span style=\"color: #ff0000\"حياة عدن عندما وصلت «فلونا جِب» إلى اليمن بوصفها نائبة لسفير بريطانيا ، توقعت أن تكون مهمتها أكثر هدوءاً من مهمتها السابقة في العراق. وما هي إلا سبعة أشهر، حتى وقعت محاولة لاغتيالها، حيث تتخوف جِب من تنامي خطر جناح القاعدة في اليمن. لم تعد السيدة فلونا جِب نائبة السفير البريطاني في العاصمة اليمنية صنعاء تعرف شيئاً اسمه يوماً روتينياً، فآخر يومٍ روتيني لها كاد أن يودي بحياتها. في صبيحة أحد الأيام في مطلع أكتوبر وهي متجهة للعمل كانت سيارتها المدرعة مسرعة في مسار مزدوج عندما مرت بشخصين من مرتزقة القاعدة تظاهرا بأنهما عاملا نظافة على قارعة الطريق. استل الرجلان - اللذان يعتقد أنهما كانا يراقبان تحركات السيارات ذات اللوحات الدبلوماسية- قاذف صواريخ من تحت كيس للقمامة وباشرا بإطلاق النار. «سمعت ضوضاء رهيبة في مؤخرة السيارة، تطاير النساف الخلفي للسيارة كاملاً وانخلع إطارها الخلفي فأصبحت تسير بإطار معدني مجرد» هذا ما قالته السيدة جب التي قدمت إلى صنعاء من البصرة الممزقة بفعل الحرب. وأضافت: «لقد حالفنا الحظ كثيراً فالهجوم لم يود بحياتنا جميعا.» حمل الهجوم بصمات جناح القاعدة في جزيرة العرب، وهو الفصيل الجديد لتنظيم القاعدة في اليمن، الذي توعد «بقتل الصليبيين العاملين في السفارات» علاوةً على إرساله طرود مفخخة في أكتوبر وهجومه الفاشل على متن طائرة في عيد الميلاد الماضي نفذه عمر فاروق عبد المطلب الذي أضحى يعرف «بمفخخ السروال». بسبب ماضي بريطانيا الاستعماري في اليمن ودورها الحالي في أفغانستانوالعراق، ثبت أن «الصليبيين» من الجنسية البريطانية هدف مفضل. فقبل شهر من وصول السيدة جب إلى صنعاء، كان السفير المنتهية ولايته، تيم تورلوت، قد عايش موقفاً مماثلاً نجا منه بصعوبة وذلك عندما ألقى مفجر انتحاري متنكر بزي مدرسي نفسه ملقيا جسده نحو سيارته. ويعني ذلك في الواقع أن الحياة الدبلوماسية في صنعاء – تلك المدينة الخلابة المحاطة بالجبال والتي تعد مدينتها القديمة ذات اللون البني من مواقع التراث العالمي بتصنيف اليونسكو – صارت أكثر شبهاً بالحياة الدبلوماسية في بغداد وكابول. فمبنى السفارة البريطانية نفسه- بوصفه ظاهرة من المجمعات المحصنة التي انتشرت عالميا عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر- مغلق حالياً أمام عامة الناس، كما تم نقل 9 من أصل 24 موظفاً من طاقم السفارة البريطاني إلى لندن. أما من بقي من موظفي السفارة فيقسمون أوقاتهم بين السفارة ومقرٍ احتياطي جديد في مكان آخر في العاصمة وينوعون طرق تنقلاتهم اليومية ليصبحوا هدفاً أصعب من ذي قبل. ومع ذلك، يقوم طاقم السفارة الأمني بتدوين تنقلاته على ما أطلق عليه على سبيل الفكاهة «سبورة الموت البيضاء». تقول السيدة جب: «لن تهزمنا تلك الهجمات، فلدينا عمل مهم ينبغي إنجازه هنا. « «قد يكون تحدياً أمام الإرهابيين أن يأتوا وينالوا منا ثانية، لكننا لن ننثني.» إن نوعاً من