مجلس الأمن يؤكد التزامه بوحدة اليمن ويمدد العقوبات على الحوثيين ومهمة الخبراء    انتشال سفينة ضخمة من حوض ميناء الاصطياد السمكي بعدن    خطر المهاجرين غير الشرعيين يتصاعد في شبوة    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    مدير مكتب الشباب والرياضة بتعز يطلع على سير مشروع تعشيب ملاعب نادي الصقر    "الشعبية": العدو الصهيوني يستخدم الشتاء "سلاح إبادة" بغزة    الأرصاد: أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    شركة صقر الحجاز تثير الجدل حول حادثة باص العرقوب وتزعم تعرضه لإطلاق نار وتطالب بإعادة التحقيق    بيريز يقرر الرحيل عن ريال مدريد    صعدة: إصابة مُهاجر بتجدد قصف العدو السعودي على مديرية قطابر    عمومية الجمعية اليمنية للإعلام الرياضي تناقش الإطار الاستراتيجي للبرامج وتمويل الأنشطة وخطط عام 2026    تنظيم دخول الجماهير لمباراة الشعلة ووحدة عدن    فريق DR7 يُتوّج بطلاً ل Kings Cup MENA في نهائي مثير بموسم الرياض    الانتحار السياسي.. قراءة في نموذج الثاني والعشرين من يونيو 1969    يوم ترفيهي مفتوحي لذوي وأبناء الشهداء بمدينة البيضاء    حضرموت تنتفض ضد إرهاب "الغرابي" ومؤامرات الحوثي    مليشيا الحوثي تستحدث أنفاقا جديدة في مديرية السياني بمحافظة إب    الترب: مخططات العدوان واضحة وعلى الجميع الحذر    مقتل وإصابة 34 شخصا في انفجار بمركز شرطة في كشمير الهندية    انهيارات أرضية بجزيرة جاوة تخلف 23 قتيلا ومفقودا    معهد أسترالي: بسبب الحرب على اليمن.. جيل كامل لا يستطيع القراءة والكتابة    ضبط وكشف 293 جريمة سرقة و78 جريمة مجهولة    لاجئون ومجنسون يمنيون في أوروبا يتقاضون ملايين الدولارات شهرياً من أموال الجنوب    روسيا تمتنع عن التصويت على قرار تمديد العقوبات على اليمن    حكام العرب اليوم.. ومكياج السلطة    مؤسسة الكهرباء تذبح الحديدة    توخيل: نجوم انكلترا يضعون الفريق فوق الأسماء    وديا: السعودية تهزم كوت ديفوار    الارياني يرفض إعادة الآثار المنهوبة وبعضها بيع في باريس(وثائق)    أمين عام الإصلاح يعزي رئيسة دائرة المرأة في وفاة زوجها    حين قررت أعيش كإنسان محترم    الكشف عن لوحة تاريخية للرسام السويدي بيرتل والديمار بعنوان Jerusalem    محافظ عدن يكرّم الأديب محمد ناصر شراء بدرع الوفاء والإبداع    رونالدو مهدد بالغياب عن كأس العالم 2026    المقالح: من يحكم باسم الله لا يولي الشعب أي اعتبار    الصين تعلن اكتشاف أكبر منجم ذهب في تاريخها    نمو إنتاج المصانع ومبيعات التجزئة في الصين بأضعف وتيرة منذ أكثر من عام    وجهة نظر فيما يخص موقع واعي وحجب صفحات الخصوم    الإمام الشيخ محمد الغزالي: "الإسلام دين نظيف في أمه وسخة"    عدن تختنق بين غياب الدولة وتدفق المهاجرين.. والمواطن الجنوبي يدفع الثمن    حكام العرب وأقنعة السلطة    مي عز الدين تعلن عقد قرانها وتفاجئ جمهورها    إسرائيل تسلمت رفات أحد الاسرى المتبقين في غزة    الحديدة.. مليشيا الحوثي تقطع الكهرباء عن السكان وتطالبهم بدفع متأخرات 10 أعوام    عدن.. البنك المركزي يغلق منشأة صرافة    وزير الصناعية يؤكد على أهمية تمكين المرأة اقتصاديا وتوسيع مشاركتها في القطاعات التجارية    غموض يلف حادثة انتحار مرافِق المخلافي داخل سجنه في تعز    القصبي.. بين «حلم الحياة» و«طال عمره» 40 عاما على خشبة المسرح    وداعاً للتسوس.. علماء يكتشفون طريقة لإعادة نمو مينا الأسنان    عدن.. انقطاعات الكهرباء تتجاوز 15 ساعة وصهاريج الوقود محتجزة في أبين    شبوة:فعالية تأبينية مهيبة للإعلامي والإذاعي وكروان التعليق الرياضي فائز محروق    جراح مصري يدهش العالم بأول عملية من نوعها في تاريخ الطب الحديث    عدن تعيش الظلام والعطش.. ساعتان كهرباء كل 12 ساعة ومياه كل ثلاثة أيام    ارشادات صحية حول اسباب جلطات الشتاء؟    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن: في الوحدة التي يخافون عليها
