span class=\"Apple-style-span\" style=\"font-size: 12px; font-weight: normal; \"span style=\"font-size: medium; \"بينما كان اليأس مخيماً على جسد الأمة تعالت الصرخات التي تنادي بالحرية من المغرب العربي..وكتمت شعوب العالم أنفاسها وهي تتابع ثورة (تونس) التي اشتعل فتيلها من جسد (محمد البوعزيزي) .. وكانت صرخة النصر ساعة رحيل الطاغية (بن علي) كافيةً لإيقاظ مئات الملايين من النائمين، وبعث الشعوب من جديد بعد موتٍ سريري وضعتها فيه أنظمة محنَّطة جعلت من الاستبداد والظلم منهجاً وسبيلاً، فأذلت الشعوب وخنقتها واستعبدتها وقدمتها قرباناً على مذبح مصالحها الشخصية ومصالح القوى الاستعمارية الكبرى .. وطالما كانت هذه الأنظمة الجسر الذي تمر عليه المخططات الغربية في العالم العربي والإسلامي. span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"ثم تعالت الصرخات من جديد بعد أيام قليلة .. ولكن من كنانة العرب وأمهم الكبرى (مصر) ... وخرج شعبٌ بأسره يقوده الشعور بالظلم ويسيِّره الأمل الكبير بالتغيير وهو لا يلوي على شيء سوى ( إسقاط النظام) الذي أذاقه المذلة عشرات السنين ... فأفرغ الله على قلوبهم صبراً وثباتاً ... وتحقق لهم ما أرادوا خلال (18) يوماً وسقط أعتى وأطغى وأقوى نظام عربي ... span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"وأظن أن الدماء عادت إلى حركتها في العروق ... وكلنا تلفَّت ساعة سقوط فرعون مصر المعاصر شرقاً وغرباً، وأرهف السمع لينصت من أين تدوي الصرخة الثالثة؟ وعلى من يأتي الدور وتدور الدوائر؟! span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"ولعلَّ عيوناً كثيرةً اتجهت بأبصارها صوب جنوب الجزيرة العربية لتسمع ما يقول أحفاد (قحطان) وأبناء مهد العروبة وأنصار الإسلام؟ لا سيِّما أن الظروف متقاربة، وحال الشعب اليمني أسوأ بمراحل مما يعانيه المصريون من استبدادٍ سياسي، وحكم الأسرة الواحدة وتحكم مراكز النفوذ بكل مفاصل الحياة، وسيطرة (القبيلة) على الحياة الاجتماعية، وانتشار الفساد بكل صوره وأشكاله حتى صار هو الأصل أينما توجهت بك السبل .. span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"وهنا يأتي السؤال هل يمكن لليمنيين أن يغيروا؟ وما هي المعوقات التي تعترض طريق التغيير؟ span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد أولاً أن نعي أن النظام الحاكم في اليمن الشمالي سابقا يتكون من قوتين تقليديتين رئيسيتين هما ( القبيلة- الجيش ) ثم هناك جماعة الإخوان المسلمين التي جاءت لتتحالف مع هذه التركيبة التقليدية للنظام في سبيل دفع حركة المد القومي واليساري آنذاك إلى حد أن صارت هي الأخرى جزءا أصيلا منه .. span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"وبعد إعلان الوحدة اليمنية عام 1990م ، شكلت هذه القوى مجتمعة تحالفا لفرض نظام (الجمهورية العربية اليمنية) على الدولة الوليدة.. وتكلَّل ذلك التحالف والحراك السياسي بالقضاء على الشريك الجنوبي في حرب صيف 1994م .. span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"بعد هذا التاريخ اتجه رأس النظام إلى تضييق دائرة تحالفاته وإعادة بناء نظامه السياسي على مقاسه الخاص.. فتحول من القبيلة إلى (الأسرة)، وأنشأ بدلاً من الجيش التقليدي (جيوشاً خاصة) و(وحدات عسكرية وأمنية ) تحت قيادة أسرية، وقلب ظهر المجن لحلفائه الإسلاميين الذين صنعوا له وأهدوه انتصار سنة (1994م) ليجدوا أنفسهم في الشارع بعيداً عن اللعبة!, واستبدلهم بجماعات من المنتفعين تحت مظلة المؤتمر الشعبي العام . span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"هنا انتقلت الموالاة