شكى لي الكثير طول مقالاتي -أقل من ورقة- وهم لايعلمون أنِّي أقرأ في المتوسط 500 ورقة حتى أكتب تلك الورقة .. ولهذا السبب أصبح من الأفضل وضع خلاصة المقال في أوله حرصاً على وقت القارئ .. وعليه ؛ فخلاصة هذا المقال تقول ؛ إننا شعب غارق في مستنقع الكلام الكثير جداً "يُضلل العقل ولاينوره" مقالات ركيكة كركة كاتبيها ،، بيانات ساقطة كسقوط مصدريها .. حتى أصبحنا نمشي ورائهم بلاخطة -في المجهول- وهذا هو سبب ضعف الهبَّة الحضرمية في عدن ونجاحها في حضرموت .. فإذا لم ندرك -المحافظات الخمس- حضرموت في هبَّتها وننجز كما انجزوا لبناء دولة حضرموت الاتحادية التي يعدنا بها الحضارم فلن ينتظرونا ؟؟ انتهت الخلاصة يقول المفكر العربي حسنين هيكل في كتاب أصدره في منتصف الثمانينات (إن الكلام زاد حتى فقد مصداقيته . وابتذل الحرف وامتهنت حرمة الكلمة . ولم يعد هناك من هو مستعد للسماع من غيره قولاً مرسلاً على عواهنه بغير دليل مهما كان القائل وأياً كان موقعه . فلقد ظهر أن الكبار الكبار يكذبون) ولذلك سنحاول نقل تجارب الآخرين كسند مصداقية على مانقول ولن نطلق الكلام على عواهنه .
وقف روبليس رئيس الحزب الكاثوليكي الاسباني خطيباً منتصف الثلاثينات في الكورتيزا -البرلمان الأسباني- وقال (دعونا لانخدع أنفسنا ؛ إنَّ أي بلد يستطيع العيش في ظل نظام ملكي أو جمهوري . في ظل نظام برلماني أو رئاسي . في ظل نظام شيوعي أو فاشستي . لكن أي بلد لن يستطيع العيش تحت الفوضى . إنَّنا نسير في جنازة الديمقراطية)
لو كان روبليس جنوبياً يعيش بيننا اليوم ماذا سيقول عندما يسمع كلام الدكتور ياسين نعمان (دخل الحزب الاشتراكي الحراك للحفاظ على الوحدة) ورأى الفوضى الشاملة ، والدور الكبير للقيادة الجنوبية الحالية –بقايا الحزب- في سقوط الجنوب في الهاوية .. وملايين الشعارات والبيانات والقصائد ؟؟
أيُّها الشعب ؛ لا تخدع نفسك فأنت الشعب الوحيد في القرن الواحد والعشرين الذي يعتبر الكلام والشعارات الفارغة مقياس الوطنية .. فمن السهل أن ينضم طالب في الجامعة إلى الحراك ويزايد على الآخرين بالشعارات ليصبح في الصف الأول ، أو يكتب شاعر قصيدة ركيكة ونصفها مسروق ليصير شريك بالقرار .. أي أننا شعب لايوجد فيه طبقات للسياسيين ..
ما هكذا تقاس الوطنية أيُّها الناس . ففي كل بلاد العالم طبقات سياسية ومقياس الترقِّي فيها هو العمل -الفعل والفاعلية- والوطنية لاتقاس بالكلام والبيانات الرنَّانة والشعارات الساخنة .. يقول المفكر العربي الدكتور طارق حجي : كان مفهوم الوطنية في عشرينات القرن الماضي مختلف بين الأحزاب ،، (فالوطنية في مفهوم حزب الأمَّة تعني العمل الداؤوب على انهاض الأمَّة وتطوير أبنائها ومكانتها وقدراتها على أن يكون هذا التطوير هو العمل الوطني وليس كبريات الشعارات) .. وكان مفهوم الأحرار الدستوريين (ضرورة زيادة التعليم والتثقيف ورفع مستوى وكفاءة المصريين دون الانشغال في المرحلة الأولى بالمطالب الوطنية الكبرى) ..
ياترى لو قائل قائلٌ منَّا "بناء الإنسان مقدَّمٌ على الاستقلال .. فبناء الإنسان غاية وهدف والاستقلال وسيلة لضمان الحياة الكريمة للأجيال القادمة .. والوطنية فعلٌ ملموس يتحدث كل لغات الكون والشعارات لغة الانتهازيين ينقاد لها الأغبياء" ماذا يكون رد فعل الناس على هذا الكلام؟؟؟ إنَّ الألمان لم ينتجوا أغنية وطنية واحدة خلال خمسين سنة تتحدث عن المانيا ، فالوطنية بالنسبة لهم هي العمل ، ونتائج عملهم سوف تتحدث عن عظمة المانيا فالمرسيدس أحد الشعارات الالمانية تتحدث في كل أنحاء العالم عن عظمة المانيا .. واليابانيون يعتبرون الوطنية عمل وكثافة إنتاج يغطي العالم , وقد فعلوا ذلك ..