التفاؤل العنيد يسهل تصوره في التعامل مع بلد كاليمن، ترى فيه الاستخبارات البريطانية إم16 أنه يشكل الآن تهديداً إرهابياً كبيراً وتصفه وزارة الخارجية البريطانية بأنه «مُضاعف إقليمي محتمل لعدم الاستقرار « - وشاهد على الدولة الفاشلة في طور التكوُّن. لا يشكل مقاتلو القاعدة، الذين تصلبت أفكارهم في العراق وهم بضع مئات، والذين أعادوا تنظيم صفوفهم في الوديان الجبلية النائية، سوى إحدى مشاكل اليمن هذا البلد الأفقر بين سائر بلدان العالم العربي. وبخلاف جاره الشمالي الثري، السعودية، يبلغ عدد سكان اليمن 24 مليون نسمة يعيشون بمتوسط دخل 3$ دولار للفرد يومياً، ومعدل بطالة 35%. ويشكل معدل التعليم في اليمن واحداً من أقل المعدلات في الشرق الأوسط - قرابة 50%- في الوقت الذي تمثل فيه معدلات المواليد الأعلى، ما يشعل صراعات لا يخبو أوارها على الأراضي والمياه في مناطقها القبلية النائية التي يحكمها- كما هو الحال في أفغانستان- شيوخ عشائر وجحافل من أتباعهم المسلحين. ومن المتوقع أن يتدنى في العقد القادم أيضاً المخزون النفطي للبلد الذي يفترض أن يكون قد خلف وراءه نمط عيش رغيد على غرار ذلك الذي تستمتع به دول الخليج الأخرى، لكنه قد ينضب قبل أن يكون ثمة شبكة طرق أو شبكة مدارس مناسبة. أضف إلى ذلك حرب انفصال في الشمال والجنوب وعشرين سنة من حكم الرئيس صالح ليس فيها ما يُفاخر به إلا ما يرتقي ربما إلى مؤشر ناصع على ديمقراطية زائفة وفاسدة تطمح قاعدة جزيرة العرب أن تستبدلها بنظام الخلافة القروسطي. «يقول صالح محمد، البالغ من العمر 45 عاماً، والذي يعمل تاجراً في صنعاء «لم يعد هنا أي مستقبل يذكر أبداً». «ينبغي على كل فرد أن يغادر إذا ما سنحت له الفرصة. حتى عندما أذهب إلى الخارج أواجه مشكلة الاشتباه الدائم بسبب تهديد الإرهاب. وهذا يجعل المرء يخجل من كونه يمنياً.» تقضي السيدة جب جل وقتها في متابعة ملف أصدقاء اليمن، وهو تكتل لعدد من الحكومات أُنشئ في يناير للحيلولة دون تحول اليمن إلى أحد الملاجئ الجديدة الآمنة للقاعدة. تلعب مجموعة أصدقاء اليمن التي تقودها بريطانيا دور النظير الدبلوماسي المسؤول عن فترات التجريب الوظيفي: فعلى سبيل المثال، تقدم وزارة الخارجية البريطانية 50 مليون جنيه إسترليني كمساعدات هذا العام، كما تعمل على تدريب وحدات لمكافحة الإرهاب، لكنها أوضحت بأنها تتوقع من الحكومة اليمنية أن تحسن من أدائها في المقابل. وهذا لا يعني فقط التضييق على القاعدة، التي لطالما رشاها الرئيس صالح مقابل التزامها الصمت، بل يعني تحسين حياة المواطنين العاديين الذين يتولد تعاطفهم مع القاعدة – إن وجد- من الازدراء المشترك للحكومة المركزية. تقول السيدة جب أثناء اجتياز سيارتها التي يقودها شرطي يمني مدرب في بريطانيا وسط حركة السير العشوائي بصنعاء «إن دورنا يتمثل في حشد الضغوط لاتخاذ إصلاحات جادة، وإجراء حوار في الشمال والجنوب، وحل مشاكل الأمية والفقر والبطالة.» «الفقر بذاته ليس مسبباً