هل حل السلام في صعدة، وهل حان الوقت لتحول السلطة، ومعها الحوثيون، اتفاقهما بعد الحرب التي خاضوها في صعدة وعمران التي دامت ستة أشهر، إلى أمر واقع وإلى حقيقة ينتفع منها سكان مناطق القتال الذين اكتووا بنيران الصراع، أم أن ما يحدث اليوم هو عبارة عن فرصة لالتقاط الأنفاس وعودة الأزمة من جديد؟ الكثير من المراقبين يرون أن الصراع الذي دام لستة أشهر، هي طول فترة الحرب السادسة التي شهدتها ثلاث مناطق هي صعدة، عمران والجوف، كانت كافية لإقناع طرفي الحرب بأن حسم الخلافات بينهما لن يكون بواسطة السلاح، بل بالاعتراف بالواقع وبحجم الخسائر التي ألحقتها الحرب بقوى الطرفين، وقبل ذلك بالمفاوضات التي غادرت العقل خلال السنوات السابقة وحل محلها السلاح . السؤال الذي يبرز اليوم، هل تكون الظروف الجديدة مواتية لصنع سلام حقيقي بين السلطات في صنعاء والمتمردين الحوثيين، الذين يثبتون مواقعهم في صعدة، أم أن حرباً سابعة ستكون عنوان المرحلة المقبلة، والتي إن اندلعت فإنها سوف تقضي على أمل بقاء اليمن موحداً؟ بعد أيام قليلة من انعقاد المؤتمر الدولي حول اليمن، والذي انعقد في العاصمة البريطانية لندن، تحركت عجلة المساعي السلمية لإيقاف الحرب في صعدة، فقد كان المانحون في مؤتمر لندن حريصين على أن تغلق صنعاء الملفات المفتوحة، والتي تشكل نزيفاً دائماً للبلد، ومن بينها الحرب الدائرة في صنعاء مع المتمردين الحوثيين والاحتجاجات المتصاعدة في الجنوب الداعية للانفصال، والتفرغ لمعالجة ملف الحرب على تنظيم “القاعدة” والتنمية في بلاد وصفتها تقارير غربية بأنها دولة في طريقها إلى الفشل، إن لم تكن فاشلة فعلاً، بحسب أكثر التقارير تشاؤماً . ومنذ عودة الطاقم الوزاري الذي حضر مؤتمر لندن، بدأت عجلة المساعي السلمية تتحرك باتجاه إغلاق ملف الحرب في صعدة، قابلتها استعدادات من قبل المتمردين الحوثيين للتعاطي مع بعض المطالب الدولية بإنهاء هذا الملف . وجاء المؤتمر الصحافي للدكتور عبدالكريم الإرياني، المستشار السياسي للرئيس علي عبدالله صالح، ليؤكد جدية صنعاء في إغلاق الملف، حيث أعلن عن مقترحات لتطبيق آلية لوقف إطلاق النار في صعدة، قبل أن يعلن الرئيس صالح وقفاً للعمليات العسكرية في صعدة وعمران، والذي تلقفه المتمردون الحوثيون، وأعلنوا استعدادهم للتعاون مع السلطات الرسمية واللجان المشرفة على تنفيذ آلية وقف النار . ويرى مراقبون أن مساعي الحكومة اليمنية لطي صفحة حرب التمرد في صعدة وعمران، مع ما خلفته آثارها من خسائر، وهي الخسائر التي طالما أرهقت الجميع، تبدو اليوم مواتية كثيرا قياسا إلى الجولات السابقة لكنها محاصرة بتحديات تضع صنعاء أمام خيارات بالغة التكلفة، ليس اقلها الحاجة إلى تبني مشروع مارشال لإعادة بناء ما دمرته حروب التمرد الست، بخاصة في محافظة صعدة التي طالت آثار الحرب معظم سكانها وبنيتها التحتية . وهناك من يرى أن جهود السلام التي تبناها طرفا الأزمة بدت هذه المرة مدعومة بشروط موضوعية داخلية وخارجية قد تكون ضامنة