span style=\"color: #ff0000\"حياة عدن/صادق ناشر أخيراً، نجح السياسيون في اليمن في تحويل إخفاقاتهم المستمرة إلى نجاح، وإن كان مرهوناً بمدى جديتهم في تحويل الاتفاق الذي توصلوا إليه مطلع الأسبوع الجاري لاستئناف الحوار الوطني الشامل إلى واقع عملي يجنب البلاد المزيد من دورات العنف التي تلوح في الأفق، خصوصاً في الشمال، حيث مؤشرات الحرب مع الحوثيين قائمة وفي الجنوب، حيث تتصاعد النعرة الانفصالية لسلخ الجنوب عن دولة الوحدة، بالإضافة إلى التحدي اليومي الذي تواجهه البلاد جراء المواجهات المستمرة مع تنظيم “القاعدة”، الذي أخذ يضرب بقوة وفي مناطق مختلفة شملت حتى حماة الأمن أنفسهم، بالهجمات المتعددة على مباني المخابرات، كانت آخرها في محافظة أبين بعد أسبوعين من استهدافها في عدن . الاتفاق جاء بعد جولات مكثفة من الحوارات بين قادة حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وأحزاب المعارضة التي يمثلها أحزاب اللقاء المشترك، وبرعاية الرئيس علي عبدالله صالح، الذي وصف توقيع الأحزاب على محضر اتفاق فبراير المبرم بين الأحزاب قبل عام ونصف العام، بأنه انتصار حقيقي للديمقراطية في البلاد وبداية لانفراج سياسي يمكن أن تشجعه للدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهي الدعوة التي كان قد أعلنها في الخطاب الذي ألقاه في الثاني والعشرين من شهر مايو/ أيار الماضي، أثناء احتفالات البلاد بأعياد الوحدة . ولم يخف السياسيون في الطرفين تفاؤلهم في أن يكون الاتفاق خطوة على طريق معالجة الأوضاع الصعبة التي تواجهها البلاد، خصوصاً في ظل التحديات الجديدة التي يعيشها اليمن منذ عدة سنوات، ويرون أن تنفيذ الاتفاق سيجنب البلاد مزيداً من الخلافات السياسية وسيدفع بالجميع للمضي قدماً لإجراء الانتخابات التشريعية في البلاد، التي تأجلت لعامين بموجب الاتفاق الموقع بين الطرفين في شهر فبراير/ شباط من العام الماضي، والذي دخل “غرفة الإنعاش” بعد أن أخفق الطرفان في تحويله إلى واقع عملي من خلال إيجاد آلية لتنفيذه . span style=\"color: #800000\"مضامين الاتفاق تبدو مضامين المحضر الموقع عليه السبت الماضي بمثابة اتفاق جديد، فقد وردت في المحضر عدد من النقاط التي كانت تثير خلافات بين حزب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب المعارضة طوال الفترة التي أعقبت توقيع اتفاقية فبراير/ شباط العام الماضي، خصوصاً تلك المتعلقة بمفهوم كل طرف لمسألة الدخول المباشر في تنفيذ الاتفاق، لدرجة دفعت الرئيس علي عبدالله صالح إلى التعبير عن ضيقه من الاتفاق، ولام حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه على توقيعه، وقال إن أكبر خطأ ارتكبه الحزب هو يوم توقيعه الاتفاق مع المعارضة، وناشد حزبه ألا يكرر ذلك مرة أخرى . وطوال الفترة الماضية، برزت قضايا خلافية عدة بين الطرفين حالت دون توقيعهما على المحضر التفصيلي للاتفاق، وأبرزها أربع قضايا رئيسة، تمثلت الأولى في عودة الحرب بين الجيش والمتمردين الحوثيين في المناطق الشمالية من البلاد، وتمثلت القضية الثانية في الحراك الجنوبي، الذي قوي عوده وتحول إلى ورقة تجاذب بين السلطة والمعارضة، أما القضية الثالثة فتمثلت في المعتقلين السياسيين على خلفية المواجهات في كل من صعدة والمحافظات الجنوبية والشرقية من البلاد، ورابع القضايا