إلى المعارضة.. وبرزت رموز قبلية تدعوا إلى التغيير .. وانتقل الإسلاميون في (التجمع اليمني للإصلاح) إلى المعارضة يمدون اليد إلى أعداء الأمس من الناصريين والاشتراكيين بعد أن كسرت شوكتهم وصاروا أحزاباً هامشية لا شعبية لها . . . span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"واستطاع هذا التحالف المعارض أن يرسل رسالة مزعجة للرئيس وحزبه الحاكم في الانتخابات الرئاسية عام 2006م.. ثم شهدت الحياة السياسية في اليمن خلال السنوات الأخيرة أزماتٍ وآلاماً حادة لم يتعاطَ معها النظام الحاكم ولا أحزاب المعارضة بالشكل الصحيح، وحاول كلٌّ من جهته أن يستفيد منها لإحراق الآخر مما أدى إلى تعميق هذه الأزمات .. وأبرز هذه الأزمات: (تمرد الحوثي)، و(نشاط تنظيم القاعدة)، و(الأزمة الاقتصادية) وما تحمله من فقر وبطالة وفساد.. وأخطر هذه الأزمات: (القضية الجنوبية) وما تحمله من استحقاقات شرعية، وما تتمتع به من انتشار جماهيري، مع سياسة القمع والتجاهل والتعتيم التي يمارسها النظام تجاهها, والتعاطي البارد من أحزاب المعارضة معها. span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"كل هذا العرض السريع يوصلنا إلى طرح السؤال التالي: أين اليمن الآن من طوفان التغيير العربي؟ span style=\"font-size: medium; \" span style=\"color: rgb(128, 0, 0); \"span style=\"font-size: medium; \"اليمن وطوفان التغيير: span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"(اليمن) بحاجة ماسة إلى (التغيير) .. ولكن هناك (معوقات للتغيير المنشود) فهل يستطيع اليمنيون تجاوزها , بل هل توجد الإرادة أولاً لتجاوزها... فلا تنفع أنصاف الحلول، ولا تغيير الأشخاص مع إبقاء آلية الحكم والأرضية التي قامت عليها. span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"ومن أبرز هذه المعوقات: span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"أولاً: التركيبة القبلية لليمن التي تحول دون نشوء (مجتمع مدني متحضر)، ولا يخفى حرص أكبر قبائل اليمن: (حاشد) على بقاء الحكم فيها، وإن اضطرت إلى تبديل رئيس بآخر، لكن يستبعد أن تقر هذه القبيلة لقيادة سياسية من غيرها لقيادة اليمن، ومن هنا نفهم محاولة كل من حميد الأحمر وأخيه حسين تصدر المعارضة خوفاً من تصدر غيرهم حتى لا يفلت الزمام منهم. span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"ثانياً: تسييس عملية التغيير في اليمن، وبقاؤها رهن إرادة (أحزاب المعارضة) أضعف مصداقيتها شعبياً، فصار المواطن العادي ينظر إليها على أنها من باب (المكايدات السياسية) و(الحرب الإعلامية) بين النخب السياسية، وأنهم في النهاية يتفقون عندما تتقاطع مصالحهم.. وعندما تندلع انتفاضة شعبية هنا أو هناك يسارع السياسيون من أحزاب المعارضة الرسمية إلى ركوب موجتها ومحاولة توجيهها نحو الإطار التقليدي الذي أتقن النظام الحاكم التعامل معه.. ولعل الضعف الذي أصاب (انتفاضة الجنوب) هو ركوب قيادات سياسية قادمة في الغالب من (الحزب الاشتراكي) أحد أقطاب المعارضة الرسمية على موجة غضب الجماهير وثورتهم، فإذا بهولاء (القادة) يختلفون فيما بينهم ويخوِّن بعضهم بعضاً ولمَّا يزالوا في الخطوات الأولى.. وتشتت الجمهور بين ما بات يسمى (فصائل الحراك الجنوبي).. ولم تفلح هذه القيادات في الخروج من أزمتها الداخلية التي انتقلت إلى الشارع.. وأصابت الكثيرين بالإحباط من مصداقية القضية وإمكان وصولها إلى المأمول. span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"إن ثورتي (تونس) و(مصر) المباركتين لم تنطلقا من أي إطار سياسي، وليس لهما زعامات معروفة، ولم يحمل الجماهير أي صورة لزعيم