للتطرف، لكنه مكون رئيسي له، ونحن لا نطيق رؤية اليمن وهي تفشل – فقد يزعزع ذلك استقرار المنطقة بأكملها.» أصبحت سيدة بريطانيابصنعاء المولودة في جلاسكو دبلوماسيةً بالصدفة على الأرجح. فقد كانت تنوي أن تعمل مراسلة صحفية في الخارج غير أن المطاف انتهى بها إلى أن تتقدم بطلب توظيف في وزارة الخارجية لأن طابور المتقدمين في جناح الوزارة من الخريجين المطالبين بالتوظيف كان أقصر من طابور المتقدمين «للبي بي سي». ومع ذلك، ومنذ ذلك الحين حظيت جب بفرصة كافية لدراسة الصراع عن قرب. فبعد ثلاثة أعوام قضتها في مجال مكافحة الإرهاب، أمضت 2008-2009 في البصرة، فقد سكنت في مجمع بالمطار حيث تتساقط القذائف ليلا ونهارا. تقول جب «اعتقدت بأن اليمن أقل صعوبة إلى حد ما.» لم يروعها حادث إطلاق الصاروخ بحد ذاته، فقد أمضت بقية يومها في العمل وشعرت ببعض نوبات التوتر في طريقها إلى المنزل تلك الليلة. لكنها لا تخفي خشيتها من أن تقوى شوكة قاعدة جزيرة العرب على المدى المتوسط وأن يزداد الخطر على الأجانب في اليمن. وتسببت المخاوف الأمنية المتزايدة بالفعل بإغلاق النادي البريطاني، وهو ملحق ترفيهي على أرض السفارة خاص بأعضائه، وكان فيما مضى واحداً من الحانات القليلة في صنعاء. وخلال اجتماع لها نهاية الأسبوع الماضي مع حراس بريطانيين- يعملون ضباط اتصال مع بقية المغتربين في اليمن – قامت جب بمراجعة خطط التواصل في حالة الطوارئ الشديدة. وحذرت الحراس قائلة: «هناك خوف من أن تفسد الأمور». «ترى بعض دول الاتحاد الأوروبي أننا نبالغ في ردة الفعل، لكننا نعتقد أن الوضع قد يسوء قبل أن يتحسن.» هذا صحيح، وفي ظاهر الأمر، لا يبدو أن لتنظيم قاعدة جزيرة العرب قوة كبيرة. ففي ثمانينيات القرن الماضي تطوع آلاف اليمنيين لمحاربة الاتحاد السوفيتي، يدفعهم لذلك جزئياً غيظهم من دعم موسكو للنظام الماركسي في جنوب اليمن آنذاك. ولكن التأييد لأي حركة جهاد في عصرنا الحديث ضد الغرب محدود، كما لا يبعث ذكر قاعدة الجزيرة لدى معظم سكان صنعاء إلا على الغضب. فيحيى الحنق مزارع مسن يتأمل لواصق عن المطلوبين على ذمة القاعدة معلقةً خارج المسجد الرئيسي للمدينة القديمة قائلاً: «إن مجرمي القاعدة هم أعداء الإنسانية». ويضيف «إنهم يشوهون صورة الإسلام، ونحن نكرههم.» لكن الموقف في صحارى وجبال المحافظات القبلية خارج العاصمة أكثر تبايناً. فلزعماء القبائل هناك تاريخ طويل في إيواء الجماعات المحظورة، ظاهرياً لأجل احترام عرف الضيافة القبلي، وواقعياً لابتزاز الحكومة المركزية لكي تقدم تنازلات. خذ على سبيل المثال، الشيخ عبد الله الجميلي، الذي خاضت قبيلته «ذو محمد» صراعاً طويلاً على النفوذ مع الأقلية الشيعية في اليمن «الحوثيين». قال الشيخ الجميلي لصحيفة «الصاندي تلغراف» إنه مالم تدفع حكومة الرئيس صالح دعماً إضافياً لجيشه الخاص المؤلف من 7000 مقاتلاً فسيضطر لاستدعاء تنظيم القاعدة، والذي سيقبل أتباعه السنيون بمقاتلة الشيعة دون مقابل وعن طيب