هذه المرة “لإغلاق ملف حرب صعدة” بصورة نهائية، كما عبر عن ذلك مسؤولون يمنيون كثر . وفي الداخل، فقد أدى استمرار القتال من دون حسم نهائي وسريع إلى تفاقم الآثار الاقتصادية والأمنية للحرب؛ فضلا عن الآثار الإنسانية، وخصوصا مع تنامي أعداد المدنيين المتضررين وتدهور أوضاع النازحين في المخيمات وخارجها وعدم قدرة الحكومة والمنظمات الدولية على استقبال ومساعدة المزيد من النازحين . وعلى الرغم من أن حرب التمرد مستمرة بصورة متقطعة منذ العام ،2004 إلا أن الآثار السلبية والكارثية للحرب بدت بوضوح في جولتها السادسة من خلال الهزات العنيفة التي تعرض لها الاقتصاد الوطني الذي يعاني أصلا من اختناقات، زادت منها الفواتير اليومية التي تكبدتها الخزينة العامة لتسيير ما عرف باسم “الجيش الشعبي” الذي خاض موجات قتال عدة مع الجيش ضد المتمردين الحوثيين في مناطق عدة . أما على الصعيد الخارجي، فقد أدى الموقف الرافض للحل العسكري للأزمة إلى ظهور مبادرات ضغوط من قبل العديد من الدول الأوروبية التي جهدت في الأسابيع الماضية لحمل صنعاء على وضع نهاية للحرب في سياق ترتيبات لم تكن بعيدة عن تهيئة هذا البلد لمواجهة التحدي الأكثر خطورة المتمثل بتنظيم “القاعدة” . span style=\"color: #800000\"فرص السلام ثمة إجماع لدى المسؤولين في اليمن على أن فرص السلام من دون وسيط خارجي جعلت هذا الخيار بالنسبة للحكومة باهظ التكاليف ؛ فالخراب الذي أحدثته ست جولات من الحرب كان كبيراً، كما خلفت الحرب قوائم طويلة من الضحايا مدنيين وعسكريين يتجاذبهم الحديث اليوم عن تعويضات بخزينة مال فارغة . وبحديث الأرقام، فإن حصيلة الخسائر المدنية التي طالت السكان تشير إلى زهاء سبعة آلاف منزل دمرت خلال الجولات الأخيرة للحرب؛ فضلا عن عشرات المدارس والمشافي والمرافق التي تحولت إلى ركام، في حين أن الشرخ الذي أحدثه الحروب الستة في عمق النسيج الاجتماعي في هذه المناطق لا يزال التحدي الأكثر تكلفة . هذه الأعباء لم تكن كل شيء، فالوديان والصحارى الخالية لاتزال تحتضن زهاء 250 ألف مدني شردتهم الحرب بعدما تركوا قراهم بحثا عن مكان آمن في مخيمات النازحين، ناهيك عن آلاف المشردين الذين تقطعت بهم السبل في مناطق الشريط الحدودي مع المملكة العربية السعودية ومناطق جبلية بالغة الوعورة . ذلك ما دعا البعض إلى التأكيد على أن تفاقم أعباء وآثار هذه الحرب كان الوسيط الأبرز الذي دفع طرفي الأزمة إلى التنازل عن شروط طالما عطلت مسيرة الحل السلمي، بل وأجبر الجميع على وضع السلام كخيار وحيد لأنها دوامة حرب أثقلت الجميع . ورغم الآمال التي عبر عنها مسؤولون كبار بإغلاق هذا الملف نهائياً، إلا أن فرص السلام لا تزال حتى اليوم مهددة من جانب قوى محلية وخارجية تدفع باتجاه عودة الأطراف إلى مربع الحرب بحسابات وثارات سياسية ومذهبية . من هنا يخشى اليمنيون أن تحصل بعد هذه الآمال انتكاسة لعملية وقف إطلاق النار في صعدة، فمثل هذه الانتكاسة ستكون لها تأثيرات كبيرة في الوضع كله، إذ إن