سوى صور شهدائهم الذين سقطوا بينهم.. ولم تعرف الخلافات طريقها بينهم لأنهم خرجوا على قلب رجل واحد ولتحقيق هدف واحد هو (التغيير الشامل وإسقاط النظام). span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"ثالثاً: اختلاف الهدف من التغيير، وانعدام الرؤية المستقبلية عائق أمام عملية التغيير.. فالشماليون الذين يريدون التغيير يخافون من تداعيات إسقاط النظام التي ستؤدي إلى انفلات الأمن وسقوط الجنوب بأيدي الحراك الجنوبي، فإذا خرج إلى الشارع ليعبر عن إرادته تبقى عينه شاخصة إلى (عدن)، وأهون عليه أن يتحالف مع النظام ويقاتل معه من أن ينفصل الجنوب وإن كان هذا الانفصال بإرادة شعبية عامة.. وفي المقابل: لا تنزل مطالب الجنوبيين إلى مستوى (إسقاط النظام)، فهذا مطلب قديم قد عفا عليه الزمن عندهم، وهدفهم الذي يخرجون إلى الشارع من أجله هو: (فك الارتباط) واستعادة دولة الجنوب بحدودها المعروفة قبل اتفاقية الوحدة اليمنية 1990م.. ولا ننس مطالب الحوثيين وآمالهم باستعادة (دولة الإمامة).. ومطالب القاعدة بإقامة (إمارة إسلامية)... فكيف سيجتمع هؤلاء؟ وأي ميدان تحرير سيضمهم؟!! span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"رابعاً: ضعف الوعي السياسي والاجتماعي وضحالة الثقافة في المجتمع اليمني الذي تنتشر فيه الأمية بشكل مخيف، ويقل فيه مستخدمو تكنولوجيا المعلومات إلى أدنى الدرجات.. فلا نسمع بين اليمنيين عن شباب (الفيسبوك) ولا عن الحملات التوعوية على الشبكة.. ولا يدري معظم اليمنيين ما معنى كلمة (انترنت)؟! وليس خافياً أن الشريحة العظمى من الشباب لا تجيد مجرد التعامل البسيط مع أجهزة الحاسوب!. وقد لعبت سياسة التجهيل التي يمارسها النظام دوراً في إطالة عمره وإنتاج جيل لا يعلم ما له وما عليه، فمن سينفخ روح الثورة ويقنع شعباً من الأميين بضرورة التغيير؟!. span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"خامساً: لا ننكر جدية بعض حركات التغيير كانتفاضة الجنوب، ولكن وقوعها في مناطق داخلية ريفية بعيداً عن المدن الكبرى عامل ضعف فيها، فالغطاء الإعلامي مهم، وقد رأينا أثر الإعلام والصورة الحية في ثورتي تونس ومصر، والأنظمة عادة لا تتأثر إلا إذا لامست الثورات مفاصلها الحيوية.. وإلا فماذا يضر النظام وجود مظاهرات وإن كانت بمئات الآلاف في جبال يافع أو ردفان أو الضالع أو أبين أو شبوة؟. span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"سادساً: استمراء الاستبداد ظاهرة خطيرة في بعض نواحي اليمن.. فمع ما يتحلى به اليمنيون من الإباء والشجاعة إلا أن هناك حالة استمراء للاستبداد موروثة من زمن الإمامة ونظامه الإقطاعي القديم.. إن الشباب المتعلم والواعي في تونس ومصر قدموا لنا دروساً ينبغي أن يتعلم الشباب اليمني منها جيداً قبل أن تُنسى ذكرى هاتين الثورتين ... span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"هذه أبرز المعوقات في وجه التغيير المنشود فهل يعي دعاة التغيير هذه العوائق ويعملوا على تجاوزها ؟ span style=\"font-size: medium; \" span style=\"font-size: medium; \"هذه المعوقات وغيرها تصبح هباء منثوراً أمام إرادة الشعب التي تعلوها إرادة الله تعالى، فإذا أراد الله شيئاً هيأ له الأسباب.. ومن سنن الله تعالى إهلاك الظالمين، ولا يحسبن النظام الحاكم في اليمن أنه بمنأى عن الطوفان، فليست اليمن جبلاً يعصمه من الماء... ولكن على طلاب التغيير، وحملة مشاعل الحرية الذين تعالت صرخاتهم هذه الأيام أن ينتبهوا للعقبات حتى يتجاوزوها ويشقوا طريقهم بثبات ولا تجهض ثورتهم السلمية بجرهم إلى العنف أو تشتت الشعارات أو ركوب جهة ما موجة ثورتهم المباركة.