لا شريعة ولا شرعية للسعودية والإمارات في اليمن    افتتاح 19 مشروع مياه تعمل بالطاقة الشمسية في الحديدة    أكدوا على إذكاء روح الجهاد وإعلان التعبئة لمواجهة قوى الطاغوت..علماء اليمن يهدرون دم كل من يسيء للقرآن الكريم    وقفة خاصة    وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن "26"    إدانة محلية وأممية لنزعة «بن غفير» الإجرامية    غزة هاشم وظلم ذوي القربى    المؤتمر العلمي الثامن للمركز العسكري للقلب.. نجاح كبير وتميز منقطع النظير    خلال مراسم تشييع جثمان الصحفي الأميري.. المشيعون: الإعلام اليمني فقد أحد الأقلام الحرة التي حملت هموم الوطن    بهويته الإيمانية.. شعب الحكمة والإيمان ينتصر للقرآن    مرض الفشل الكلوي (33)    دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة تنعي الصحفي عبدالقوي الأميري    نقابة الصحفيين اليمنيين تنعى الصحفي عبدالقوي الأميري    فرنسا تجدد عمها لوحدة اليمن وسلامة أراضيه    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يلتقي ملاك وممثلي معامل الدباغة ومصانع الجلديات    شكاوى من مماطلة حوثية بتنفيذ حكم الإعدام بحق مدان قتل ثلاثة أطفال    توجيه رئاسي باتخاذ إجراءات قانونية ضد تجاوزات عدد من المسؤولين    برشلونة يبتعد بقمة الليجا ب 46 نقطة بعد إسقاط فياريال بثنائية    حين يتكلم الشارع الجنوبي... لحظة الحسم السياسي واستعادة الدولة    اتحاد حضرموت يتصدر تجمع سيئون بعد تغلبه على 22 مايو في دوري الدرجة الثانية    وزارة المالية تعلن إطلاق تعزيزات مرتبات موظفي القطاعين المدني والعسكري    تدشين البطولة المفتوحة للرماية للسيدات والناشئات بصنعاء    السقطري يترأس اجتماعًا موسعًا لقيادات وزارة الزراعة والثروة السمكية ويشيد بدور القوات الجنوبية في تأمين المنافذ ومكافحة التهريب والإرهاب    محافظ الحديدة يفتتح 19 مشروع مياه في مركز المحافظة ب 81.2 مليون ريال    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يُعزي في وفاة التربوي القدير الأستاذ غازي عباس عبود    محافظ عدن يوقّع اتفاقية بناء الدور الرابع بكلية طب الأسنان – جامعة عدن    البنك المركزي يوقف التعامل مع منشأة صرافة ويعيد التعامل مع أخرى    الأرصاد: انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة وتوقعات بتشكل الصقيع    تقرير أممي: ثلث الأسر اليمنية تعيش حرمانًا غذائيًا حادًا    المهرة.. مقتل امرأة وطفلين في انفجار قنبلة يدوية داخل منزل    مع ضغط النزوح من حضرموت.. دعوات رسمية إلى سرعة الاستجابة لاحتياجات النازحين بمأرب    اللجنة الوطنية للمرأة بصنعاء تكرّم باحثات "سيرة الزهراء" وتُدين الإساءة الأمريكية للقرآن الكريم    هالاند يحطم رقم كرستيانو رونالدو    اليوم انطلاق كأس أمم أفريقيا    شرطة أمانة العاصمة تعلن ضبط 5 متهمين آخرين في حادثة قتل رجل وزوجته بشارع خولان    الصحفي والقيادي الاعلامي الكبير الدكتور عبدالحفيظ النهاري    الصحفي والقيادي الاعلامي الكبير الدكتور عبدالحفيظ النهاري    بمقطع فيديو مسرب له ولشقيقاته.. عبدالكريم الشيباني ووزارة الاقتصاد والصناعة والاستثمار في ورطة..!    