التي شكلت خلافاً بين السلطة والمعارضة كانت تلك المتعلقة بالإعلام الرسمي، الذي تشكو المعارضة من انحيازه للحزب الحاكم . وتنص الفقرة الأولى من محضر الاتفاق الجديد على أن “تتاح الفرصة للأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني لمناقشة التعديلات الدستورية اللازمة لتطوير النظام السياسي والنظام الانتخابي، بما في ذلك القائمة النسبية”، وهي قضية كانت مثار جدل سياسي كبير بين الطرفين، فالمعارضة تطالب بالأخذ بخيار القائمة النسبية في الانتخابات المقبلة، فيما كان حزب المؤتمر يعارضها، إلا أنه في الأخير رضخ لمطلب المعارضة في هذه القضية . وأقر في المحضر أن يقوم كل طرف من الطرفين بتحديد وتسمية شركائهما وحلفائهما، الذين سيمثلون الطرفين في اللجنة المشتركة للإعداد والتهيئة للحوار الوطني، ولم يجز لأي طرف الاعتراض على ما يقدمه الطرف الآخر، وذلك يعني انتهاء التحفظات التي كانت لدى حزب المؤتمر الشعبي العام حول دخول لجنة الحوار الوطني التي يرأسها الشيخ حميد الأحمر، نجل رئيس البرلمان الراحل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، كشركاء سياسيين، بالإضافة إلى “الشركاء الآخرين” للمعارضة، وهم الحوثيون وقوى الحراك الجنوبي، وربما أطراف سياسية أخرى في الخارج، إذا ما تم استثناء نائب الرئيس السابق علي سالم البيض من أية ترتيبات، خصوصاً أن مطالبه المتمثلة في “فك الارتباط” والانفصال عن دولة الوحدة تتعارض مع ما تطرحه المعارضة من التمسك بالوحدة والمطالبة بالتغيير . ويعتبر قبول الحزب الحاكم بمبدأ مشاركة الجميع في الحوار مؤشراً إيجابياً، بعد أن كان حصره في وقت سابق بالمعارضة الممثلة في البرلمان، وهذا يعني نزع فتيل مواجهة سياسية مع الآخرين غير الممثلين في البرلمان، حيث هناك أحزاب سياسية فاعلة في الساحة ليس لديها حضور في البرلمان، لأنها لم تشارك في الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد خلال العام 2003 . وبعيداً عن الحوار السياسي، فإن قضية التعديلات الدستورية وتطوير وإصلاح النظام السياسي تعتبر واحدة من أكثر القضايا حساسية التي يمكن أن تواجه الطرفين، والتي يمكن أن تثار في جولات الحوار التي ستبدأ خلال الأيام القليلة المقبلة، خصوصاً أن هذه التعديلات لها صلة مباشرة بالانتخابات التشريعية، حيث من المقرر أن تتفق الكتل البرلمانية للأحزاب الممثلة فيه على تمرير قانون الانتخابات، وإعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات، والتي كانت من قضايا الخلاف الكبيرة بين الطرفين، وهو ما سيفسح المجال أمام الجميع للمضي في الانتخابات المقبلة . ويتيح الاتفاق الموقع الفرصة لكل طرف أن يرتب أوراقه قبل البدء بالحوارات، ويرى مراقبون أن الحوارات لن تكون سهلة، خصوصاً مع شعور المعارضة بأنها تمكنت من فرض مطالبها المتصلة بقضايا عدة، أولاها الموافقة على مناقشة قضية القائمة النسبية في الانتخابات، وثانيتها نجاحها في إشراك حلفائها في الحوار، والذين كان المؤتمر يرفض مشاركتهم، والقضية الثالثة نجاحها في الضغط على الحزب الحاكم في الإفراج عن المعتقلين السياسيين، بخاصة من لهم خلفية في حرب صعدة والحراك الجنوبي، والذي كانت السلطات تردد دائماً أن الإفراج عنهم يعتبر خطاً أحمر لأنهم أدينوا بقضايا جنائية وبقضايا تمس الوحدة . ويتخوف بعض المراقبين من