المشكلة في اليمن عميقة ومتجذرة، شخصيا بت مقتنعا أنها كامنة في الوعي أو اللاوعي، سيان، ما يهمني أنها مشكلة ثقافية بدرجة رئيسية، تناسلت منها مشكلات عديدة،اقتصادية وسياسية واجتماعية..وإذا ما عجزنا عن اكتشاف الداء سنعجز بكل تأكيد عن اكتشاف الدواء. منذ عقود أربعة واليمن بشماله وجنوبه يدور في حلقة مفرغة من الصراع, اللافت أن هذا الصراع على تنوعه،يتخذ من خارجه شكلا مبهرا ومغريا، ومن داخله يكشف عن أزمة حقيقية منزوعة القيم أو لا قيمة لها. صراع بلاقيمة..لا يمكن إلا أن يكون نابعا من حياة بلاهدف، بلا معنى جميل.إن النتيجة الحتمية لأي صراع بلا مضمون حقيقي هو الفراغ..الفراغ الذي عشناه طويلا هو محصلة منطقية لإخفاقاتنا المتكررة في بناء الدولة.إن غياب الدولة كان وما يزال سبب رئيس لطغيان نزعة السلطة. هل ما يزال اليمن فعلا يعيش أزمة سلطة؟ هل الدولة وسيلة (شعار) لدى القوى السياسية للوصول إلى السلطة أم أنه بمقدور الثورة تصحيح المفاهيم وتركيب المعادلات بعد تفكيكها لتصبح السلطة وسيلة لبناء الدولة التي بمقدورها تحقيق تطلعات الناس في المواطنة والشراكة والعدالة والفرص المتكافئة؟ فيما مضى؛ غابت الدولة، لأن السلطة كانت غاية المتصارعين،كل طرف يرى أنه الأحق بها والأجدر بالوصول إليها من غيره ولا يهم إن كان هذا أو ذاك يمتلك مشروعا لبناء الدولة أم لا، الأهم هو توفر أدوات الصراع وفي مقدمتها أتباع مطيعون ليس لديهم قدرة على مقاومة بريق الشعارات. المدنية أسلوب حياة، وسلوك متبع، وقناعات راسخة، ليست مجرد مواد تدرس، أو شعارات ترفع، أو قبضة سلطة..الدولة المدنية المنشودة مرهون تحققها بالتخلي عن أمراض عديدة موروثة ومتأصلة تشبه تلك التي جعلت من السلطة غاية، والصراع الذي يتخذ أشكال عصبوية وسيلة في الوصول إليها. نريد حلا في اليمن،حلا جذريا لأزمة السلطة ومشكلة غياب الدولة،حلا يشبه الثورة المستمرة.. الثورة "المدنية" هي الحل بكل تأكيد.