وفاة الصحفي الاميري بعد معاناة طويلة مع المرض    تحذيرات جوية من انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة    الحديدة: انطلاق مشروع المساعدات النقدية لأكثر من 60 ألف أسرة محتاجة    الجرح الذي يضيء    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    معلومات حول الجلطات في الشتاء وطرق الوقاية    عاجل: إعلان أمريكي مرتقب يضع الإخوان المسلمين على حافة التصنيف الإرهابي    ميرسك تعبر البحر الأحمر لأول مرة منذ عامين وتدرس عودة تدريجية    مهرجان ثقافي في الجزائر يبرز غنى الموسيقى الجنوبية    الموسيقى الحية تخفف توتر حديثي الولادة داخل العناية المركزة    "المحرّمي" يُعزِّي في وفاة السفير محمد عبدالرحمن العبادي    بالتزامن مع زيادة الضحايا.. مليشيا الحوثي تخفي لقاحات "داء الكلب" من مخازن الصحة بإب    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    انعقاد الاجتماع الفني لبطولة مديريات محافظة تعز - 2026 برعاية بنك الكريمي    المغرب يتوج بطلاً لكأس العرب بانتصاره المثير على منتخب الاردن    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    اتحاد كرة القدم يعلن استكمال تحضيراته لانطلاق دوري الدرجة الثانية    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    بدعم سعودي.. مشروع الاستجابة العاجلة لمكافحة الكوليرا يقدم خدماته ل 7,815 شخصا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معضلة تزويج القاصرات والتحايل على القانون
نشر في عدن الغد يوم 13 - 03 - 2012

قضية زواج القاصرات التي طفت على السطح مؤخراً، وتناقلتها وسائل الإعلام، قضية مؤلمة، سببها الظروف الاقتصادية والاجتماعية والعادات المهترئة. شهد المغرب مؤخرا جدلا كبيرا حول معضلة تزويج القاصرات بعد التقارير التي نشرت حول مخالفة زواج القاصرات لقانون الأسرة الذي يمنع زواج الفتيات اللائي يبلغن أقل من 18 سنة.
هذه الظاهرة متفشية في مختلف البلدان العربية والإسلامية. ففي السعودية قرأنا عن قضية الطفلة "بريدة" التي زوجت من مسن ثمانيني وعمرها لا يتجاوز 12 سنة. وفي مصر كشفت وزيرة الدولة للأسرة والسكان سابقا السيدة مشيرة خطاب عن دراسة حديثة أجريت على 3 مراكز بمحافظة 6 أكتوبر أظهرت أن نسبة زواج القاصرات بهذه المراكز بلغ 74 بالمائة، مقابل مبالغ مالية.
وهذه عائلة سعودية تستنجد بجمعية حقوق الإنسان بعدما قرر والدهم تزويج أختهم والتي تبلغ الحادية عشرة من عمرها من رجل أربعيني متزوج. وهذه "رشا" باعها والدها وهي طفلة في العاشرة كزوجة رابعة لرجل "ثمانيني" .
في العام 2008، هربت الطفلة اليمنية "نجود علي" البالغة من العمر ثماني سنوات من بيت زوجها، 42 عاما، في أحد أرياف اليمن وسافرت بمفردها إلى العاصمة صنعاء في سيارة أجرة، حيث ذهبت إلى المحكمة تطلب من القاضي تطليقها من زوجها، وهو ما حصلت عليه بالفعل وألغي الزواج.
وبعد سنتين على مرور تلك الحادثة، ما زالت قضية زواج القاصرات تثير جدلاً في اليمن. وقد أدى إدراج مشروع قانون يحدد سن زواج الفتيات عند ال17 عاماً إلى إثارة جدل سياسي وديني.
وفي المغرب صرح الشيخ محمد المغراوي، أحد رموز السلفية بالمغرب، أنه يجوز الزواج بقاصر ولو كان عمرها لا يتعدى 9 سنوات، وخلف هذا التصريح الدنيء ضجة المجتمع المدني، وقرر محامون وحقوقيون رفع دعوى ضد هذا الشيخ.
