المتابع للحوار اليمني منذ انطلاقته في مارس الماضي قد يستغرب لهذا الحوار لأنه قد يدخل في موسوعة جينيس للأرقام القياسية فهو يعتبر أطول حوار في التاريخ على مر العصور يعقد بين فرفاء تنازعوا على السلطة والتوريث والثروة الجنوبية من النفط والغاز . هؤلاء الخصوم وهم ساسة وعساكر ومشايخ صنعاء من بيت الأحمر وقبيلة حاشد خصوصاً وكذلك رجال الدين الذين هم جاهزون بالمرصاد لإصدار الفتوى الدينية تقرباً للحاكم بإباحة الدماء وسفكها ، كل هؤلاء لا يهمهم من الوطنية إلا مصالحهم الشخصية ومصلحة القبيلة ولا من الوحدة إلا الغنائم .
دخلت دول الخليج على خط صنعاء بمبادرة ركيكة وضعها المخلوع صالح بشروطه ضد خصومه في الإصلاح وعيال الأحمر وعلي محسن وحملها الزياّني إلى دول المجلس الخليجي لإضفاء عليها طابع دولي والترويج لها على إن تتحمل هذه الدول التمويل للحوار على نفقاتها.
الإطراف المتخاصمة عندما أدركت إن هذا الحوار يدر عليها أموال طائلة ويهدّى الأوضاع نسبياً من الاقتتال وافقت ودخلت حوار عقيم بداء يناقش زواج القاصرات وحمل السلاح في العاصمة والمدُن الأخرى ، والمتحاورون يمكن لهم إن يمددوه سنوات طالما يجنون منه أموال طائلة .
القضية الرئيسية والعالقة في حوار الخصوم بصنعاء لم ينظر إليها احد وهي القضية الجنوبية التي برزت محلياً وعربياً ودولياً كقضية شعب ودولة وهوية وخرج الجنوبيين بالملايين بقضّهم وقضيضهم إلى الساحات مطالبين باستعادة دولتهم وكيانهم التي احتلت في 1994م وقدم أبناء الجنوب خيرة أبناءه قرابين للتحرير والاستقلال من الاحتلال الهمجي والمتخلف. فمنذ 2007م وحتى اليوم كانت الثورة السلمية الجنوبية من أقدم ثورات الربيع العربي ، لكن ما تسمى بالمبادرة الخليجية استثنت قضيتنا ولم تشر إليها لا من قريب ولا من بعيد مع الأسف الشديد ، فنحن شعب جذورنا ممتدة لأكثر من ثلاثة إلف عام على هذه الأرض التي نعيش عليها ، فنحن لسنا الهنود الحمر حتى يستأصلنا الغزاة الطامعين من أرضنا ، فنقول لأخوتنا في الخليج من العيب والعار إن تعتّموا على قضية عادلة ، قضية إخوتكم في الجنوب العربي التي تربطنا بكم رابطة الدم والنسب وتؤخذوا مبادرة شخص عاث في الأرض فساداً طيلة 33عاماً حتى خرج علية أبناء جلدته ليجبروه على ترك السلطة بالقوة .
مهرجان الحوار اليمني لم يعطي حلول لقضية الجنوب لسببين رئيسيين :
الأول : إن المتحاورين والقائمين على الحوار هم من الرموز التي غدرت بالوحدة واجتاحت الجنوب في صيف 1994م فكيف يدينوا أنفسهم وهم من كفّر الجنوبيون واستباحوا أرضهم ودمائهم ونهبوا أرضهم .
والثاني : الفراغ السياسي في الشمال في هذا الظرف فمن يحاور على فك الارتباط من جانب الشمال ؟ ، فالرئيس هادي ليس من حاشد حتى يكون له تفويض بمسألة الانفصال كما يزعمون ، لأن وسائل إعلام علي صالح تعتبر هادي لاجئ في الشمال ولا يحق له مثل هكذا قرارات سيادية . إنما القدر جاء به إلى سدة الحكم ليغطي فراغ الرئيس حتى يصطلحوا الرفقاء فيما بينهم ويستلموا الحكم من هادي بأثر رجعي . وكذلك الحال لرئيس الحكومة الذي يصنّفونه صومالي وليس يمني .
إذا الحوار سيطول والمخرجات ستكون غير مرضية ، حتى للمتصارعين أنفسهم غير مقتنعين بهذا الحوار الماراثوني والفاشل إلا الزلط الذي يجنونه من وراء هذا الحوار.