فصول مكتظة، مناهج قديمة ومبان متهالكة. في مصر تلجأ العائلات الميسورة والمتوسطة الحال إلى المدارس الخاصة هرباً من تدني مستوى التعليم الحكومي، الذي يعاني منذ عقود من إهمال الحكومات المتعاقبة. وفي مدرسة جابر الصباح الابتدائية الحكومية جنوبالقاهرة، يتكدس أكثر من تسعين طالباً في كل من فصولها الدراسية صغيرة الحجم، التي لا تستوعب أكثر من أربعين تلميذاً كحد أقصى. ويجلس أكثر من خمسة تلاميذ على مقعد من المفترض أن يسع ثلاثة بالكاد. ويأسف حنا أحمد وهو مدرس رياضيات في إحدى المدارس الحكومية، لأنه "لا يستطيع أن يعطي الاهتمام اللازم لكل تلميذ، بسبب كثرة عددهم في الفصل الواحد"، ويضيف: "إننا نعمل في ظروف بالغة الصعوبة". وبسبب هذه الأوضاع، احتلت مصر المرتبة الأخيرة في تقرير التنافسية العالمية للتعليم الأساسي، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي هذا العام، وهو ما اعتبره مسؤولون حكوميون أمراً مجحفاً، رغم اعترافهم بعدم رضاهم عن سوء مستوى التعليم المقدم، والذي برروه بضعف الإمكانيات. ووضع التقرير مصر في المركز ال 148 والأخير. وعقب صدور التقرير، أقر وزير التعليم المصري محمود أبو النصر أن "هناك حالة عدم رضا مجتمعي من سوء مستوى التعليم في مصر"، لكنه قال في مقابلة مع فرانس برس، إن "هدفاً من الأهداف الرئيسية للحكومة الانتقالية هو الاهتمام بالتعليم"، وأضاف إن "هناك خطة استراتيجية لتطوير التعليم، هدفها أساساً جودة التعليم". وقد عانى التعليم في مصر، على مر السنين، من مشكلتين رئيستين تزايدتا ترسخاً في البلاد: البيروقراطية والفساد. وأصبح النظام التعليمي ضحية القرارات المركزية والمناهج القديمة المتخلفة، إضافة إلى تدني مستوى تأهيل المعلمين وضعف رواتبهم. وأصبح التلقين والحفظ عن ظهر قلب، هو القاعدة الأساسية بدلاً من التفكير النقدي، ونسبة النجاح في الامتحانات تحددها الحكومة ولا تأتي تعبيراً عن النسبة الحقيقة للنجاح، بحسب المعلمين. وتقول حنان عطا، وهي أم لطالبين في المرحلة الثانوية في مدرسة حكومية: "عندما بدأت تعليم أبنائي قبل عشر سنوات كان مستوى التعليم الحكومي أفضل، أما الآن فالوضع سيء جداً، أحاول تعويض الفارق بالدروس الخصوصية". وتؤكد عطا أنها تنفق ألفي جنيه مصري شهرياً (نحو 290 دولار) على الدروس الخصوصية في مختلف المواد الدراسية، وتشدد على انه "عبء هائل على ميزانية المنزل، ولكن ليس لدي خيار، فأنا أريد لأبنائي أن يتعلموا". ويضطر المدرسون إلى تعويض ضعف رواتبهم من خلال الدروس الخصوصية، ما يفقدهم الحافز والهمة للعمل في مدارسهم. وبفعل هذه العوامل مجتمعة، تضاعف عدد المدارس الخاصة، وتلك التي تدرس المناهج الدولية خلال العقود الثلاثة لحكم حسني مبارك، ما أدى إلى تعميق الفجوة بين الميسورين والفقراء في مصر، في مجال التعليم وبالتالي في فرص العمل. وتنفق الأسر المصرية 16,7% من إجمالي إنفاقها السنوي على التعليم، وتشكل الدروس الخصوصية 42% من إجمالي إنفاق الأسر المصرية على التعليم. وتخصص مصر للتعليم 82.5 بليون جنيه (نحو 11,9 بليون دولار) من ميزانيتها، البالغة 364 بليون جنيه (نحو 52,7 بليون دولار)، ما يمثل 11,9% من حجم مصروفات الموازنة العامة أو 4% من إجمالي الناتج الداخلي، وفقاً للميزانية العامة لعام 2013/2014. وأوضح الباحث الاقتصادي محمود كمال لفرانس برس، أن "الميزانية المخصصة للتعليم أقل من المخصصات المالية لشئون الدفاع والأمن والأموال المخصصة لدعم الطاقة". ويعتقد الخبراء أن "المشكلة أعمق بكثير من مجرد نقص الإمكانيات". وبات النظام التعليمي أكثر قدماً وتخلفاً عن العصر، خصوصاً مع استخدام المصريين الواسع لتكنولوجيا الهواتف النقالة والإنترنت، وقالت داليا هاشم، وهي أم لتلميذين يدرسان في مدارس خاصة، إن "الجيل الحالي هو جيل الهاتف النقال والإنترنت والآي باد، وهو مطلع على ما يجري في العالم أكثر بكثير مما كنا نحن في مثل عمرهم". أما خارج العاصمة فالوضع أسوأ. يقول هشام محمد، وهو مدرس رياضيات في محافظة دمياط (شمال الدلتا)، إن "بعض الكتب لم تصل إلينا رغم أننا في منتصف العام الدراسي"، وتساءل "كيف أشرح للطلاب منهجاً دراسياً في غياب الكتاب المدرسي؟".