خاطر. ويقول الجميلي «نحن لا نؤيد فكر القاعدة، لكن عدو عدوي صديقي.» «إذا كانت القاعدة ستساعدنا على مواجهة السرطان الحوثي، فإن أبناء قبيلتي سيرضون بهذه المساعدة.» ينظر معظم المسؤولين الحكوميين في اليمن إلى تلك التهديدات على أنها مجرد خطابات مدروسة أكثر من كونها علامة على أن راية القاعدة سترفرف في أراضي قبيلة (ذو محمد). وعلى الرغم من هذا كله، وفي مجتمع اشتهر بحمية الحرب في أرجاء العالم العربي، فالخوض في قضية معينة – أي قضية- غالباً ما يعد نشاطاً صحياً لشباب القبيلة المتقد حماساً. «في بعض المحافظات لا توجد أعمال البتة،» هذا ما يقوله خالد أحمد المولد الذي يعمل في مكتب الإغاثة الإسلامية، وهي مؤسسة خيرية بريطانية تشارك في مشروع لمنع الصراعات في المناطق القبيلة بتمويل بريطاني.» «لكن إذا عكف الشباب على مضغ نبتة القات المخدرة طيلة اليوم، فسيُعيّرون بأنهم مثل ربّات البيوت. إذن فهم ينتظرون من يأتي إليهم بفكرةٍ ما وحينها سيسرهم الاشتراك فيها، كي يحضوا بالاحترام.» وهنالك اعتقاد بأن هذه البيئة المتقدة هي مكان اختباء أنور العولقي اليمني الأمريكي «الواعظ عبر موقع اليوتيوب» الذي استلهم عبد المطلب ومئات الجهاديين الآخرين في أرجاء العالم ومنها بريطانيا أفكاره. ويضغط الغرب على الحكومة اليمنية للقبض عليه، لكن – من خلال خبرة السيدة جب الحالية في قدرة الحكومة أو رغبتها في العمل على القضايا السياسية الحساسة كهذه - يبقى الأمر محل تساؤل. ومن ضمن مهامها الأسبوع الماضي قامت جب بزيارة إلى وزارة الخارجية اليمنية للضغط بشأن قضية فاروق عبد الحق، وهو طالب يمني يبلغ من العمر 21 عاماً متهم باغتيال الطالبة النرويجية مارتن فك ماجنوسن في لندن عام 2008. وهو ابن شاهر عبد الحق، التاجر الذي تربطه صلات بالرئيس صالح. وقد عُلم عنه اختباؤه في منزل لعائلته في جنوب اليمن، وعلى الرغم من صدور أمر قهري في أوروبا بالقبض عليه، فإن اليمن مازالت ترفض تسليمه. «الأسرة ثرية وذات نفوذ والرئيس صالح لا يبدو أنه يرتضي تسليمه،» ذكرت ذلك السيدة جب التي قدمت الأسبوع الماضي ورقة «إجراء دبلوماسي» – خطاب دبلوماسي رسمي – يكشف عن اهتمام حكومتي النرويجوبريطانيا بالقضية. وتضيف جب: «لن نتخلى عن هذه القضية، ونتوقع أن تسلم الحكومة والعائلة هذا الفرد لكي يمثل للمحاكمة.» وبالنسبة لإمكانية تسليمه من عدمها فهذه مسألة أخرى. فعلى الرغم من موقف بريطانيا «موقف الحب الخشن»، إلا أنها بصفتها «صديق لليمن» لن توقف الدعم على ذمة قضية ماجنوسن. فالحاجة إلى تثبيت استقرار اليمن ودحر خطر الإرهاب تشكل أولوية أكبر. « لا تريد الحكومات زيادة الضغط على اليمن لتقدم نتائج،» هذا ما تقوله السيدة جب بعد أن عادت سيارتها المدرعة إلى منزلها وخلعت الدروع الملفوفة على جسدها. وتختتم: «لكن الحكومات لا يمكنها أن تتخلى عن هذا البلد. ولعل الرئيس صالح يدرك هذا.»
span style=\"color: #800000\"* ترجمة/عبد الرحمن خالد ترجمة خاصة ب«الصحوة»