قبل أكثر من سنة وفي خضم الأزمة الإيرانية حول برنامجها النووي كانت اسرئيل والمملكة السعودية تحضان الولاياتالمتحدةالأمريكية على توجيه ضربة للمنشآت النووية في نطنز واراك لكن إدارة الرئيس أوباما رفضت ذلك . دخلت العلاقات السعودية الأمريكية في "جفاء" دبلوماسي وحاولت المملكة استعراض قدرتها على تخريب المشاريع الأمريكية في عدة مناطق وكان من أهم تلك المناطق اليمن ما استشعر الأمريكيين اللعبة السعودية لمعاقبة النظام اليمني فتم سحب ملف اليمن من المملكة التي كانت عرابة التسوية بعد ثورة ربيع عربي ناقصة في بلد القبيلة والطوائف .
استدعي الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى الولاياتالمتحدة ونظمت بعده رحلة لقيادات الجيش وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة واستلمت الولاياتالمتحدة ملف البلد "الذي يجب أن يدار من قبل أحد دائما" ومارست المملكة من يومها سياسة "غض الطرف"تجاه اليمن وتركت للولايات المتحدة الغرق في مشاكل البلد واكتفت بدور المراقب معولة على دورا إماراتي له صلاة قوية برجالات النظام القديم .
سياسة حافة الهاوية:
تركت المملكة السعودية في بداية الأمر خصومها "العقائديين" بمساعدة حليفها السياسي (صالح) يلتهمون حلفائها القديمين (ناكري المعروف) الإخوان ظنا منها أن للأمر خطوط حمراء وان النظام اليمنيوالولاياتالمتحدة لن يسمحا بتغول الحوثي لأسباب إستراتيجية . مارست المملكة السعودية تجاه ما يحصل سياسة (حافة الهاوية ) وهي إعطاء انطباع للولايات المتحدة والنظام اليمني انها لا يعنها ما يجري (محملة الحليفين) تبعات ما يجري غير أنها فوجئت بيوم تصحى فيه على صنعاء "يحتلها الحوثي" وهي صدمة للمملكة لم تكن تتوقعها من الولاياتالمتحدةالأمريكية . ما تجدر الإشارة إليه أن النظام اليمني كان مستشعرا للخطر غير انه فوجئ هو الآخر وعرف كذلك أن الأمر كان اتفاق إقليمي دولي "حيث قال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قبل أسابيع أن هناك من يريد مقايضة (صنعاء ببغداد) ثم قال أمس أن اجتياح صنعاء كان (مؤامرة تعدت حدود الوطن).
يبدو أن خروج المملكة من اللعبة وترك المسرح ( لتفاعل إيراني - أمريكي ) أثمر إعطاء إيران نفوذ في اليمن مقابل عدم إفشال حرب الولاياتالمتحدة على (داعش) في الطريق إلى إسقاط الأسد وهو يمثل سحب لإيران من الحضن الروسي وتمثل صنعاء هامش صغيرا لا ضير من تقديمه مقابل تغييرات في الإقليم.
نيويورك تايمز: (من غير المرجح أن تتخذ الولاياتالمتحدة أي إجراءات، فقتال الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) له الأولوية مقابل تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، الحوثيون هم أعداء تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ووصول المتمردين إلى السلطة في صنعاء سيوفر ضمانًا بحكم الأمر الواقع للولايات المتحدة فيما يتعلق بالتنظيم، البيان الأخير الذي صدر عن وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" والذي يقول إن لإيران دورًا في محاربة داعش، يشير إلى أن أمريكا سوف تضع التهدئة مع إيران والحوثيين في اليمن على رأس أولوياتها من خلال عملية سلمية وشاملة نحو ديمقراطية مستقرة.)
أعلاه فقرة من تحليل نشرته النيويورك تايمز المراقبة من إدارة أوباما حول حلف (حوثي أمريكي ) في اليمن وهو ما يعني حلف إيراني أمريكي بالطبع في غياب تام للسعودية (اللاعب التاريخي في اليمن) والتي جن جنون إعلامها وكتابها بعد أن فاقت على هزيمة إقليمية مدوية في حديقتها الخلفية .
(قناة العربية) التابعة لمجموعة ال(mbc) السعودية تسمي ما حدث بالانقلاب وتصب جام غضبها على الرئيس اليمني من سقوط صنعاء. السعودية والاتجاه إلى الجنوب محفزات أخرى لاستقلال الجنوب: يعرف عن المملكة إمساك النظام فيها بكل تفاصيل الحياة فلا كاتب يكتب إلا بإذن وضوء أخضر من القصر وهنا نلاحظ كتاب كطارق الحميد وعبد الرحمن الراشد وآل الشيخ يكتبون عن ضرورة دعم استقلال الجنوب بل أن كتاب استراتيجيين كجمال خاشقجي خاضوا في الأمر أيضا .
حتمية سياسية أن المملكة ستتجه إلى الجنوب لتخريب وضع تريده إيران في اليمن ككل والجنوب هو المنطقة التي قد تشكل انتصار يعوض الخسارة المذلة في الشمال وهو الأكبر مساحة والأكثر إستراتيجية من ناحية الموقع .
توجد محفزات أخرى لاستقلال الجنوب ولعل أهمها ما سيحدث في الشمال حيث من المتوقع أن تصبح (ثقب اسود) يجتذب كل (الجهاديين) في الفترة القادمة لخوض حرب (طائفية) ضد الحوثيين بغرفة عمليات في المملكة يقودها (علي محسن الأحمر) والشيخ الحجوري وهو مايعني عدم سقوط مناطق الجنوب في يد الجماعات المسلحة في حالة انهيار الجيش والفراغ الأمني ..وهو سبب مهم جدا يترك (للحراك ) فرصة لإدارة أراضيه.
مصاعب تحول دون استفادة الجنوب من الوضع:
هناك مصاعب تحول دون استفادة الجنوب من الوضع وتتلخص في (انقسام قياداته) المشكلة المزمنة التي دمرت كل أمل في استقلال ناجز فالسعودية تعتمد على قوى تاريخية كحزب الرابطة وسياسيين كحيدر العطاس ستواجه بخصوم مقربين من الطرف الآخر وأقوياء على الأرض (علي ناصر محمد ) ومجموعة محمد علي احمد التي أنشأت مجلس الإنقاذ الوطني والمجلس العسكري الأعلى ..
وهي سياسيا لا تؤمن بالاستقلال التام بل بفيدرالية الإقليمين كما إنها الأقوى على الأرض وهو ما يشكل عنصر (نصر إيراني آخر) في جزء اليمن الجنوبي .
تظل الطبقة السياسية الجنوبية بتقسيماتها وخلافاتها هي (العائق الدائم ) لاي نصر حقيقي جنوبي..