هذه القصص وغيرها هزت وسائل الإعلام، وجميعها تحمل عنوان "زواج القاصرات"، والذي لم يعد مجرد ظاهرة عادية بل انتشر في جميع الدول العربية والإسلامية.
ونسمع عن قصص خيالية تتعلق بالتجارة في الإناث، بمن لا تزيد أعمارهن عن 13 – 15 عاما، لتصنع في مجتمعاتنا معاناة صامتة وسكوت عن هذه الكارثة الاجتماعية، وهذا شكل مخجل لتخلفنا وظلمنا واستبدادنا،وتجسيد صريح لمجتمعنا الأبوي الذكوري المفتري.
أولئك الذين يتاجرون ببناتهم باسم الولاية والوصاية والسترة، ما هم في الواقع إلا مجرمون اجتماعيون يستغلون سلطتهم من أجل الربح السريع.
ويمكن للباحث طرح مجموعة من الأسئلة حول زواج القاصرات: هل تحكمه سيادة التقاليد والأعراف، أم أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية هي التي تعصف بمصير فتيات بريئات؟ كيف تتم عملية تزويج القاصرات وما هي العوامل والأسباب التي تبرر هذا النوع من الزواج؟
وما هي المخلفات النفسية والجسدية التي يسببها الزواج المبكر؟ هل يمكن أن تصبح الزوجة القاصر أما قادرة على تحمل مسؤولية الأمومة بشكل جيد؟ وهل القوانين وحدها كافية للقضاء على هذه الآفة الاجتماعية؟ هذه أسئلة سنناقشها في هذا المقال.
الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لزواج القاصرات
هناك أسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية تساعد على تفشي هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة. يعتبر زواج القاصرات بالمغرب من الظواهر التي تندرج في إطار الثقافة الشعبية. ومن أشكال هذه الثقافة التقاليد البالية التي تفيد أنه يجب على الفتيات أن يقبلن بأول زوج يطلب أيديهن، حتى لا ينعتن بالعوانس. ذلك أن ضياع هذه الفرصة يقود إلى تهميش الفتاة اجتماعيا وإخضاعها للسلطة الأبوية التي تتداخل فيها طقوس شعبية ومفاهيم غيبية مثل: السعد/ السر المدفون/ السترة/الشرف، إلخ، وهي معتقدات تحظى بالقبول على مستوى المتخيّل الجمعيّ، لكنها تزيد من عزلة الفتاة ومن تحقير نفسيتها.
وهناك عدد من العائلات تتحايل على القانون وتخرقه من أجل تزويج قاصرات، لأنها تخاف من الرذيلة والفساد والضياع حفاظا على عرض وشرف العائلة، غير أنه أحيانا ما ينتهي هذا النوع من الزواج بالطلاق بطفل أو اثنين.
و يتم تشكيل البنية الذهنية والنفسية للفتاة وفق تربية أسرية واجتماعية تقليدية تحطم حب الأنا عندها وتقتل رغبتها في معارضة الرأي الآخر، إذ لا يحق لها التعبير عن مشاعرها وما يخالج صدرها من رغبات، ذلك أن المعتقدات الثقافية المتحجرة تشجع الفتاة على الطاعة والاحترام للأعراف والتقاليد. ولهذا لا غرابة في وجود حالات عديدة من زواج القاصرات بأزواج مسنين.
أما الأسباب الأخرى فتتعلق بالفقر والحاجة. حسب الإحصائيات الرسمية الأخيرة توجد 700 ألف أسر مغربية على عتبة الفقر ولاسيما في العالم القروي. وقد أحرز المغرب تقدُّماً لافتاً في محاربة الفقر خلال العقد المنصرم ساهمت فيه كل من الجهات الحكومية وغير الحكومية على حدّ سواء. وذكرت المندوبية السامية للتخطيط أن نسبة الفقر سجلت تراجعاً في البلاد، إذ انتقلت من نسبة 3.15% عام 2001 إلى 14.2 % عام 2004، ثم نزلت النسبة إلى مستوى أقل 8.9 %، عام 2007.