الوقع يقول إن الطرفين سيستخدمان كل ما يمتلكانه من إمكانات كل لتدمير الآخر، وستجد البلاد نفسها أمام تطور خطير يجب تجنبه بكافة الوسائل . ويرون أن الجانب المطمئن الوحيد في القضية أن الخارج يضع مطرقته على رأسي الطرفين لوقف الحرب التي استنزفت مقدرات البلاد اقتصادياً وبشرياً، فدول العالم تدرك أن استمرار الصراع سيؤدي إلى خلق بؤر صراع جديدة تؤثر في استقرار المنطقة والعالم، وتحذير وزير الخارجية الدكتور أبوبكر القربي من خطر تنظيم “القاعدة” على أمن واستقرار العالم يجب أن يؤخذ بجدية، والعالم لا يريد أن يبقى متفرجاً حتى يتمكن “القاعدة” من السيطرة على مساحة كبيرة من اليمن ويتحول إلى قوة لا يمكن قهرها . لذلك، فإن على صنعاء والحوثيين إدراك أن هذه هي الفرصة الأخيرة لإعادة البلاد إلى سكة الإصلاحات من جديد، وعلى الدولة أن تنهي ملف صعدة بأسرع وقت ممكن، والاتجاه جنوباً لمعالجة ملف لا يقل خطورة عن ملف صعدة، وهو ملف الدعوات المتصاعدة لانفصال الجنوب عن دولة الوحدة، ويجب على صنعاء عدم الاستهانة أبداً بهذا الملف، كما استهانت قبلاً بملف صعدة، فقد تحول التمرد في صعدة من مجرد مطالب صغيرة يقودها أشخاص معدودون إلى مطالب أكبر تقودها مجاميع تعد بالآلاف، وتحولوا إلى قوة كبيرة وحقيقية على الأرض . وسيكون على صنعاء والمتمردين أن يثبتوا للشعب الذي عانى من هذه الحرب أن وقف إطلاق النار حقيقة وليس مناورة لالتقاط الأنفاس والاستعداد لجولة قادمة من الحرب يخشاها الكثير من المواطنين اليمنيين، وعلى الطرفين أن يثبتا أن هذه المرحلة هي نهاية حرب وليست بداية سلام قد يتلاشى مع أول اختبار جدي لتطبيقه . ويقول وزير الخارجية الدكتور أبوبكر القربي إن كل اليمنيين، وعلى رأسهم الرئيس علي عبدالله صالح، يأملون أن تكون هذه هي الحرب الأخيرة، وأن الجهود الآن ستنصب على إحلال السلام، وعلى إعادة الإعمار والتنمية في المنطقة . span style=\"color: #800000\"ترحيب داخلي وخارجي وقف الحرب في صعدة لقي ترحيباً داخلياً وخارجياً، فالمعارضة المنضوية في إطار اللقاء المشترك سارعت إلى الترحيب بقرار وقف إطلاق النار، واعتبرت أن وقف الحرب كان قراراً صائباً نظراً للدمار الذي ألحقته على الوضع في البلد ككل، وقالت إن ذلك كان موقف المعارضة منذ اليوم الأول لاندلاعها العام 2004 . وكان العلماء قد انضموا إلى ركب المؤيدين للقرارات الحكومية التي أسفرت عن وقف الحرب، وأعلن العلماء مباركتهم لمبادرة السلام وقرار وقف الحرب في محافظة صعدة وحرف سفيان، وأشار بيان صادر عنهم إلى تأييدهم ودعمهم المطلق لكل جهود السلام ومعالجة كل الأزمات بالحوار السلمي والتفاوض المباشر للخروج بالبلاد من أزماتها وإحلال الأمن والاستقرار في البلاد . ودعا بيان العلماء كل أطياف المجتمع المدني والأحزاب السياسية وكل العلماء والعقلاء والشيوخ والقادة إلى الوقوف صفاً واحداً في دعم كل ما من شأنه إيقاف نزيف الدماء وضمان أمن المجتمع وسلامته وعدم تفويت هذه الفرصة العظيمة، كما تم