span style=\"color: #ff0000\"حياة عدن/ صادق ناشر عادت صعدة لتشكل من جديد جرحاً نازفاً في جسم الدولة اليمنية الموحدة، إذ لم تكد أصوات المدافع تصمت لأشهر حتى عادت من جديد لتؤكد هشاشة الوضع في هذا الجزء من البلد الذي تمزقه الصراعات السياسية، فقد عادت طبول الحرب السابعة تقرع وصارت الشواهد تتعاقب يومياً على أن حرباً سابعة على الأبواب، رغم التصريحات الكثيرة التي يطلقها المسؤولون في البلد من أن الدولة لن تسمح باندلاع حرب جديدة . يبدو أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الجانب الحكومي والمتمردين الحوثيين في شهر فبراير/ شباط الماضي على قاعدة النقاط الست التي أعلنتها اللجنة الأمنية العليا كشرط لوقف الحرب مع الحوثيين، وما تلاه من اتفاق تفصيلي بين الطرفين في وقت سابق من الشهر الجاري، لم يكونا كافيين لإقناع طرفي الصراع بضرورة إلقاء السلاح وإعادة إعمار المناطق المتضررة من استمرار الحروب في كل من صعدة وعمران، حيث شهدت هذه المناطق ست حروب ابتداء من العام 2004 وحتى هذا العام، بمعدل حرب كل عام . على الرغم من أن ما يجري على أرض الواقع اليوم في كل من حرف سفيان بمحافظة عمران، وأجزاء من صعدة ليست مواجهة مباشرة بين الجيش والمتمردين الحوثيين، بل بين الحوثيين ورجال القبائل الذين وقفوا مع الدولة في حروبها الست الأخيرة، إلا أن السلطة تستشعر خطورة الموقف، خاصة أنها تدرك أن استمرار القتال بين المتمردين والقبائل لن يدوم، وسيجد الجيش نفسه يدخل في مواجهات مع الحوثيين، خاصة في ظل تزايد الضغط عليه من قبل مجلس النواب (البرلمان) الذي يطالبه بضرورة الحسم النهائي لهذه القضية بعد أن طالت وزادت مخاطرها . وقد ترجم ذلك عملياً بالتطورات التي شهدتها المنطقة منتصف الأسبوع الماضي عندما حسم الحوثيون معركتهم ضد مشائخ قبائل ابن عزيز وسيطرتهم على الموقف كله بل ودخولهم حلبة المواجهة مع الجيش، عندما أعلنوا سيطرتهم على بعض المواقع العسكرية وعلى عدد من الآليات العسكرية وأسرهم لمئات من الجنود في معارك استمرت لمدة تزيد على أسبوعين استخدم فيها الطرفان مختلف أنواع السلاح المتوسط منه والثقيل . span style=\"color: #800000\"استجداء حرب يحاول المتمردون الحوثيون جر الجيش إلى مواجهات شاملة في مناطق الصراع المتجددة، خصوصاً صعدة وعمران، بل إنهم يريدون جر محافظة الجوف هذه المرة إلى ساحة المعركة، وهو أمر لو تحقق فإنه سيدخل الطرفان في أتون صراع لا يقل شراسة عن الحرب الأخيرة، التي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمشردين، خاصة أن الجيش بدأ ينهك في الحروب التي يخوضها في مناطق مختلفة من البلاد، إذ إن عليه أن يكون متيقظاً لمواجهة تهديدات تنظيم “القاعدة” الذي بدأت نشاطاته تتزايد في الآونة الأخيرة، وبدأت ضرباته تطال الأجهزة الأمنية نفسها، كان آخرها استهداف مقرات الأمن السياسي (المخابرات) في كل من عدن وأبين جنوباً، بالإضافة إلى استهداف الجيش في أكثر من منطقة . ولا تقل الأوضاع التي تعيشها المناطق الجنوبية من البلاد خطورة، فالجنوب مضطرب من عدة سنوات، خاصة في ظل تزايد الدعوات لانفصال