على الرغم من مأسي الحرب الاهلية التي سبقت الاستقلال في عدن وتلاها مباشرة مغادرة بريطانيالعدن و بقية مدن الجنوب، أستطاع الجنوبين تجاوز هذه المرحلة بكثير من المرونة و المقدرة . ليس من السهولة أن ينتقل شعب من وضع إستعماري إلى دولة مستقلة بين عشية وضحاها، وخصوصا أن بريطانيا كانت قد تركت المنطقة على عجالة ولم تسلم زمام الامور بالصورة البروتوكولية المعهودة التي أشتهرت بها بريطانيا في منح الكثير من الدول استقلالها كمافعلت في هونج كونج و مالطا ودول الخليج و في دول الجزر الكاريبي، و لازال الكثير من الغموض يحيط اتفاقية إستقلال الجنوب، و قد يكشف لنا المستقبل نواحي كثيرة نحن لست على دراية بها. السبب الرئيسي الذي ساعد الدولة الجنوبية الجديدة في الوقوف على قدميها في زمن قياسي كان هو وجود كم هائل من الكفاءات و القدرات الإدارية و العسكرية و التي كانت تعتبر من الأفضل على مستوى الشرق الأوسط و دول العالم الثالث، و التي للأسف استغنى النظام الجديد عن معظمها بصورة تدريجية، واستبدلت باشخاص و كوادر على أسس مناطقية و حزبية بغض النظر عن كفاءتها و قدراتها، و كانت بداية لمرحلة او لمراحل تغيرات دورية ذات طابع دموي عنيف، حيث امتزجت الأيديولوجية بالمناطقية، و على الرغم من ذلك، كانت النظم الإدارية و القوانين الموروثة عن بريطانيا موجودة في كثير من المرافق و الدوائر.
على الرغم من تسريح وتصفية الكثير من الكوادر العسكرية ،الا ان المؤسسة العسكرية تطورت و نمت و اصبح الجيش الجنوبي افضل جيش في الجزيرة العربية، و على الرغم من تسريح الكثير من الكوادر المتعلمة بعد الاستقلال الا انه كان هناك أساس او قاعدة صلبة كانت قد تأسست و اصبح من الصعب اقتلاعها، الامر الذي ساعد على اخراج اجيال جديدة استمدت او استلهمت الحس الادراري و الرغبة على ابقاء النظام و القانون من أسلافها، عملية أشبه بجينات وراثية.
هناك الكثير من اللتطورات في الشمال، و هناك تغيرات سريعة في ميازين القوى، و من كان يعتقد في يوم ما ان حفيد الامام سيعود الى اليمن. هناك مشروع الاقاليم التي يريد ان يفرضه المجتمع الدولي على اليمن، و من ضمنه مشروع الإقليمين و هو التي يريد ان يفرضه الشمال على الجنوب، هناك الكثير من الارتباك في صفوف القوى المتنفذة في الشمال، واعتقد البعض ان الجنوبيين قد يستغل هذا الوضع لصالحهم، و لكن كما يبدو ان الجنوبيين في حالة تخبط شديد و غير مدركين لمجريات الأمور، السبب هو غياب الكفاءات في الجنوب، أهملنا بناء الكفاءات في الجنوب، وجاءت حرب 1994 و قضت على كثير من معالم الحضارة في الجنوب، كل شيء معقول، طال الزمن ام قصر، الجنوب سيستعيد دولته، غياب الكفاءات الجنوبية هذه المرة واضح و جلي،النظام الاداري العظيم الذي كان موجود عشية الاستقلال والذي لو كان موجود الان لاعطى دفعة قوية للجنوب و للجنوبيين ، للأسف غادر الى غير رجعة، و في الليلة الظلماء يفتقد البدر.