نشر في حياة عدن يوم 03 - 06 - 2010

عقدان مرا على توحيد اليمن، أو ما يروق لليمنيين وصفه ب «إعادة توحيد اليمن». وفي تفاصيل الاحتفال، شبهة تشي بخوف اليمنيين على وحدتهم وخشيتهم من الارتداد عن المنجز، والعودة إلى حال حقبة «التشطير». وعلى رغم أن الوحدة اليمنية حقيقة تاريخية تمتد المجلدات تروي وتسهب في أصولها وحيثياتها وظروف ولادتها، إلا أن المراقب يلحظ من خلال أعياد الوحدة في البلاد، من مهرجانات تقام، ومحاضرات تُلقى، وندوات تُلتأم، ومقالات تسطر، ضرباً رسمياً من ضروب إبعاد كابوس الانفصال، ومبالغة في إلقاء الضوء على منجز الوحدة الذي يفترض أن يكون «طبيعياً» لا يحتمل تأويلاً واجتهاداً أو تشكيكاً.
ربما كانت المبالغة في تأكيد ما يفترض أنه «طبيعي»، أمراً يعكس تمسك أولي القرار في اليمن بما أضحى مقدساً والعودة عنه أمر مقيت. وربما أن ترديد كلمة الوحدة في اليمن بصفتها نعمة البلاد، يشبه، إلى حد ما، ترديد كلمة الديموقراطية في بلدان الغرب بصفتها نعمة تحتاج إلى صون، وقيمة تحتاج إلى حماية، بما يوحي أن الأمر معرّض، حتى الآن، لردة ما زالت ذكريات الحرب العالمية الثانية تنبه لها. اليمنيون خائفون على وحدتهم، كما الغرب خائف على ديموقراطيته.
في السودان انتهت الحرب الأهلية بين شمال وجنوب من خلال اتفاق نيفاشا الشهير. وصفة السلم تأسست على منطق تقسيم السلطة والثروة، وعلى تنظيم استفتاء (يجرى العام المقبل) يدور حول وحدة أو انفصال الجنوب. وهذا الترياق قد يتناسب مع طبيعة السودان المترامي الأطراف، المتعدد الأعراق والقبائل والأديان. وقد يكون منطق الاستفتاء العتيد يستند على وقائع الاختلاف العرقي والديني، والذي يفصل ما بين شمال وجنوب. حتى أن أصواتاً شمالية راحت تردد في السر أكثر من العلن، أن الاستفتاء يجب أن يشمل الشماليين أيضاً، ليعلن أهل الشمال عدم تمسكهم بتلك الوحدة «المضجرة» مع الجنوب. فحدث الانفصال بالنسبة للقيادة المركزية في الخرطوم لم يعد احتمالاً مرعباً، بل قد يكون الخيار الأفضل.
في اليمن الأمر شديد الاختلاف. فالوحدة، وعلى رغم أنها أتت نتيجة اتفاق قانوني ورسمي بين سلطتي الشمال والجنوب، إلا أنها قبل ذلك كانت مطلبَ أولي القرار في الشمال والجنوب، وما زالت مطلباً شعبياً يمنياً لا جدال حوله. التعددية اليمنية الحزبية والقبلية، تخترق اليمن من شماله إلى جنوبه. وفوق أرضية تلك التعددية يرتفع سقف اليمن الموحد يظلل التناقضات والتباينات، بحيث إن حقبة الانشطار جاءت مصطنعة، تدخّل في صناعتها مبضع الخارج، وساهمت في تشكيلها أيديولوجية مستوردة غريبة عن ثقافة اليمن واليمنيين.
يغيب عن بال الكثيرين أن مطلب الوحدة لم يكن هدفاً شمالياً فقط، بل إن زعماء دولة الجنوب وضعوا مطلب الوحدة على رأس أولويات العمل السياسي، سواء كان الأمر مناورة داخلية أو مداراة نظرية. يتذكر اليمنيون أن سالم ربيع علي (الملقب بسالمين)، أحد رؤوساء اليمن الجنوبي اعتمد تمثيل سفير اليمن الشمالي (بالتوصيفات السابقة على الوحدة) في أي بلد لا توجد فيه سفارة لدولة الجنوب.
