للثورات وهج بالغ الخصوصية في وعي ووجدان أية امة ،باقتران الثورة دائماً بفعل التغيير الذي يكون في أحايين كثيرة تغييراً لواقع الأمة ومجتمعها ، ولصالح الأجيال اللاحقة في حياة الشعوب وهي -الأجيال-الأكثر افادة واستفادة غالباً من الثورات. وللثورات ((الثورات العظيمة بالذات)) لا تنتكس كوعي وفعل بقدر ماتنتكس أحيانا تجلياتها اللاحقة في وعي وفعل بعض ((أهلها))،الأمر الذي يُخمد جذوتها في وجدان قطاع عريض من الشعب ما يُفسر –في حالات عديدة-حدوث ((ثورة على ثورة)). والثورة (26 سبتمبر 63م في الشمال و14اكتوبر 63م في الجنوب،)واحدة من النماذج الثورية الساطعة في التاريخ العربي والشرق أوسطي الحديث، فقد أسفرة ثورة سبتمبر بنقل الشعب في الشمال من الكهوف القروسطية الى مشارف الحرية والنماء على الصعيدين الروحي والمادي معاً، وأسفرت ثورة أكتوبر منح الشعب في الجنوب مقاليد قراره الخاص وارادنه الحرة بعد طرد المستعمر الأجنبي الغاصب. وكغيرها من الثورات في مختلف المجتمعات والعهود، تعرضت الثورة لعديد من الاعتداءات وبعض الانتكاسات من داخلها وخارجها على السواء. وقدسلمت روح الثورة من هذه الكوارث والنكبات ، برغم ان جسدها أُثخن بجراح غائرة ، مازال بعضها دامياً حتى اللحظة وكان ابلغ هذه الجراح ما غرسته نصال (الأهل )وحراب (الأقربين). ان الشعور بالانتماء الى هذه الثورة لدى أي وطني شريف يفرض عليه ، بالضرورة الوقوف بمصداقية خالصة ونوايا مخلصة قبالة مسيرة الثورة ، فالانتماء الى الثورة لن يكون صادقاً بالوجدان العاطفي وحده،بل الوعي –العقل-هو أساسه. ولاشك في أن اللبيب القادر على التمييز بين النقد الأمين (مع الثورة والذات)وأن بدأ في ثوب من شوك .. وبين الحقد الدفين ،وان لمعت سكينه بضوء السكيْنة واكتست أظافره بلون السماء . وفي الوقت الذي تُستنفر أعصاب بعض المصابين بعمى الألوان السياسي ، لمجرد شروع مافي ممارسة الحق الوطني المشروع في نقد الثورة، من قبل بعض أبنائها (الشرعيين)-تتجلى بان جسد الثورة قد تصيبه طلقة وربما كلمة ..غير أن روحها تكون أكثر عرضة للإصابة –الفادحة في أغلب الاحيان – باقتراف امثال أولئك (المستنفَرين)جريمة الاعداء باحتكار انتاج وامتلاك الثورة، أوجريرة الوصاية عليها بعد سجنها في تابوت (التابو) المطلق وهي –يشهد التاريخ على ذلك- أفدح صنوف الجرائم وأقبح صور الجرائر. ان الثورات العظمى هي اسمى من (الحصى) المتنطعة على الثمار اليانعة في الاشجار الباسقة .. غيرأن ثمة فرقاً بينا لكل ذي فؤاد صحيح،بين النقد القائم على مداميك وطنية وأسس علمية-وهو ليس بنقد للثورة البتة ،بل لما آلت اليها الأوضاع بعدها- وبين قذف الجمرات على الذات.. وأزعم-والله اعلم- أن شهداء الثورة (سبتمبر واكتوبر) الأبرار لو قدر لهم بعثاً مؤقتاً ، ولو للحظات ،سيكونون أجرأ من يمارس هذا النوع من النقد الذي بات في نظر البعض اليوم، رجساً من عمل الشيطان!!. لا خطر على الثورة من القلم ، وان قد من حديد ..بل الخطر عليها من القيد ،وان نُسج من حرير.