرة ،وقبل ذلك وقوف قائده وراء عزل الرئيس مرسي ،قد يحوله في نظر الجماعات الاسلامية المتشددة الى كعدو اول لها ،وهو ما يجعل الجيش هدفاً مرجحاً لغالبية هجمات الجماعات الارهابية وبصورة مشابهة لوضع الجيش الباكستاني ،الذي يعاني من حالة استنزاف مستمرة منذ عدة سنوات جراء استهداف حركة طالبان باكستان والجماعات المتشددة الاخرى له .
-المهم أن حصول ذلك يثير القلق حول مدى تأثير ذلك على الجيش باعتباره المؤسسة المصرية الاهم ،التي استطاعت الحفاظ على تماسكها ،وينظر اليها غالبية المصريين كضامن لأمن واستقرار بلادهم.
3- خطورة الازمة الحالية تظهر بجلاء من خلال حدة الخطاب الاعلامي لطرفي الازمة ودرجة تأليب كل طرف لأنصاره ضد الطرف الاخر، اضافة الى عدم قدرة الجيش على لعب الدور الذي كان يؤمل منه كوسيط بين الأطراف المتصارعة كونه تحول الى طرف من اطراف هذه الأزمة
4- لاشك أن وقوع مثل هذه الاحداث الدامية في بلد يمر بفترة مخاض عصيبة ،يعاني فيها من حالة من عدم الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي،هو أمر متوقع ،لكن ذلك لايعني استبعاد فرضية وجود طرف ثالث وايادي مخابرات دولية تنشط حالياً على الساحة ،وتعمل على دفع الاوضاع في مصر نحو العنف والحرب الاهلية خاصة أن ارباك الوضع في مصر وحرف مسار ثورتها لاشك انه هدف استراتيجي للموساد الاسرائيلي واجهزة اخرى، لما قد يساهم ذلك في نشر وتعميم الفوضى في بقية دول المنطقة .
من يتحمل مسئولية الاحداث الدامية : -اولا الجيش : -لاشك أن الاحداث الدامية الاخيرة يتحمل مسؤوليتها الجيش بدرجة رئيسية كونه الى جانب اجهزة الامن المسئول عن امن المصريين وتوفير الحماية لهم ،لكن هناك اسباب أخرى ترجح تورطه في المجزرة ومن ذلك : 1- سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا(نحو 84 شهيد ومئات الجرحى من انصار جماعة الاخوان حسب نقابة الاطباء المصريين) يوحي بوجود نية مبيتة للقتل خاصة في حال صحة المعلومات بشأن سقوط غالبية الضحايا في عمليات قنص . 2-يثير الاستخدام المفرط للقوة الشكوك بتعمد الجيش اسقاط اكبر عدد من القتلى ،ويبدو أنه سعى لتحقيق عدة اهداف منها: أ-محاولة ارهاب وتخويف خصومه وفي مقدمتهم جماعة الاخوان ،والتأكيد لهم بعدم تساهله مع أي محاولات للنيل منه أو اضعاف دوره المحوري الذي يلعبه منذ الاطاحة بالنظام الملكي وحتى الوقت الراهن ،بمعنى أن الجيش مستعد للذهاب بعيدا في مواجهة القوى الاسلامية اذا ما استمرت في مساعيها لاحتكار السلطة . ب-محاولة تطويع الجماعة واجبارها على القبول بقواعد اللعبة الديمقراطية التي يضعها ويرسم حدودها الجيش كشرط لاستمرارها في المشهد السياسي، والا فان حظرها واعتقال قياداتها وملاحقة انصارها سيكون هو البديل . ج-يبدو أن الجيش وجد في اعتصام انصار الاخوان امام مقر الحرس الجمهوري فرصة سانحة لإرسال رسالة تحذيرية وبلهجة قوية وحازمة للإخوان بعدم التساهل مع أي اعتداء قد تتعرض له مقراته او افراده بل ورفض بقاء انصار الاخوان في اماكن اعتصامهم امام مقره وفي ميدان رابعة والاماكن الاخرى التي يتواجدون فيها منذ عزل مرسي، مستغلاً الحشود المليونية الضخمة التي خرجت ضد الاخوان، والموقف الدولي المتفهم لإجراءات عزل مرسي، و الايحاء بوجود ضوء اخضر شعبي ودولي لاستخدام اقصى درجات القوة ضد الجماعة في حال واصلوا التمسك بموقفهم.
د-ربما اراد الجيش من ايقاع هذا العدد الكبير من الضحايا في صفوف المعتصمين،دفع الجماعة الى العنف ،واتخاذ ذلك مبرر لحظرها.