لكن تجربة المغرب لها محدوديتها الخاصة نظرا لاتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء على الرغم من الجهود المبذولة للحدّ من الفقر. لهذا السبب، ينبغي وضع سياسات عامّة أكثر ملاءمة لإعادة توزيع الدخل وأفضل استهدافاً للفقراء والشرائح الأكثر ضعفاً في المجتمع المغربي.
كما يعد الجهل أحد الأسباب الأساسية لتفشي ظاهرة زواج القاصرات. تفيد نتائج الإحصاء العام للسكان لسنة 2004 أن نسبة أمية المغاربة الذين تصل أعمارهم 10 سنوات فما فوق قد ناهزت43 في المائة. في حين يصل عدد الأميين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة 10 ملايين شخصا ثلثهم من النساء، وهو ما يعادل 65 في المائة من النساء أغلبهن في البوادي والمناطق النائية.
ورغم تبني الحكومة لاستراتيجية وطنية ناجعة لمحو الأمية، إلا أن النتائج تبدو متواضعة في هذا الشأن ودون طموح بلوغ الأهداف المسطرة والمتمثلة في تقليص النسبة العامة للأمية إلى أقل من 20 في المائة في أفق 2012 و المحو شبه التام للأمية في أفق 2015 . ومؤخرا وعد رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران بالقضاء على هذه الآفة بصفة نهائية مع حلول سنة 2020. أول ضحايا الهدر المدرسي بالمغرب هم الفتيات بنسبة 58.4% وأطفال البادية بنسبة 80%، و40% من الأطفال المغادرين يحترفون الآن مهنا مختلفة.
ومن المشاكل التي تحول دون تطبيق المدونة الفهم الخاطئ للدين عند العامة، مما يعرض الفتاة للظلم والقهر والتعنيف ويجردها من كل حقوقها بدعوى الحفاظ على التقاليد والأعراف البالية.
ويستند الذين يعارضون السن القانوني للزواج إلى مقولة أن الإسلام لم يحدد سنا معينا للزواج، غير أن الأصل في الإسلام هي المقاصد وليست الألفاظ. ويستغلون سلطة الولي كما في الحديث الشريف "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"، رغم أن هذا الحديث ينص أن الولي لا يلزم ابنته أن تتزوج من رجل لا ترغب فيه، لأن الرسول (ص) اعتبر موافقة المرأة على الزواج وعلى المهر من شروط صحة الزواج.
ولقد حددت المدونة المغربية سن الزواج في 18 سنة بالنسبة للذكر والأنثى لتحصيل التقارب النفسي والعقلي والعمري حتى تضمن استقرار الحياة الزوجية. وقد أفتى بعض الفقهاء مثل المستشار المصري حمادة الصاوي بأن زواج القاصرات يعتبر استغلالا جنسيا للأطفال يجب معاقبة من يقوم به سواء الأبوين أو المحامين أو الوسطاء.
ففي نظرنا الأب الذي يزوج ابنته القاصر لرجل في عمر جدها يعتبر فاسقا ويجب عقابه، ولابد أن يكون العقاب ردعا لمواجهة هذه الظاهرة التي تنتشر بقوة في بعض القرى والمناطق المهمشة، ولاسيما أن هناك دراسات تبين أن هذا الزواج لا يستمر وهو باطل شرعا وقانونا لأنه غير موثق. كما تجب الإشارة إلى الخصوصيات الثقافية والعادات والتقاليد وبعض الإكراهات المادية التي تدفع بعض الأسر في منطقة الأطلس المتوسط والريف و الصحراء إلى تزويج الفتاة القاصر عن طريق ما يسمى بزواج الفاتحة. وهو كالزواج العادي لكنه لا يُقيد رسميًا عند الجهات المختصة، وبعض العلماء يُحرمه بسبب عدم تقييده عند الجهات المختصة ؛ لما يترتب عليه من مشاكل لا تحصى بسبب ذلك.
