قصة طريفة تذكرني حال مفاوضات المراوغين اليمنيين بشقيهم الحوثي العفاشي والشرعي الأحمري المخلافي , والمحلاة بحلاوة الوحدة القباطية التي يجيدون فن طباختها . فهذه محادثاتهم التي ( لا يختلفون على أهدافها أبدا ) . وهذا حالهم المكشوف العورة , بعد عام من محاولة الجار الكريم انتشالهم من قاع الانحطاط , وهم يراوحون في مراوغتهم . الفيالق العسكرية من الطرفين : إخوان على تباب متناظرين ليس إلا , فتبت أيديهم جميعا . وهم كذلك في مباحثات الكويت : مباحثات ينظر إليها فريق الحوثي وعفاش بأنها , بين العبد الآبق وسيده ليس إلا , ليس إلا وغدا ألقاك . فإذا كان من يمثلون الشرعية فعلا هم بصدق واقفين مع اجتثاث الحوثي وعفاش , ما كانوا بهذه الحالة البائسة وهذا الخنوع المستكين , لكنهم معذورين يحسبون ألف حساب (( لغدا ألقاك )) الذي يهددهم به أسيادهم كما عرفنا من صدق , عن الاحتقار الذين يقابلونهم به أسيادهم المتعودين أهانتهم دائما .
وقبل أن أحكي لكم القصة الطريفة , أستشهد بوصية المرحوم الشيخ خضر صادق ألطفي وكان من أعيان يافع وأشهر المحاورين . عندما أعلنت الوحدة سألوه عن الوحدة مع أهل اليمن وقال باختصار (( معي وصية من والدي عندما سألته عن اليمن وحالها وقال : وصيتي لك ذمة تبلغها أبنائكم عن حال اليمن وأهله فهم (زرع لا ينجح ) أي لا ينضج ولا له ثمار , وسيظلون كذلك إلى أن يرث الله الأرض وما عليها )) . كل ذلك ذكرني بقصة شديدة الطرافة تحاكي واقع أهل اليمن اليوم ( الفريقان الذين يؤدون مسرحية دحباش خارجيا على خشبة المسرح الكويتي , وداخليا على المسرح المفتوح الذي يعتلي تباته ممثلي الفريقان وهم في الحقيقة متفقين على إلا يختلفوا أبداُ :
كان المرحوم أحمد المنصري دلال مشهور في سوق 14 أكتوبر الشهير بيافع , وكانت قبل الوحدة حتى مهنة الدلالة بترخيص من البلدية حتى يفي الدلال برسوم البلدية المفروضة على كل بيعة , وفق قانون .
ومعروف كذلك أن هذه المهنة لا يجيدها إلا من يتحلى بكثير من الصفات أولها الخبرة ثم الفراسة , والفطنة , والصبر , والاستطلاع النفسي لحاجة البائع والمشتري , والتقدير وهو المهم بثمن السلعة وقيمتها , وحالة العرض والطلب وغيرها , إلى جانب استخدام الملكات التي يتحلى بها الدلال لإقناع الطرفين .
يوم من أيام السبت وهو يوم السوق الرئيسي الذي تجلب إليه البضائع وتسوق من كل صنف ولون ومن كل حدب وصوب , وعلى قول المرحوم سعيد بن حلبوب عندما وقف قبل قرن في ذلك السوق , ونادي بالناس وعندما التموا حوله قال أنا عارف بما يريده كل واحد منكم هذا اليوم , وعندما سألوه كيف ؟ رد بجوابه المرح المشهور :
كل واحد منكم أتى يقضي غرضة . وقبل شروق شمس ذلك السبت الصيفي الجميل , بكر أحد المتسوقين إلى مكان حراج المواشي , وقصد المرحوم أحمد المنصري وقال له : معي زواج لأبني واطلب منك تعتني لي بشراء ( تبيع ) بياض وجه , ودلالتك عندي , قال له المنصري فلوسك معك ؟ رد قال الحمد لله معي 3000 شلن , قال المنصري أبشر 3000 شلن با نشتري لك بها أحسن تبيع .
قبل ما يخلصوا حديثهم ظهر متسوق آخر وأتجه إلى عند المنصري ومعه تبيع يفوق الوصف المطلوب , وقال للمنصري معي زواجه لأبني ومحتاج مصاريف أبقى بهذا التبيع أحسن سعر , ودلالتك عندي .