ثانياً جماعة الاخوان :
الجماعة ليست بريئة مما حدث بل أن هناك من يحملها جزء كبير من المسئولية عن وقوع الاحداث الدامية امام مقر الحرس الجمهوري باعتبارها المستفيد الاول مما حدث ،فهناك شكوك في دفع القيادات المتشددة داخل الجماعة بعض المسلحين لاستفزاز جنود الحرس الجمهوري ومحاولة ايهامهم بوجود محاولات لاقتحام المقر ،وذلك لجر عناصر الحرس لاستخدام السلاح في مواجهة المعتصمين لإفشال محاولات الاقتحام المفترضة ،وما سيترتب عليه في الارجح من سقوط ضحايا مدنيين برصاص الجنود ،وذلك لتحقيق عدة اهداف منها:
1-الحرص على استمرار الظهور في صورة الضحية والطرف المظلوم في محاولة للحصول على تعاطف الرأي العام الداخلي والخارجي مع الاخوان لان سقوط ضحايا في صفوف المدنيين السلميين هى أكثر ما يثير الرأي العام الداخلي والخارجي والمنظمات الدولية المختلفة ،ويرجع السبب الى ادراك الاخوان أن اعمال العنف التي حدثت عقب كلمة المرشد محمد بديع وبالذات في القاهرة والاسكندرية وتفجير انبوب الغاز والهجمات الارهابية العديدة على النقاط الامنية في سيناء، والاعتقاد بتورط انصار وموالين للإخوان وراءها، قد حدت بقوة من موجة التعاطف داخل وخارج مصر مع الجماعة جراء الانقلاب الذي قام به الجيش ضد اول رئيس مصري منتخب ديمقراطياً.
2-السعي لإفشال الجهود الرامية لتشكيل حكومة ائتلافية وذلك بمحاولة تفكيك الائتلاف السياسي المؤيد للجيش ،ويبدو انها حققت بعض النجاح في ذلك عندما اعلن حزب النور السلفي انسحابه من مشاورات تشكيل الحكومة الائتلافية وتعليق حزب مصر القوية مشاوراته في خارطة الطريق.
3-السعي للتأثير على موقف الدول الغربية من الاحداث الجارية في مصر ،ويبدو أن الجماعة لم تكن تتوقع الموقف السلبي الذي اتخذته غالبية الدول الغربية ،التي تجنبت وصف ما قام به الجيش بالانقلاب،في حين تسابق القادة العرب بما فيهم امير قطر الجديد لتهنئة الرئيس المؤقت ،بل أن دول كالسعودية والامارات والكويت لم تخف فرحتها ودعمها لما حدث عبر مسارعتها في الاعلان عن تقديم مليارات الدولارات لدعم النظام الجديد.
4- محاولة ممارسة الضغط الشخصي على وزير الدفاع الفريق السيسي والانتقام منه باعتباره مهندس الانقلاب على مرسي ،وذلك من خلال اعتبار السيسي المسئول المباشر عن الضحايا الذين سقطوا برصاص جنود الحرس الجمهوري التابع لوزارة الدفاع بعكس الضحايا الذين سقطوا في مواجهات سابقة ،حيث كانت وزارة الداخلية هى من يتحمل المسئولية المباشرة.
5-اقناع القوى السياسية الاخرى والجيش باستحالة نجاح أي اجراءات وترتيبات سياسية لإدارة البلاد في الفترة المقبلة دون اشراك الجماعة فيها، اضافة الى اظهار نموذج من النتائج الكارثية التي قد تشهدها مصر في حال تجاوب الجيش مع دعوات حظر حزب العدالة والحرية الصادرة من قبل بعض القوى الشبابية كحركة تمرد مثلا .
6- حشد مزيد من انصار الجماعة او على الاقل ضمان استمرارهم في الساحات خلال شهر رمضان المبارك ، اضافة الى محاولة جذب فئات اخرى داخل المجتمع المصري الى صفهم وبالذات من انصار التيارات الاسلامية الاخرى من السلفيين والجماعة الاسلامية وغيرهم ،وقد بدأت الجماعة تقطف اولى الثمار الميدانية للحادث عبر تنظيم مليونية الشهيد.
7-محاولة احداث انقسام داخل الجيش وبصورة مشابهة للانقسام الذي حدث في الجيش اليمني عقب جمعة الكرامة ،التي كانت السبب الرئيسي الذي قصم ظهر نظام الرئيس السابق ،او على الاقل دفع قيادات عسكرية لرفض بقاء السيسي في منصبه .