ويصعب على المحاكم التعامل مع قضايا شائكة من هذا النوع، خصوصا بعد أن يسفر هذا الزواج عن أبناء يكون مصيرهم الجهل والبطالة والفقر كمصير آبائهم وأمهاتهم. ولهذا ينبغي على المحاكم والقضاء توثيق عقود الزواج والتأكد من أوراق الزواج وكونها مطابقة للسن القانوني الذي حدده المشرع في 18 سنة.
وتتعرض الفتاة القاصر أحيانا للعنف المعنوي والجسدي والاستغلال الجنسي ولسوء المعاملة لدرجة أن عددا كبيرا منهن ينقطعن عن الدراسة من أجل الزواج. وفي حالات كثيرة ينتهي هذا النوع من الزواج بالطلاق.
وفي المغرب كشفت إحصائيات مصدرها وزارة العدل أن حالات تزويج القاصرات في ارتفاع مقارنة بالعام 2007، حيث تم تزويج 31000 فتاة قاصر في 2008 مقابل 29847 حالة في 2007، وارتفع العدد إلى حوالي 34000 سنة 2010. وحسب الإحصائيات الرسمية فإن 11 في المائة من حالات الزواج هو زواج قاصرات.
وتمنع مدونة الأسرة الفتيات والشباب الذين لم يبلغوا سن 18 من الزواج إلا بإذن القاضي حيث مكنت هذه الثغرة آلاف الأسر من تزويج بناتها قبل السن القانوني.
تشير المدونة في المادة 19 إلى اكتمال " أهلية الزواج بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية ثمان عشرة سنة شمسية". المشرع من خلال هذا الباب يكون منسجما مع المواثيق الدولية وخاصة نص اتفاقية حقوق الطفل التي تنص على أن " الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة. "
لكن المشرع، من خلال المادة 20، ينتقل من الكونية الحقوقية إلى الخصوصية الاجتماعية المحلية تقييدا منه لسلطة المرجع الكوني،إذ يعتبر أن " لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي" كما أن " مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن ".
ونعتبر أن هذا تقصير في مدونة الأسرة، لكونه ساهم في رفع نسبة زواج القاصرات بموجب ممارسة صلاحيات القضاة. أما المقاييس التي يعتمدها القاضي لمنح الإعفاءات هي عادة متباينة، فيتم قبول أغلب الطلبات، وهذا يشجع الأسر على مواصلة هذه العادة، رغم أننا كنا نعتقد أن المدونة ستغير كل شيء. وصرح وزير العدل سابقا السيد عبد الواحد الراضي أن القضاة لا يمنحون تلقائيا الإذن بالزواج للقاصرات باعتبار أنه تم رفض 7 في المائة من الطلبات حسب الوضع الاجتماعي الخاص لكل فتاة.
فكيف تتحمل طفلة عمرها 12 أو 15 أو 16 سنة مسؤولية الزواج وتربية الأطفال علما أنها في حاجة أن تعيش طفولتها وتتابع دراستها، وتصون كرامتها. فهذا يعد بحق اغتصابا للطفولة بكل أبعاده النفسية والجسدية. فكيف تنظر الدولة لهذا الموضوع وهل من عقوبات مادية وزجرية على من يتزوج طفلة لا يتجاوز عمرها 15 سنة؟ في نظرنا ينبغي إصلاح المدونة من أجل الحد من صلاحيات القضاة وتوضيحها بشكل كامل ومحدد فيما يخص زواج القاصرات.
العواقب الوخيمة لزواج القاصرات
أما عواقب زواج القاصرات فلا تعد ولا تحصى ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الانقطاع عن الدراسة والعنف الأسري والاضطرابات النفسية و أحيانا الطلاق أو الانتحار، ناهيك عن انعدام كل الشروط الصحية والنفسية للفتاة وانتهاك حقوق الطفل. كما لا يخفى أن حالات عديدة من الفتيات يتعرضن لحالات من النزيف يهدد حياتهن الهشة صحيا، بفعل الحمل المبكر الذي لا يخضع لأي مراقبة طبية أو بفعل الاغتصاب المصحوب بالضرب في إطار العلاقة الزوجية.