ويتذكر اليمنيون أن قحطان الشعبي، أول رئيس لجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، كان عيِّن قبل ذلك مستشاراً لرئيس الجمهورية العربية اليمنية لشؤون الجنوب اليمني. ويتذكر اليمنيون دعوات عبدالفتاح إسماعيل، وهو رئيس آخر لليمن الجنوبي، إلى وحدة الشعب اليمني وتقدمه الاجتماعي. ويتذكر اليمنيون أن أحد أبرز وزراء خارجية دولة الجنوب محمد صالح مطيع كان يمثل اليمن موحداً في أكثر من موقف دولي ومحفل قومي. ويتذكر اليمنيون أن فيصل عبداللطيف الشعبي، أحد رؤوساء وزراء دولة الجنوب، كان يأخذ في الاعتبار موقف الشمال في أي قرار يتخذه أو يفصل فيه. كما يتذكر اليمنيون أن علي سالم البيض (أبرز الداعين إلى فك الارتباط حالياً) كان يردد في خطاباته الدعوة للوحدة والديموقراطية، كما يتذكر اليمنيون أن حيدر أبو بكر العطاس، آخر رئيس حكومة في دولة الجنوب (والذي يدعو حالياً لحق تقرير المصير)، كان يعتبر أن الوحدة اليمنية هي رد الاعتبار الحقيقي لمسار التاريخ.
المشكلة في اليمن لا تكمن في حتمية الوحدة التي أجمع ويُجمع عليها اليمنيون، بل في إدارة تلك الوحدة، وفي أصول حكم دولة الوحدة من حيث توزيع السلطة ومداراة مراكز القوى التقليدية والمستحدثة. المشكلة في اليمن اقتصادية بامتياز شديدة التعلق بتراجع الموارد المحلية، وبتنامي الضغوط الإقليمية والدولية المالية، معطوفة على تدخلات خارجية تربك سكينة بلد ما زال يلهث منذ الوحدة لتثبيت استقرار مستحيل. ويقلق المراقب خارج اليمن من ارتفاع وتيرة التصادم الميداني الذي يهدد تلك الوحدة، سواء بطبعتها الأيديولوجية في صعدة، أو بطبعتها النوستالجية في الجنوب. على أن هذا القلق يتراجع ويأخد بعداً واقعياً مطمئناً لمن يزور البلاد. فمن أجل تلك الوحدة، كقيمة نهائية لليمن، أنهت صنعاء الحرب في صعدة. ومن أجل تلك الوحدة، كفضيلة يمنية، تُفتح أبواب السجون فيُطلق المعتقلون لنزع فتائل الاحتقان والتوتر. ومن أجل تلك الوحدة، كمنجز أهلي، شرّع رئيس البلاد علي عبدالله صالح أبواب الحوار مرحباً بإمكان تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الأطراف كافة، بما يعكس قناعة الرجل بإعادة النظر بخريطة توزيع السلطة في اليمن على تيارات اليمن.
لا بد أن المراقب لاحظ براعة عالية في معالجة الأزمة الأخيرة في مأرب. سقوط قتلى بالخطأ إثر قصف تعرض له موقع في المحافظة كان يستهدف قاعديين، كان من الممكن أن يتحول إلى كارثة أخرى تشعل فتنة أخرى في البلاد. بيد أن وعياً يمنياً عاماً، رسمياً وقبلياً وشعبياً، أدى على نحو عجيب، إلى تدارك الأمر، وتهدئة النفوس، ولملمة القضية (دون لفلفتها) من خلال أدوات ووسائل وأصول وأعراف يمنية محلية قد لا يفهما غير اليمني.
على أن تلك الحادثة – الحدث تشكل مثالاً حياً على مناعة الوضع الداخلي على رغم أزماته، وتُبرز حيوية العامل المحلي ونجاعة الوصفات البيتية في ورشة صيانة الوحدة الداخلية. والسياق الداخلي مشجّع في غياب أجندة إقليمية نقيضة (إلا تلك الإيرانية بحسب الاتهامات الرسمية في صنعاء)، وتوفر دعم دولي لا لبس فيه للدولة في صنعاء. وهي نعمة لا تتوافر لآخرين.
span style=\"color: #800000\"*صحافي وكاتب سياسي لبناني

span style=\"color: #333399\"*نقلا عن الحياة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.