الإعلان عن تشكيل لجنة لدعم عملية السلام والتعاون مع كل مخلص يريد الخروج بالبلاد والعباد من نار الفتن، بحسب البيان . خارجياً، رحبت الأممالمتحدة بقرار وقف إطلاق النار، وجاء موقفها عبر تصريح لأمينها العام بان كي مون، وقبلها رحبت روسيا والصين واليابان، بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية، وذلك على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل . وانضمت واشنطن إلى قائمة المرحبين بالقرار الذي وضع حداً للعمليات العسكرية وتشكيل لجنة وساطة ممثلة من كل الأحزاب للإشراف على عملية الالتزام بشروط إطلاق النار والشروع في العملية الفورية للمصالحة وعملية إعادة الإعمار اللازمة لإنهاء هذا الصراع بشكل دائم . وبحسب وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون فإن الولاياتالمتحدة تؤيد يمناً موحداً، مستقراً، ديمقراطياً ومزدهر . وعكست هذه المواقف حرص الأطراف الخارجية، سواء كانت الإقليمية أو الدولية، على أهمية تجاوز اليمن لأزمة الحرب في صعدة، قبل أن يتجه لمعالجة الأوضاع المختلة في الجنوب، فهذا الملف لا يزال مفتوحاً، وعلى صنعاء أن تدرك أن استقرار البلد مرتبط بمعالجة هذا الملف في ظل الزخم الدولي الداعم للحكومة اليمنية في هذه الفترة . span style=\"color: #800000\"إعادة إعمار التحدي الأكبر أمام السلطات اليمنية اليوم يتمثل في إعادة إعمار المناطق التي نكبت بالحرب خلال السنوات السابقة، وليس فقط خلال الحرب الأخيرة، فمنذ اندلاع الحرب العام ،2004 والبلد لم يشهد أي نوع من الاستقرار . ويشير الكثير من المتابعين إلى أن الحرب دمرت البنية التحتية لمحافظة صعدة، وشردت مئات الآلاف من سكان المناطق التي شهدت حرباً ضروساً طوال السنوات الست الماضية، بالإضافة إلى خسائر في الاقتصاد الوطني، حيث تعد صعدة واحدة من أهم المحافظات الزراعية، وقد تضرر اليمن كله، وليس فقط صعدة من جراء الحرب ؛ فضلاً عن سقوط الآلاف من القتلى والجرحى، الذين توزعوا على خارطة صعدة وعمران والجوف من العسكريين ورجال القبائل، بالإضافة إلى مقاتلي حركة تمرد الحوثي . ويبرز تحدي إعادة الإعمار أمام القيادة اليمنية كواحد من الاستحقاقات التي يجب أن يحارب اليمن من أجلها في المؤتمر الذي من المقرر عقده في الرياض خلال الثاني والعشرين والثالث والعشرين من شهر فبراير/شباط الجاري بحضور العديد من الدول المانحة، حيث دعا الوزير القربي الدول الشقيقة والصديقة إلى الإسهام في إعادة إعمار صعدة بعد إعلان وقف الحرب . وأوضح القربي أنه بعد انتهاء الحرب الخامسة مع المتمردين الحوثيين في يوليو/تموز 2008 أنشأت الحكومة صندوقا لإعادة إعمار صعدة، لكن استمرار الحرب وعدم الاستقرار في البلاد لم يسمح بإعادة الإعمار . وقال إن الالتزامات المالية على الحكومة في هذا الصدد ستكون أكبر، لكنه قال إن هذا لا يعفيها من السير في طريق إعادة الإعمار، ومن تحديد أولوياتها، والطلب من الدول الشقيقة والصديقة أن تُسهم مع اليمن في إعادة الإعمار .