عهد فاضل تعتمد فكرة الكاميرا الخفية على إظهار طبيعة الأشخاص، كما هي، دون تمهيد أو ترتيب. بحيث يظهر الإنسان كما هو، دون تعديلات تجميلية. والإفادة من المفاجأة تكون الضامن لظهور الطبيعة الأصلية لدى الشخص الذي وقع في «كمين» الكاميرا الخفية. وتتفاوت مفاجأة الأشخاص هنا أو هناك، فأحيانا تؤدي إلى الضحك، وأحيانا تؤدي إلى اكتساب معلومة نادرة، إنما، وللأسف، تؤدي في بعض الأحيان إلى تحويل الأشخاص إلى ضحايا بكل معنى الكلمة! والسؤال ليس إذا وافق الأشخاص على عرض الفيلم الذي ظهروا فيه كضحايا، بل السؤال: من يحق له تعريض حياة الأشخاص إلى مثل هذه التجارب الحادة والتي قد يؤدي بعضها إلى الموت؟ منذ أيام وقع المطرب المصري خالد عجاج في كمين محكم للفنان رامز جلال، ولولا تدخل العناية الإلهية لكان عجاج أصيب بجلطة قلبية.. فقد قام جلال بإيقاع عجاج في حيلة للكاميرا الخفية في إحدى مقابر الفرعونيين الأثرية، حيث تم إقفال الباب فجأة على عجاج، ومن ثم إطلاق الأفاعي والثعابين عليه، ثم بعد فتح الباب وهروب المطرب المسكين، وقع في المحظور الرهيب الذي لا يمكن لآدمي احتماله، وهو خروج مومياء فرعونية من قبرها وهجومها على عجاج الذي كان يصيح مستغيثا: قلبي سيتوقف.. قلبي سيتوقف! وكان بعد انكشاف الملعوب عاجزا عن النطق وواضعا يده على قلبه. ما هو الوجه القانوني الذي يسمح بتعريض الأشخاص لتجارب حادة قد تودي بهم إلى الموت؟ وفقط لأجل الحصول على لقطة نادرة لشخص يستغيث من شدة الخوف والرعب والمفاجأة؟ هنا، لا تصبح الكاميرا الخفية للتسلية والمتعة، بل تصبح شبيهة بتلفزيون الواقع الدامي الذي في كل الأحوال لا يمكن أن يشرعه القانون حتى ولو وافقت الضحية على عرض مضمون الفيلم. المشكلة ليست في موافقة الضحية على بث اللقطات التي صوِّرت، بل في ترويج مثل هذه «المقالب» على عامة الناس كما حصل في سوريا في أول التسعينات عندما قام أحدهم بلصق ورقة تنعى أحد الأشخاص على بوابة بيته، مما كاد أن يقضي على أبيه وأمه التي تم نقلها إلى المستشفى، حتى تدخل قسم الشرطة بعد الشكوى التي تقدم بها الأب ضد هذا اللاهي العابث، وفقط للحصول على ضحكات عبثية يمكن أن تؤدي إلى الموت! في عرْض سادي غريب يجعل الأولوية لمتعة الأنا وهي تتفرج على الآخر الذي يتلوى ويتألم ويتعذب. كانت الكاميرا الخفية تعتمد على مبدأ مفاجأة الأشخاص في موقف هم غير مستعدين أو مهيئين له، من مثل وضع ورقة نقدية على الأرض ثم سحبها كلما بادر أحدهم لالتقاطها، أو مثل إيهام الضحية في متجر ما بأنه قد كسر وحطَّم زجاجا غالي الثمن ومكتوبا عليه السعر: عشرين ألف دولار! أو مثل إيهام البعض بأنه موهوب على التمثيل فيطلب منه حمل سيف والتلويح به.. أو مثل مبادرة أحدهم للجلوس على طاولة الضحية في مطعم وقيام الشخص بتناول الطعام من طبق الضحية الحائرة في سبب هذا الهجوم الغذائي عليها. كل هذا كان من جماليات الكاميرا الخفية التي تظهر مكنونات الأشخاص عبر مواجهة غير محسوبة وغير قابلة للحدوث في الواقع الحقيقي، من مثل إقدام أحد على تناول الطعام من طبقنا. نحن حقيقة لا نعرف ما الذي يمكن أن نفعله في مواقف كهذه. إنما في تعريض حياة الأشخاص لمثل الخطورة التي أشرنا لها آنفا، فهو أمرٌ لهو عواقب خطيرة للغاية منها ترويج تعريض حياة الناس للخطر والذي قد يودي بحياتهم. الحكمة في الكاميرا الخفية، هي إظهار الدوافع الأصلية لدى الأشخاص، من دون عمليات تجميل أو استعداد يسهّل للشخص أن يتلون ويتحول بطلا أو نموذج تسامح مزوّرا. الكاميرا الخفية تقدر، بالفعل، في نواح كثيرة، على كشف أعماقنا الخفية وردود فعلنا من دون أن نستعد ونلوّن سلوكنا كي يتطابق مع الأخلاق العامة. كما من شأنها أن تظهر بعض القيم الجمالية المعتمدة في مكان ما، كما في الكاميرا الخفية التي يتقن مقالبها اللبناني سامي سليمان، حيث يقدم المفاجآت في حدود إنسانية عامة دون تعريض حياة الأشخاص للخطر. ومن أغرب المستخلصات التي خرجت في أحد مقالب سامي سليمان عندما دخل أحدهم إلى متجر لبيع أسماك الزينة، وطلب من صاحب المتجر أن يقلي له كمية ويشوي له كمية أخرى!! صبر البائع على مثل هذا الطلب، ثم شرح ل«المتآمرين» أن أسماك الزينة للزينة وليست للأكل. ثم عاد وكرر الزبون الطلب مغريا صاحب المتجر برفع السعر. مما دفع صاحب المتجر إلى طرد العصابة الخفية بعد أن حاول ضربهم جميعا. وربما يتبادر سؤال عن السبب الذي دفع بالبائع إلى طرد مثل هؤلاء الزبائن، وكان يمكن أن يكتفي بالرفض دون محاولة الضرب؟ السبب الوحيد، وهو من قيم الكاميرا الخفية، هو الإحساس الجمالي لدى البائع الذي منعه من بيع أسماك الزينة كطعام ومهما بلغ الثمن، لا بل إنه شعر بالإهانة فحاول ضرب الزبون «المتآمر». مباغتة الأشخاص دون تنبيه وإخضاعهم لتجارب ومفارقات نادرة، يخرج نوعا من المكبوتات والدوافع، ويصوِّر الإنسان طفلا أو ساذجا أو بريئا أو سطحيا أو عنيفا. عند هذا الحد تكون الكاميرا الخفية مكاشفة غير متعمدة ما بين الذات والواقع، ويكون الاختبار فحصا طارئا لبنية الأفعال المضمرة. إنما وبتعريض حياة الأشخاص للخطر، لا يكون الاختبار كاشفا للدوافع والبنية النفسية والعقلية لدى ضحايا المقالب، بل لدى منتجيها وممثليها في المقام الأول!