الفاشي يلعقُ خنجرهُ بعد المذبحة، ثم يكذب، ولا فروق بين فاشيات العصر وطرق القتل، والقُبح على أشكاله قُبح، سوى ان هناك علامة فاصلة وهي ان الفاشي (البلدي) يكذب أكثر دون ان يفكر ان للناس عقول . يغمدُ خنجره من التعب وما زالت حمّى الوحشية تتحفَّزُ في شريانه ولن تهمد ابداً فهو يعلم ان كل من في السلطة وخارجها لا يتجاوزون حدود التصريح والتعليل وفي أعلى قفزة لهم، حدود التحقيق النمطي، بل انه يحفظ مسبقاً ما سيقولونه وما عليه ان يفعل، وهو يعلم أيضاً ان الله منَّ على الشعب بنعمة النسيان فلن ينعطف الأسبوع حتى ينشغل بتداعيات اخرى. الكذب موجع اكثر من القتل وصداه مقزز كالفضيحة، تقدمه المواقع الممتهِنة ، كفاحشة إعلامية مكتملة الأركان، الى مجتمع اصبح فيه الكذب كزاد المساجين يتناوله لانه لا بديل عنه، والكذب هو الحاضنة لضمائر السفاحين وركن أصيل في بنيان المأساة . ان السمة الرئيسة للفاشية ( بعيداً عن تعريفها التاريخي السياسي الملتزم ) بنسختها العربية المسلمة لا تختلف في منحاها ووسائلها عن سابقاتها في العالم فهي تضع أهدافاً مقدسة وتسعى الى تحقيقها بكل وسائل الرذيلة، الإبادة والرعب وكل شيء يقاس على هذا، والنتيجة دوماً هي سيادة القتل وسقوط الأخلاق . ضع شيئاً مقدساً سماوياً ثم احرق ثلثي البشر لتحقيقه . أو ضع شيئاً لا سماوياً وامنحه قدسية كأن تستشهد من اجله بشيء من الدين او ردد على مسامع الناس بانه قدَرٌ ومصيرٌ حتى يصبح جزء من وجودهم، ثم اقتل ما استطعت من الشعب على طريق التمسك به. هذا جوهر السؤال ! فالقتل في الجنوب متوجاً بمذبحة الضالع يأتي في سياق الحفاظ على المقدَّس ، الوحدة ، والوحدة كما يرونها علماءُ الدين في اليمن بانها جزء من الإيمان بالخالق لذلك فدرء المفسدة الكبرى لا يهم معها نوع الثمن وحجمه حتى لو وضعوا الجنوب في أفران أوشفيتز وبركناو النازية، وكم تموت الشعوب اليوم من اجل درء المفسدة ولا اعلم اي مفسدة أشدّ من القتل والإبادة الجماعية. والوحدة كما يراها الوحدويون (الوطنيون الاصوليون) في اليمن قضية قدَرٍ ومصيرٍ ولا يهم معه ان يدفع الجنوب اي ثمن لان الدولة الواحدة يجب الحفاظ عليها فهي فوق إنسانية الناس وخياراتهم، وهي (هِيْلينهم) الحسناء التي سيحرقون طروادة لأجلها .. وفي المقابل لا احد منهم يستطيع ان يقول لك اين هي الدولة أصلاً . والوحدة لمراكز القوى ولناهبي الأوطان والسلطان ذريعة للسيادة والهيمنة المطلقة، هي قضية اتساع للحكم والقوة والثروة لا غير . والثالوث هذا مجتمعاً تقود مثالياتُه المرعبة الى نتيجةٍ واحدة، وهي ترك الفاشي يلعق قطرات الدم العالقة على خنجره لتسري في عروقه نشوة غريزته المريضة عند كل مذبحة ليستعد لما بعدها في متوالية رعب تبدو للمراقب انها أصبحت لا نهائية. الوحدة هي اكثر شيء مات على الارض ولا مسيح سيحيي الموتى، ولا ساسة باستطاعتهم ان يدلّوا الناس عن وجودها، هي موجودة في الاخبار والبيانات السياسية وفوهات المدافع ، وما عدا ذلك هناك قاتل وضحية وبينهما شيء واحد مشترك هو الموت اليومي فإنْ كانت لديهم كيمياء الفراعنة لتخليد الجثامين فليضعونها في هرَمٍ أو كهفٍ او قفصٍ ليعبدونها وذلك شأنهم. وجوه القتلة مؤلمة اكثر من الخناجر ولعل طعم البواريد اكثر نعومة من ترديد أسمائهم او قراءتها فقد ياتوننا بلِحَى المفتي المدجج بالبسملة والتعويذات والصلاة على النبي، او على دبابة ضبعان وهي اشد وضوح لا تحتاج لسان او بيان ، او بخطاب بهي (الطلَّة) ناعم الملْمَسِ، مطرز بمفردات إفرنجية تشير الى عمق الهوى (الهَوَس) السياسي . النتيجة واحدة ومكتملة كما رأيناها في حضرموت وفي مدرسة سناح وفي أماكن كثيرة. شهداء رحلوا من كل بقاع الجنوب، كثرت أسماؤهم واختلفت أعمارهم وطريقة قتلهم، والآن يرحلون، وسيرحلون غداً، وستستمر الدبابات والمدافع في حصد الأرواح، والمذابح تصبح يوميات جنوبية، وحروف الصحافة تحمرُّ من الكذب والتلفيق، والمراسلون لا تنقصهم كليشيهات الفبركة وقولبة المشهد بنبرة متوازنة او بحبر مخفَّف .. سيرحلون كل مرة ولن يتعبوا قبل ان يتعب القتلة وترعبهم الدماء التي تسيل ويرتعدون من ضحاياهم ويرتعدون من ذكرياتهم .