الجنوب عن دولة الوحدة، وما يتطلب ذلك من مواجهات مستمرة مع أنصار الحراك الجنوبي، وهي مواجهات لا شك أنها تؤثر في أوضاع القوات المسلحة . من هنا لا يتردد المسؤولون في الدولة، وعلى رأسهم الرئيس علي عبدالله صالح عن التأكيد بأن الدولة لا يمكن أن تسمح باندلاع حرب سابعة، وأن الأوضاع في هذه المناطق مستتبة ولا تدعو إلى القلق . وقبل أيام زار صالح بعض معسكرات الجيش للاطمئنان على حالة استعداد القوات المسلحة لمواجهة أية تطورات قادمة تأتي سواء من الشمال أو من الجنوب أو من تنظيم “القاعدة”، الذي حذر في بيانه الأخير الأنظمة العربية من دعم نظام الرئيس علي عبدالله صالح . ويرى مسؤولون أن الحوثيين يستجدون الحرب في صعدة، لأن ذلك يوفر لهم فرصة لإبقاء الوضع متوتراً، وقد يقود إلى تأجيل الانتخابات التشريعية، المقرر أن تشهدها البلاد في السابع والعشرين من شهر إبريل/ نيسان المقبل، وبالتالي دخول البلد في فراغ دستوري ينزع عنها الشرعية، ويجعل مسألة إسقاطها أمراً مشروعاً . ولا يتردد المسؤولون عن تأكيد أن محاولات الحوثيين لجر الجيش إلى حرب جديدة إنما تندرج في إطار مخطط خارجي يستهدف أمن اليمن ومحاولة إعادته إلى الخلف، ولم يجد من طريقة لذلك سوى الدخول في حرب مع القبائل التي وقفت مع الدولة في الحروب الست التي خاضتها ضد الحوثيين خلال السنوات الست الماضية . ويبدو أن مسألة “تصفية الحسابات” التي لجأ إليها الحوثيون في حربهم الأخيرة ضد القبائل التي ساندت الدولة في حربها ضدهم كانت محسوبة تماماً، فالجيش وجد نفسه يدخل في الصراع الدائر بين الحوثيين ورجال القبائل، خاصة أنه لا يريد أن يخسر المواقع التي استعادها من الحوثيين بموجب الاتفاقات الأخيرة، فيما يحاول الحوثيون جر الجيش تدريجياً إلى ساحة المعركة عبر قضم لبعض المواقع الموجودة في مناطق الصراع، خاصة عمران، التي تعد الطريق الذي يربط العاصمة صنعاء بمحافظة صعدة . وتدل المعارك التي خاضها ويخوضها الحوثيون ضد القبائل في كل من صعدة وعمران أن الصراع لن ينتهي طالما لم يتم تفعيل الاتفاقات الموقعة بين الطرفين وتطبيق ما يتم الاتفاق عليه على أرض الواقع، بعيداً عن التفسيرات والتأويلات لهذه الاتفاقات من قبل الطرفين، بالإضافة إلى الدور الذي يجب أن تلعبه لجنة الوساطة وعدم انحيازها لطرف ضد طرف آخر . وقد حركت الاحتجاجات التي قام بها عدد من نواب محافظتي صعدة وعمران داخل مجلس النواب الاهتمام الحكومي بالقضية، خاصة أن النواب المعتصمين داخل المجلس أكدوا أن الأوضاع في المحافظتين قابلة للانفجار في أية لحظة، متهمين جهات داخل الجيش في التهاون والتساهل لجهة عدم حسم الأمور في هذه المناطق، بل إن أحد النواب من صعدة قال إن قادة الجيش يطلبون حماية القبائل لحياتهم إذا ما قرروا النزول إلى المحافظة . وجاءت اعترافات رئيس الوزراء الدكتور علي مجور أمام أعضاء مجلس النواب باستيلاء الحوثيين على مواقع عسكرية ومعدات عسكرية ثقيلة، بالإضافة إلى أسرهم لجنود لتؤكد أن الأوضاع في هذه المنطقة تبشر بعودة الحرب من جديد للمرة السابعة على التوالي، وتعمق جذور الأزمة التي يحاول النظام تجاوزها