وعليه فقد انتهى وقت البيانات والقصائد والشعارات والكلام الكثير ، انتهى ، انتهى ، انتهى .. فالوقت وقت عمل مخطط ومنظم .. انظروا إلى حضرموت بمجرد قطع الاتصالات تم توزيع 500 تلفون ثريا (قيمتها أكثر من مليون ريال سعودي) مايعني وجود خطة مسبقة .. ادرسوا ترتيب عملية السيطرة ؛ كانت البداية بنقاط التفتيش , ثم أقسام الشرطة , ثم الإذاعة ثم ............ إلى آخره .. يعني عملية مخطط لها ..
وقد عرضت ماعرفته من الأحداث على ضابط مصري -لواء- متقاعد ، قال : هذه الأحداث تدل على خطة مرسومة .. فقلت له : هل تكفي خمسة أيام لوضعها؟؟ قال : قل خمسة أشهر فدراسة حجم الخسائر البشرية وكيفية انقاصها تحتاج لثلاثة أشهر وأنت تقول لي شهيدين وأقل من عشر اصابات في حضرموت يعني لاتوجد خسائر مقابل ماتم من انجاز .. حينها أدركت العبقرية الحضرمية -خطة في خمسة أيام- التي تجاوزت عقل الخبير العسكري ..
تنويه ؛ اتمنى أن لا يُفهم من كلامي غير ما أردته ، فيقول قائل [أنت تُلمِّح إلى أنَّ القوى المسيطرة في حضرموت -الغير معروفة حتى الآن- ليست من الحراك الجنوبي وقد خطَّطت ونظَّمت ودبَّرت منذ زمن طويل واستغلت بقاء المحافظات الجنوبية الأخرى في الفوضى لفرض أمر واقع خارج الاجماع الجنوبي] وهذا الكلام لم أقله ولا أعنيه ..
يقول موشي ديَّان في مذكراته : (سألني بن جوريون عن معركة اللد -20يوليو 1948- وبعد أن رويتها له ، قال : ولكن هذه لم تكن حرباً بل كانت عمليات حرب عصابات ، فنظرية بن جوريون لحرب بناء الدولة يجب ان تكون عملاً مخططاً ومنظماً تجري جريان النهر) .. وقناعتي الشخصية أن ما حدث في حضرموت كان عملية جريان النهر -مخطط لها- وماحدث في مناطق أخرى كان حرب عصابات -مع الخيل ياشقراء-
تنويه خارج الموضوع :- لمن لايعرف شقراء في المثل الذي اوردناه فهي ليست خيل ولاخيلة بل كانت "بقرة" كلما رأت خيل مولاها تنطلق في البيداء كانت تلحق بهم ,, ومولاها يناديها يا"شقراء أنتي بقرة ارجعي أنا راضي عليش فلن تدركي الخيل" وكانت شقراء عاصية لاتسمع كلام مولاها ،، فأصبح مولاها عندما يراها تنطلق خلف الخيول يقول لها "مع الخيل ياشقراء" وهو يعلم أنَّ شقراء سيأكلها الذئب يوماً من الأيام ولن تدرك الخيل ..
في الختام أقول : إذا لم نجد مايفيد عقول الناس فلاداعي للكتابة ، فالديباجات المنمَّقة قد تربك المواطن .. وإذا كان الصدق يغضب الناس ، فالكذب يدميهم ويقتل القضية الجنوبية وهم لايشعرون .. وأكرر تنويهي مرة أخرى ؛ لا يُفهم من كلامي وجود خطة حضرمية مسبقة .. فلا أعني ذلك .. وكلما أعنيه وجود كفاءة عالية .. ولايُفهم من كلامي أن القيادات الجنوبية في المناطق الأخرى هي المقصودة بقصة البقرة شقراء .. فهذا لا اعنيه ..
ولا اكذب إذا قلت إنني لا أشعر بالغضب أو الحزن مما وصلنا إليه ، فغضبي وحزني وبكائي ونواحي لأننا فعلنا بأنفسنا ماجعلنا نستحق هذا الحال المزري .. عطَّلنا عقولنا عن التفكير ، وحرمنا مرؤتنا من قول الحق ، فأوشكنا على قتل القضية الجنوبية وها نحن نسير في جنازتها فعظم الله أجركم ..