الحزب الاشتراكي اليمني قبل و بعد ان يغير اسمه من الجبهة القومية مر بمنعطفات عديدة و حاسمة، كل منعطف كان اكثر تعقيدا و فشلا وخيبة من الذي قبله، لم يكن ذلك بمشكلة قبل قيام الوحدة لانه كان هو الحزب الأوحد في الجنوب يأمر و ينهي و يؤمم و يحكم على من يشاء بالموت او السجن و بالإقصاء، بل كان على فترات مختلفة من الزمن يقوم بإقصاء فئات كبيرة من المجتمع لانها حزب زعمه و تخيلاته بانها قوى او عناصر لا تتفق مع رؤيته الضبابية. إخفاقات الحزب بدأت عندما قرر انتهاج النظام الاشتراكي و رفضه التعامل مع الدول الغير الاشتراكية و ايضا الدول التي كان يتهمها بانها كانت معادية و غير صديقة للدول الاشتراكية، و بدء باتخاذ مواقف غير عاقلة و حكيمة مع دول الجوار، حتى وصلت الى مستوى الشخص المريض بانفصام الشخصية او السكيزوفريانيا، و بدءا القيام بحملات حسب زعمه بانها كانت تطهيرية أخذت طابع العنف من خلال التصفيات الجسدية لكل من كان يعتقد انه كان يقف أمامه، و معظم هؤلاء من الذين كان يعتقد بانهم أعداء، كانوا أصلا اناس أبرياء، و لكن الشخص المصاب بانفصام الشخصية متى قرر بان شخص ما عدوا له لا يمكنك ان تغير رأيه حتى لو كنت طبيب نفساني.
سلسلة الأخطاء كما ذكرنا بدأت باتباع النهج الاشتراكي، و تلتها الإقصاءات لكثير من فئات المجتمع، و جاءت طامة قرار التأميمات، و إلغاء نظام اقتصاد السوق ( Market Economy), و اتباع الاقتصاد الاشتراكي و الذي كان يتبع نظام المركزية الحادة و الذي كان أصلا دخيلا على منطقتنا و عقلياتنا، و لا ننسى ايضا تأميمات الاراضي الزراعية لمجتمع لم يكن النظام الإقطاعي موجود فيها بالمعنى الحقيقي للاقطاع، السلاطين الغلابة الذي صورهم النظام بانهم كانوا أباطرة زمانهم والذين كان معظمهم يستقل سيارات اللاندروفر لتنقلاتهم و التي كانت تتصدق عليهم بريطانيا بها.
لا زلنا في مسلسل أخطاء الحزب، إصرار القادة آنذاك بتسمية الحزب بالحزب الاشتراكي اليمني زاد من إصرارهم بالتمسك بالوحدة مع الشمال، و نفس هؤلاء القادة الان يعترفوا بخطئ ذلك القرار،التخلص من الكفاءات التي كانت موجودة قبل الاستقلال كان قرار كارثي دفعت البلد ثمنه الى يومنا هذا.
التصفيات الجسدية الدورية تخلصت من كل شخص كان يختلف مع الحزب و أفكاره، و بقيت على سدة الحكم مجموعة من الأفراد متفقة في آرائها و أفكارها، و أضحى الحزب ضحية لنظرية التفكير الجماعي (Group Think), اي بمعنى ان الكل يتفق على نفس القرار، سواء كان هذا القرار صائب او خاطئ.
لا ننكر بان الامن و الأمان كانا موجودين، لانه لم يكن احد ليجرؤ على قتل الناس، اخفاء و قتل الناس كان من صلاحيات الحزب. المراءة كسبت الكثير من الحقوق المدنية في فترة زمنية قصيرة، كان هناك خدمات صحية و تعليمية لا بأس بها على الرغم من شحة الموارد و الإمكانيات. الجيش كان في مستوى قتالي متقدم و كانت هناك درجة عالية من الانضباط في كل من الجيش و الامن. حرب 1986 و الحرب الذي شنها علي عبدلله صالح على الجنوب في عام 1994 كانتا الهشة الذي قصمت ظهر البعير. كان هناك ايضا ضمان و توفر الوظيفة.
عندما تقل شعبية الأحزاب في الدول المتقدمة، تقوم هذه الأحزاب باستخدام مؤسسات استشارية تساعدها على تحسين صورتها، و لكن ذلك ليس من اليسير و الممكن عمله في حالة الحزب الاشتراكي التي تبدوا مستعصية، و لذلك نصيحتي للحزب الاشتراكي هي كالتالي:
إقناع القيادات السابقة الكف عن التحدث باسم الحزب. إقناع الشخصيات الغير مرغوب بها بالتقاعد او الاختفاء من المشهد السياسي. شيء مهم جداً الا وهو تغيير بيان الحزب او المامنيفستو لكي يتسنى له استقطاب فئات الشباب و المثقفين، و استعمال لغة جديدة تتماشى مع متغيرات العصر و مستجدات الشارع في الجنوب، لانه هو اولا وآخرا حزب جنوبي، و على الرغم من انه حزب جنوبي الا انه فشل في التخاطب مع كثير من فئات المجتمع في الجنوب.
عليه ان يبرز صورة جديدة لكل الفرق و هي انه هو حزب لكل الجنوبيين، و ليس حزب لفئة جنوبية معينة، عليه ان يركز اهتمامه على كسب و تعاطف الفئات التي كانت مهمشة منذ العام 1967و خاصة ابناء حضرموت و عدن.
عليه ان يقدم اعتذار عن اخطاء الماضي و يعترف بان الحزب نفسه كان ضحية للخلافات المناطقية و الشخصية. اذا لم يتحرك الحزب و يتماشى مع المتغيرات الجارية في المنطقة سيجد نفسه في وضع أشبه بشخص رفض تعلم الكمبيوتر و أصر على استعمال الآلة الكاتبة. يمر البلد بظروف و متغيرات كثيرة و متسارعة و اذا لم يدرك الحزب الاشتراكي بان هذه هي اللحظة المناسبة لتغيير صورته بشكل جدي و حقيقي فسيكون مصيره الانقراض، حاله حال الكثير من الحضارات الغابرة التي يكسوها الغبار الان.