يبدو أن الزميل عبد العزيز يحي محمد أساء فهم مقالي "تغييب القوى ذات المسؤولية التاريخية " وبالتالي أخطأ في تحليل ما ذهبت إليه وحمل مقالي ما لا يحتمل ، فالبحث عن المجهول يقودنا إلى معرفة الفاعل ، وبدون أن نرى الفاعل الحقيقي الذي ينبغي أن يفعل أساسا ما نريد ، فإن الحيرة وحدها هي من ستهيمن ، وبالتالي يفقد هذا الفاعل في دوامة حيرة الكل الوطني قوته وزخمه الجماهيري ، لأنه سمح لذاته أن يضل في حالة فعل كامن . لم يقرأ عبد العزيز مقالات سابقة لي هاجمت فيها القوى التقليدية ونخبتها ، فكثيرا ما صوبت قلمي نحو هذه القوى بطريقة أو بأخرى ، وفي العمق الذي تسكنه "الإصلاح " الذي كنت أحد أعضاءه . وذات مقال كتبته في موقع " اليمن الآن بتاريخ 5 ديسمبر 2007 م تحت عنوان - حركة القوى التقليدية في شمال اليمن هدفها إضعاف حركة القوى المدنية التحديثية في جنوبه- ما يلي :" حين استشعرت القوى التقليدية خطورة لحركة المدنية السلمية المنتظمة جنوب الوطن، على مصالحها وامتيازاتها سعت جاهدة لإجهاضها وإضعافها، عبر تحركات قبلية واحتشادات مناطقية، هدفها ضرب قيام دولة مدنية مؤسسية تلوح بوادر تشكلها في المستقبل لأن وجود نظام وقانون ودولة مؤسسات يعني إزاحة هذه القوى عن ناصية التحكم، و"التنفذ" في أجهزتها ومؤسساتها وجعل رموزها مجرد مواطنين عاديين لا يتمتعون بامتيازات، ويتساوون مع أي مواطن في الحقوق والواجبات ..كما أن ذلك يعني تقليما لمخالب فساد الحاكم الذي دعمته وتمن عليه أن جعلته حاكما " كما أنه ليس من البداهة القول أن الذي يجرى يسير باتجاه يتجسد وفق إرادة الشعب ، وما يحلم به أبناءه ، فالواقع أيضا يصاغ على نحو مغاير ، لما نبتغيه ، وهذا يتطلب إرادة شعبية حاضرة ونضالا لا يعرف الكلل من أجل تفويت فرص تغول هذه القوى ، وتلك المتحولة نحو طور آخر، وإن كان سلبيا إلا أنها مرحلة تهيئ لأخرى غير ما نحن عليه ، كما أن الفكاك من قبضة القوى التقليدية يتطلب مزيدا من العمل النضالي المبدع لتفكيك مخالبها من أجهزة ما يفترض أنها دولة ، وضمان عدم قدرتها إذا ما انضوت في ركب التغيير على أن تمارس عملية خطف لمنجزات النضال مستقبلا ، فثمة مؤشرات تؤكد أننا نتجه نحو ما رفضه الزميل عبد العزيز " الطبقية " وإن على المدى البعيد ، ومن حق الدكتور ياسين سعيد نعمان الذي يمثل قامة وطنية وسياسية وفكرية نعتز بها أن نحترم رؤيته ، بل هي صائبة ، لكن لا توجد رؤى مقدسة ، فالنقد والاختلاف في وجهات النظر أمر ضروري لتصحيح الأخطاء وتجاوز القديم في عملية تجديده متحركة لا تعرف الجمود . ولكل رؤيته ، ولكل مرحلة ما يناسبها ، والجهد الجماعي هو المطلوب اليوم ، فلم يعد يوجد اليوم المفكر العظيم ، فقد انقرض ليحل محله الجهد والفكر الجماعي ، والفرد الكامل لا وجود له بين صفوف الناس ولكن الكمال في قدر مشترك من جهودهم جميعا . غير أن ذلك لا يعني أنه قد تم تجاوز القديم أو أنه تجدد أو تطور ، إذا لابد من معرفة دائمة واختبار الأفكار والتحولات وفق معيار دقيق يكشف ما إذا كانت قد تطورت أم لا ، فالطائفية على سبيل المثال أيضا معضلة أخرى ينبغي أن يتم تعريتها وكشف المنظور الطبقي الكامن ورائها ، لأنها من الخطورة بحيث تلعب لعبتها باستبطان خاطف، ولن تظهر بشاعتها الا بعد أن يتأكد لها أنها قد سيطرت ، وبالتالي لابد من النفاذ التلقائي الى مكنون نخبها ومجاميعها لمعرفة كيف تعمل ، وضرب جهازها المفاهيمي ومنظومتها الفكرية المستعلية . أخير التساؤلات التي طرحها الزميل عبد العزيز تساؤلات تخص أحزاب المشترك ، ونحن بدورنا ككتاب لا بد أن نساهم أيضا معها في الإجابة عنها ، من اجل بناء حلول في النظرية والعمل ، أما القوى ذات المسؤولية التاريخية فأقصد به أحزاب المشترك عموما ، والحزب الاشتراكي اليمني خصوصا ، كونه الحزب الذي أثبت القدرة على صنع التحولات التاريخية وتحريك الجمود وتفتيق التناقضات المستبطنة التي لاتتحرك أو تنجز للشعب شيئا سوى مصالحها ليحول تناقضاتها إلى حركة اجتماعية ما كان لها لتكون لولا هذا الحزب العظيم.