لا شك أنه أصبح من الضروري إصلاح المدونة بعد 9 سنوات من تنفيذها على أرض الواقع. وعليه نرى أن مسؤولية جمعيات المجتمع المدني تتجه نحو مسارين: مسار ممارسة الضغط المدني لحذف المادة 20 من مدونة الأسرة، ومسار التوعية والتحسيس بخطورة الظاهرة اقتصاديا واجتماعيا و أخلاقيا.
ولا يفوتنا أن نشيد بالمجهودات الجبارة التي تقوم بها الدولة من أجل محاربة الأمية والفقر والهشاشة (عبر برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والحملات الوطنية لمحو الأمية وتنمية العالم القروي) إضافة إلى دور جمعيات المجتمع المدني من أجل القضاء على هذه الآفة الاجتماعية، من خلال تكثيف الجمعيات النسائية والحقوقية لجهودها مع التنسيق مع باقي الحركات الديمقراطية، والانفتاح على كل الإطارات الحقوقية والمدنية المناهضة لزواج القاصرات. وانتقد الناشطون في عدة جمعيات مؤخرا الطريقة التي طبقت بها مدونة الأسرة والتي كان من المفروض أن تضع حدا لزواج القاصرات.
خاتمة
ختاما نؤكد تفشي ظاهرة تزويج القاصرات لاسيما في البوادي والمناطق النائية لأسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية أهمها الفقر والجهل، الشيء الذي يعد انتهاكا للطفولة وتجاوزا لقوانين مدونة الأسرة، مع التنبيه أنه ينبغي معاقبة كل من يساهم في هذا الممارسة المشينة. وقد حان الأوان لتنزيل الدستور الجديد ومحاربة هذه المعضلة الخطيرة بزجر هكذا سلوكات وتغيير العقليات.
ورغم كون مدونة الأسرة المغربية رائدة على الصعيدين الجهوي والعالمي، ينبغي مراجعتها لتجريم تزويج الطفل القاصر الذي له عواقب وخيمة مدى الحياة على الفرد والمجتمع اقتصاديا واجتماعيا.
كما نقترح وضع استراتيجية وطنية مندمجة لإشراك المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وتوفير مشاريع مدرة للدخل للأسر الموجودة في وضعية اجتماعية صعبة، والقيام بحملات تحسيسية على الصعيد الوطني من طرف وزارات العدل والتعليم والصحة والإعلام والثقافة والأوقاف والشؤون الإسلامية، وتوفير الحماية والوقاية للأطفال وصيانة حقوقهم في التعليم والتكوين والتغطية الصحية، وتدعيم نشاط المجتمع المدني لمحاربة تزويج الفتاة القاصر، وتشجيع الأبحاث الميدانية حول هذا الموضوع ونشرها تعميما للفائدة، وإصلاح مدونة الأسرة وسد ثغراتها وتوحيد المساطر في جميع المحاكم على الصعيد الوطني من أجل تقييد شروط تزويج القاصر وألا يحصل الاستثناء على حالات أقل من 17 سنة، ومحاربة كل أنواع العنف ضد المرأة بتلاؤم مع المواثيق الدولية، وإيجاد سياسات عمومية لتحقيق المساواة بين الجنسين، وتفعيل المساعدات الاجتماعية في محاكم الأسرة كآليات مساعدة للقاضي في ملفات الزواج، مع تركيز وسائل الإعلام على هذه القضية لأننا نحتاج فعلا إلى إعلام قوي يقنع المجتمع بخطورة هذه المشكلة ويقوم بتوعية الأسر بخطر زواج القاصرات.
* موحى الناجي
باحث وكاتب مغربي
رئيس المعهد الدولي للغات والثقافات بفاس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.