أكره القتل وأمقت القتلة، ويزيد ازدرائي حينما يتحول المظلوم إلى ظالم فيعتدي على حق غيره، فكيف إذا كان هذا الإعتداء بمصادرة حقه في الحياة. القتل سلوك منحرف ، وهو وسيلة اليائسين، والقاتل شخص عاجز فقد ثقته بمؤهلاته العقلية، فقد الإيمان بقدراته الفكرية، فقد الحجة، فقد الحوار كقيمة، فلجأ إلى السلاح والنار ليعوض الفشل الذي مني به.من المهاتما غاندي إلى نلسون منديلا ، قادا ثورتين وسلحا شعبيهما بالحجة والإيمان بالقضية، دون أن يستخدما السلاح، فتحقق النصر وهاهي الهند بلد الديمقراطية الأول والسلاح النووي، ومثلها دولة جنوب أفريقيا التي حصلت على الإستقلال في بداية التسعينات وقضى زعيمها الأول 27عاما في السجن ، تستظيف اليوم بطولة كأس العالم، وحتى مهاتير محمد بالعلم والعلماء، وتشغيل الأيدي العاملة، واستيراد الخبرات والتكنولوجيا والمصانع من كل العالم حقق نهضة ماليزيا، دون الحاجة لتحريك الجيوش واستيراد الأسلحة، وافتعال المعارك في كل بقعة من الوطن، كما هو الحال عندنا. بالعمل السلمي والنضال الذي تشبع بمبادئ الناس ولم يهرق الدماء، والطموح بتحقيق شيء نافع للوطن، هو الذي كان دافعا وأرضية بني فوقها كل هذا الإنجاز. في واقعنا اليوم الكثير من القضايا الحقوقية فقط- لن أتحدث عن السياسية- ما نشعل بها ثورة سلمية تضمن حشد الناس، نستطيع أن نحرك الجماهير الطافحة بالمعاناة، ابتداء من حبة (الإسبرين) التي تفتقر إليها مستشفياتنا وخدماتها الغائبة،إلى الكهرباء المتقطعة ، إلى كل العبث الحاصل في كل مجالات الحياة. القيادة التي ترمي بالأفراد إلى وسط المحرقة دون إبداء الحرص على أرواحهم، هي قيادة عبثية ، ستدمر الجند والحاضر معا، ويستوي عندي من يقول: (الجندي بدلا عنه جندي، أو دعوه يستشهد سوف نعمل لهم مخيم وتشيعه الجماهير). كما أن المستقل القادم إلينا على أنهار من الدماء وجماجم الكثير من الأبرياء، ويكون صانعوه قد تخلوا عن الكثير من القيم الإنسانية النبيلة، فإن تربته بالتأكيد لن تنبت الجنات الوارفة ، إنما أشجار العوسج. الجنوب الذي سيقدم إلينا مضرجا بدماء الصبيحي والردفاني واليافعي والضالعي وبائعي الحلويات والجعشني ، وغيرهم من الأبرياء والغلابا والمساكين، لسنا بحاجة إليه، ولن يكون وطنا للحياة والتعايش بل محرقة أخرى لدورة دم جديدة، ستفنينا جميعا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.