طبعا شاهد المشتري التبيع وقال للمنصري هذا ذي على القلب , وتقدم وسلم على صاحب التبيع وقال خلاص التبيع لي وبيننا المنصري , ولا عاد تخلي أحد يساومك فيه .
قام المنصري كعادته وطلب من البائع والمشتري الاقتراب منه وأخذ بأيديهم كي يصلح بينهم ويفصل بالسعر , ولم يتفقوا , تركهم والسوق معروف في حركة دأبه وكل المتسوقين ينتظرون المنصري لإتمام بيعهم , وفصل في البيعة الأولى , والثانية بين بائع ومشتري وأخذ دلالته , ورجع إلى عندهم وحاول يفصل بينهم ولم يتفقوا .
وكانوا كلما أتى أحد يسأل صاحب التبيع , التبيع للبيع ؟ رد وقال التبيع لصاحبة وأشار للمشتري , وكذلك كان المشتري كلما أقترب مشتري من التبيع قال التبيع لي , خلاص أنا وصاحبة متفقين . أستمر المنصري يصلح بصفقات البيع لمختلف المواشي , وهو معروف بحنكته , وأستمر حاله كلما فضي لحظة رجع إلى عندهما وحاول أن يصلح بينهم , ويخلص من كابوسهم , وأستمر حالهم , ولم ينجزوا البيعة , وكان الفارق بينهم قليل جداً , لكنه متقلب , يوافق البائع فيتردد المشتري , وأحيانا العكس .
مرت الساعات وفضي السوق من المتسوقين وكل متسوق قضى مطلوبه : ( وأصحاب ذمار مكانهم واقفين على جانبي التبة والتبيع ثالثهم ) .
ألتفت إليهم المنصري وقال من فجر الله وأنتم متفقين على البيع والشراء , وكل ما أصلحت بين بائع ومشتري كنت أنظر إليكم وأنتم تتبادلون الحديث وتضحكون وتتجابرون , وعندما أحاول أصلح بينكم تظهرون لي إنكم مختلفين .
وقال الحمد لله اليوم أحسن سوق وعندي أكثر من 700 شلن والفرق بينكم لا يزيد عن 100 شلن , أنا مستعد لدفع الفرق ولا أطلب منكم دلالة !!!!! وقال أنا عارف أنكم متفقين على بيع وشراء التبيع لكن , انأ صاحب السوق وأعرف طلب كل واحد أنتم تجاوز الاتفاق بينكم من التبيع ومتفقين على غرض فسل غير شريف بينكم البين , والسوق الآن فاضي , أتركوا التبيع وروحوا وراء ذاك الحيد ( تبت المصارية أو تبة نهم ) وخلفه ديمة أقضوا ما اتفقتم عليه , وتعالوا وأنا با أدفع لكم الفرق , ولا أشوف لكم صورة وشلوا تبيعكم وخزيكم معكم . وهذا حال أصحاب تباب نهم والمصارية والبعرارة واصحاب البعرور جميعهم .
والحمد لله ( دليلنا ) عبد ربه منصور الذي أكتسب منهم خبرة أكثر من ثلاثين سنة , وكانوا يعتبرونه مجرد ضيف هارب , وعينوه دلال .
فكان المنصري الجنوبي , في كل مراحل , تجاوزه لمكر أصحاب الشمال , وآخرها قال لهم روحوا وراء أكمة الصحراء , روحوا الكويت , روحوا وراء تباب الغدر والخزي والفجور والخيانة , ولطمهم في حضرموت , واللاطمة القادمة ألتي لن يفيقوا بعدها أبدا , جهزها منصور الجنوب , وقريب , أن شاء الله بعيد عودتهم من الكويت بلا خفي حنين , يخرجهم هم وتبيعهم , وهناك وراء التبات يقضون كل أغرضهم الغير وطنية وشريفه بينهم , وال 100 الشلن جاهزة يسلمها الرئيس عبد ربه ولد الشيخ , ويطبع منها 100 مليون ورقة دفعة أولى . ويا دار لن يدخلك ثور ولا تبيع بعد اليوم , ويا جنوب جهز المقبرة لآخر ريال يمني .