معارضة داخل حزب المؤتمر الشعبي العام نفسه، حيث لا تزال مراكز قوى داخل الحزب ترفض تقديم أي نوع من التنازلات للمعارضة، وتعتبر ذلك إضعافاً للحزب وتقوية للمعارضة التي تمكنت من فرض شروطها ولم تقدم تنازلات على عكس المؤتمر . يفهم هذا من مصدر في الحزب الذي شكك في الاتفاق الموقع مع المعارضة، وقال عنه إنه “يشكل علامة انتصار جديدة يحققها المشترك على المؤتمر الشعبي العام” . ويشير المصدر إلى أن “الاتفاق الذي أبرم بين الجانبين يؤكد أن المشترك فرض شروطه التي يريدها، وأن ذلك يمثل شروط المنتصر على المهزوم، وأنه يضاف إلى هزائم كثيرة تلقاها على يد المشترك، حيث أثبت الأخير أنه قادر على إدارة دفة الحوار وفرض الشروط التي يريدها بقوة، وأثبت أن حزب المؤتمر حزب مترهل ومفكك ولا يملك رؤية أو مشروع سياسي يمكن أن يراهن عليه، وهو ما أكده الاتفاق الأخير الذي سيزيد المؤتمر ضعفاً ويمنح المشترك قوة جديدة”، بل وصف المصدر هذه الخطوة بأنها “آخر مسمار في نعش المؤتمر الشعبي العام الذي يعيش في تخبط عشوائي وينتقل من فشل إلى فشل” . span style=\"color: #800000\"تفاؤل متبادل وصف الرئيس علي عبدالله صالح في كلمة له التوقيع على الاتفاق من قبل الجانبين بأنه “خطوة إيجابية نحو الانفراج السياسي”، مطالباً الجميع ب “الترفع فوق كل الصغائر، والبدء بمرحلة جديدة لأن الوطن ملك للجميع وليس ملكاً للسلطة الحاكمة أو للمعارضة، فالبلد يتسع للجميع ومسؤولية الجميع، والمعارضة هي الوجه الآخر للنظام السياسي ( . . .)، كما يجب وقف الحملات الإعلامية والتسريبات”، مشيراً إلى أن “الجميع في سفينة واحدة، ويجب أن نبحر بها سوياً، وأن تكون هناك قيادة لهذه السفينة من كل القوى السياسية” . وجدد صالح العرض السياسي الذي قدمه في الخطاب السياسي الذي أعلنه في الثاني والعشرين من شهر مايو/ أيار الماضي بمناسبة احتفالات البلاد بأعياد الوحدة، وقال: “نرحب بالشراكة مع كل القوى السياسية في الساحة اليمنية، وإذا نفذنا البنود المتفق عليها والآلية التي تنظم اتفاقية فبراير فسنكون مستعدين لتشكيل حكومة وطنية من كل أطياف العمل السياسي للسير قدماً نحو إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد” . وقال إنه “لا يجب بأي حال من الأحوال أن يتنصل أحد عمّا تم الاتفاق عليه، لا المعارضة ولا السلطة”، مطالباً الجميع بالعمل على تهدئة الشارع وطمأنة الناس ( . . .) لأن ما جرى في الأعوام الماضية حد من الاستثمارات والسياحة وغيرها نتيجة الخوف . ورحبت قوى المعارضة بالاتفاق وقالت إنه يبشر بخير، لكنها قالت إن الأمر يتطلب نوايا حسنة لتطبيقه . وينص البند الأول على استئناف الحوار الوطني، فيما ينص البندان الثاني والثالث بقانون الانتخابات واللجنة العليا للانتخابات، حيث ستناقش اللجنة القضايا المتصلة بالتعديلات الدستورية، بالإضافة إلى قانون الانتخابات بما فيه إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات، التي كانت أحد أبرز قضايا الخلاف بين الطرفين خلال الفترة الماضية . ويجمع الطرفان على المضي في التحضير للانتخابات التشريعية المقبلة في إبريل/ نيسان المقبل، وقال مصدر في المعارضة إن الطرفين سيسعيان إلى الاستفادة من الوقت المتبقي لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد . ويقول الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر الشعبي العام الدكتور أحمد عبيد بن دغر إن “التوقيع يعتبر خطوة إيجابية نحو الانفراج السياسي”، وإنه “إذا ما التزمت الأطراف الموقعة عليه ببنوده، ومضت نحو حوار وطني شامل يحقق الأهداف الوطنية الكبرى، وراعت الفترة الزمنية المتبقية للانتخابات، ومضت فيها بشكل مشترك فإن الاتفاق سيكون ناجحاً بكل المقاييس السياسية والديمقراطية” . من جانبه يرى الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني أبوبكر عبدالرزاق باذيب، أن الكل ساهم في الوصول إلى هذا الإنجاز، الذي يجعل إمكانية حل الأوضاع في البلاد قائماً، خصوصاً إذا ما توفرت النية لإخراج البلد من عنق الزجاجة . وعلى الرغم من نبرة التفاؤل التي طغت على حديث القيادي الاشتراكي، إلا أنه قال إن على الجميع انتظار بدء اللجان لأعمالها حتى يتم الحكم على نوايا كافة الأطراف في هذا الحوار . أما الناطق الرسمي باسم المعارضة الدكتور محمد صالح القباطي فإنه يشير إلى أنه رغم تأخر توقيع الاتفاق، إلا أنه “ يمثل خطوة إيجابية في الطريق الصحيح تؤسس لانفراجة سياسية ضرورية لتهيئة المناخات الملائمة والآليات الضرورية للإعداد للحوار الوطني الشامل لتنفيذ اتفاق فبراير 2009 ولاسيما مع تزامنه مع الإفراج عن عدد من المعتقلين” . ولم تجد صحيفة “الثورة” الرسمية التي دأبت طوال السنوات الماضية على مهاجمة المعارضة المنضوية في إطار تكتل اللقاء المشترك سوى التعبير عن رضاها بالاتفاق، وقالت إن “ما جرى يوم أمس من اتفاق بين الحزب الحاكم والمعارضة الممثلة في مجلس النواب قد وجد صدى إيجابياً وارتياحاً بالغاً في الداخل والخارج، لكونه قد جسد الصورة الحقيقية والحضارية التي يتميز بها اليمنيون، وأنهم مهما اختلفوا وتباينت مواقفهم ووجهات نظرهم، فإنهم لا يمكن أن يتركوا لخلافاتهم أن تصل بهم حد التعامي عن المنطق الصائب والرؤية السديدة والمعالجات السليمة لقضاياهم وخلافاتهم، لأن ما يجمعهم أكبر مما يفرقهم أو يقودهم إلى القطيعة، وليس هناك أعظم وأكبر من رابطة الوطن والولاء له وروح الانتماء إليه” . واعتبرت أن “أهم ما أفضى إليه الاتفاق بين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك هو اعتراف الجميع بأن التمترس في خانة الاحتقان لا يمكن أن يوجد الحلول، بل إنه يفاقم من التعقيدات والتوترات، وأنه لا فائدة يمكن أن تعود على أي طرف من الأطراف من وراء بقاء الأوضاع السياسية على تلك الحال من الاحتقان الذي يسمح للانتهازيين وأعداء اليمن بالدخول على الخط، وتوسيع الشقة والقطيعة بين أطراف المنظومة السياسية والحزبية وتنفيذ أجندتهم المشبوهة، والإضرار بمصالح وطننا العليا” . وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق شكل نقطة تحول جدية في المسار السياسي القائم في البلاد، إلا أن العديد من المراقبين يرى أن الطرفين لم يكونا ليوافقا على التوقيع عليه لولا الضغوط الخارجية الهائلة التي مورست عليهما، بدءاً من الولاياتالمتحدة، مروراً بدول الاتحاد الأوروبي وانتهاء بدول مجلس التعاون الخليجي، التي ترى في استقرار اليمن مصلحة لشعوب المنطقة ككل . لكن الأهم هو أن يقتنع الطرفان بأن البلد لم يعد يحتمل المزيد من الأزمات، وأن أية انتكاسة في الحوارات القادمة يمكن أن تقود إلى أزمات جديدة تجعل من التوافق السياسي أمراً بعيد المنال .