بمعالجة قشورها . دخول البلاد حرباً جديدة يعني أن وضعاً جديداً سيتخلق في هذه المنطقة، حتى إن لم تعلن هذه الحرب فإن حطبها موجود، وساحتها اتسعت أكثر من أي وقت مضى، خاصة مع تمدد الحوثيين إلى مناطق أخرى غير تلك التي خاضوا فيها حروبهم الست مع الجيش، فبالإضافة إلى ساحة محافظتي صعدة وعمران تبدو محافظة الجوف، وهي محافظة ذات تعقيدات قبلية وسياسية كبيرة، مرشحة لأن تنضم إلى ساحة الصراع، خاصة أن الدولة في صراع الوجود قوّت قبائل ضد قبائل أخرى، وهو ما رسم صورة أخرى من صور التحالف القبلي مع الحوثيين حتى وإن لم يكن رجال القبائل مقتنعين ببرنامج الحوثيين وأهدافهم . span style=\"color: #800000\" تصفية الملعب لم يكن قد جف بعد حبر الاتفاق الأخير الموقع بين القوى السياسية في الساحة، خصوصاً بين الحزب الحاكم والمعارضة، وهو الاتفاق الذي يمنح الحوثيين فرصة كبيرة للبروز في الساحة السياسية، حتى اندلعت المواجهات في حرف سفيان، وأصيب المراقبون للوضع السياسي بالإحباط، خاصة أنه سرت أجواء من التفاؤل بعد توقيع الاتفاق بأن يكون مخرجاً من الأزمة السياسية التي تعاني منها البلاد . ويبدو أن الحوثيين استبقوا جولات الحوار بفرض أجندة خاصة بهم، يؤكدون من خلالها أنهم موجودون على الأرض ليس بصفقة سياسية بل بحضور كبير في مناطق الصراع، لهذا سرّع الحوثيون بتصفية الملعب في هذه المنطقة لمصلحتهم، فبعد أن أزاحوا الشخصيات القبلية، وهي قليلة، التي تساند الدولة بدأوا بتصفية الجيش نفسه في مناطق حرف سفيان، وسيطروا بذلك على كامل مديرية حرف سفيان التابعة لمحافظة عمران، وتحولوا إلى قوة يحسب لها، بعدما أصبحت بأيديهم أسلحة ثقيلة استولوا عليها من مواقع الجيش . ولا يبدو أن الحكومة تريد الدخول في أتون حرب سابعة حتى لا ينهار اقتصادها أكثر مما هو عليه اليوم، وترى مصادر سياسية أن صنعاء تريد المحافظة على حالة “اللا سلم واللا حرب” مع المتمردين الحوثيين، وإن خسرت بعضاً من كبرياء الجيش الذي خاض ست حروب ضد الحوثيين من دون حسم نهائي . ويعتقد المراقبون أن الصفقات السياسية قد تنجح في إقناع الحوثيين بالتواجد في الساحة كلاعب جديد، ويفهم ذلك من التصريحات التي أدلى بها السفير الأمريكي فير ستاين الذي تم ترشيحه لشغل منصب سفير الولاياتالمتحدة في اليمن للفترة المقبلة بدلاً عن الحالي المنتهية فترته “ستيفن سيش” بجاهزية حركة الحوثي للمشاركة مع الحكومة اليمنية على المستوى السياسي في بعض الخطوات التي يجري اتخاذها في الوقت الحاضر. ويقول السفير ستاين خلال جلسة استماع له أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي التي تمت في العشرين من الشهر الجاري، إن واشنطن ستدخل في مرحلة قد تغير فيها التركيز إلى مسار سياسي أكبر، الذي سيساعد في حل بعض هذه الخلافات في البلد، الذي تمزقه الصراعات . ويشير إلى أن سفارة بلاده ستعمل على نبذ البيئة التي تخلق التطرف والتشدد في أي مكان آخر في البلاد، ويقول إن هناك قضايا يتوجب معالجتها في كلٍ من الجنوب والشمال على حد سواء، كاشفاً النقاب عن أن أمريكا ستساعد الحوثيين والجنوبيين على تحقيق تقارب مع الحكومة”. وتحقق هذه الأفكار الأمريكية بعض الرضى لدى الحكومة اليمنية والحوثيين على حد سواء، فالحكومة تريد أن تتخلص من أكبر تحد عسكري تواجهه البلاد اليوم في صعدة، حتى تتمكن من التفرغ للقضايا الأخرى التي لا تقل خطورة عن الأوضاع في صعدة، والمتمثلة في توتر الأوضاع في الجنوب، بالإضافة إلى الحرب ضد تنظيم “القاعدة” الذي صار يتمدد أكثر وأكثر في البلد، وصارت خطورته تتزايد يوماً بعد يوم، خاصة أنه صار يستهدف المؤسسات والمقار الأمنية في مختلف مناطق البلاد . فوق ذلك كله فإن صنعاء ترغب في التوصل إلى تهدئة حقيقية في الفترة المقبلة مع كافة الأطراف، بما فيها الحوثيون وأنصار الحراك الجنوبي، بل وحتى تنظيم “القاعدة” حتى تتمكن البلاد من إجراء انتخابات في السابع والعشرين من شهر إبريل/نيسان المقبل، لأنه من دون إجراء هذه الانتخابات فإن البلاد ستدخل في فراغ دستوري يجعل من النظام غير شرعي، خاصة أن الأطراف السياسية استنفدت التعديلات على الدستور بعد أن توصلت إلى اتفاق فبراير/ شباط من العام 2009 يقضي بتأجيل الانتخابات لمدة عامين . من هنا تبدو معركة السلطة للإبقاء على الأوضاع كما هي محفوفة بالمخاطر، ويخشى معها مراقبون أن تدفع النظام إلى فرض حالة الطوارئ وتعطيل الحياة السياسية برمتها، حتى تتمكن من إعادة الأمور إلى نصابها، وهو خيار أكثر مرارة من الوضع القائم . لهذا السبب كان النظام أكثر مرونة مع خصومه في الاتفاق السياسي الذي وقع مؤخراً، حيث أراد أن يحيد الأطراف السياسية الكبيرة في هذه المعركة من خلال الاتفاق على صفقات تتيح للمعارضة الوجود بشكل أكبر في المشهد القائم، عوضاً عن مناصبتها العداء، فقد أدرك النظام أن استبعاد المعارضة من المشهد طوال السنوات الماضية أضر كثيراً بالحياة السياسية وأوجد حالة من النقمة في صفوفها، والاستمرار في نفس السياسة يولد جواً مشحوناً خلال الفترة المقبلة، والتي تقترب فيها البلاد من إجراء الانتخابات التشريعية بعد نحو ثمانية أشهر من الآن . مع ذلك فإن الاتفاق، إن لم يفعّل على أرض الواقع، فإنه سيتحول، كما تحولت اتفاقات سابقة، إلى مادة للتجاذبات السياسية، وقد يدفع ذلك القوى السياسية إلى إعادة تحالفاتها من جديد في ظل معطيات جديدة تجعل من هذه التحالفات أكثر ضرراً بالاستقرار والسلام في البلد ككل . لهذا يطالب الكثير من السياسيين بضرورة أن يتحرك الموقعون على الاتفاق لاتخاذ خطوة إضافية تشيع أجواء التفاؤل في أوساط المواطنين بأن الأوضاع المتدهورة اليوم يمكن السيطرة عليها، وعوضاً عن السجالات السياسية التي تصطدم بالواقع السيئ الذي تعيشه البلاد على وقع المواجهات الدامية في صعدة وعمران وتوتر الأوضاع في المناطق الجنوبية من البلاد، والمواجهات المستمرة مع تنظيم “القاعدة” حيث يجب أن يتحرك الجميع نحو تطبيق ما تم الاتفاق عليه، حتى وإن لم يلب طموح قوى سياسية بعينها . الأمر لم يعد يحتاج إلى تأخير، فكلما تأخرت الحلول صارت الأوضاع أكثر سوءاً، ويجب على كل طرف ألا ينتظر تنازلاً من الآخر بقدر ما يجب أن يبادر الجميع إلى اقتراح الحلول، والأهم الأخذ بها لإنقاذ البلاد من دوامة المجهول .