تفتقد اليمن اليوم الى شخصيات عامة ومؤثرة, كان لها الدور الأبرز في قيادة عجلة الوطن , وتحريك الدفّة الوطنية قدماً الى الأمام , وافتقر الوطن كثيراً الى مثل هؤلاء الذين -وان وجدوا بحق- لكانت اليمن في افضل حال تمضي قدما الى مرافق الخير ومرافئ التقدم , ومن هؤلاء الأستاذ يحيى أحمد الوشلي -رحمة الله- الذي مات شهيدا وهو يؤدي واجبة الارشادي والدعوي الوطني في حادث سيارة مروع من العام 1991وهو عائد الى صنعاء متأثراً بجراحة بعد الإصابات العديدة التي مني بها جراء الحادثة الأليمة , حين خرج يومها في مهمة ارشادية دعوية خيرية الى إحدى قرى مدينة يريممسقط رأسة , حيث دأب على الأعمال الخيرية وبناء المدارس والجوامع ومساعدة الفقراء والمساكين والمحتاجين , وساهم بشكل مباشر في تلك الفترة الزمنية المعقدة من تأريخ اليمن في رسم معالم الطريق لأكثر الشباب ورواد النهضة حينها وإصلاح المجتمع, ونشط بشكل بارز في الوفود الخارجية التي مثلت اليمن في المحافل والمؤتمرات الدولية , وكان له دوراً بارزاً في القضاء ووزارتي العدل والأوقاف بحكم منصبه وعمله فيها آنذاك . ومن حالفه الحظ –حينها- و عرف العلامة الشهيد وعاشرة عن قرب ورافق مسيرتة المشهودة بالخير والعطآء , يجد روح التسامح والألفة وحكمة المنطق وسلامة الفكر ووضوح الرؤية وبلاغة الحديث وسدادة الرأي والمشورة وحسن الخلق , وكثير من الصفات الحسنة والقيادية التي تحلى بها رحمه الله , جعلته محط انظار الكثيرين وقدوة يقتدى بها , ومثالا عاليا يحتذى به , وملك قلوب الكثيرين من أحبائة وجيرانة واقاربة وطلابة , خاصة خلال تلك الفترة الزمنية التي مرت بها اليمن من أحداث وتحولات تأريخية مؤثرة في الواقع اليمني لما لعب فيها الأستاذ يحيى الوشلي -رحمة الله- أدوارا كبيرة ومؤثرة في منعطفات تأريخية صعبة وهامة بعد الوحدة اليمنية وشروع بوادر الخلاف بين اقطاب العمل السياسي آنذاك, كان صوته ضمن الأصوات النادرة مع مجموعة من الخطباء والدعاة وحملة الفكر والعلوم والآداب ممن نادوا مرارا وتكرارا بوحدة الصف والتوحد والإلتفاف الى الوطن والتعايش السلمي تحت المظلة الوطنية , ونبذ الخلافات وجمع الطاقات وتوجيهها الى الطريق الصحيح , ودعا في جميع مواعظة وارشاداتة وخطاباتة البليغة الى وحدة الصفوف وتطبيق تعاليم الدين الاسلامي وتنفيذ الأحكام الشرعية , وكان عاملا مصلحاً وبنّاءا في مجتمع وليد خرج لتوة من عقد السبعينات والثمانينات مثقلاً بالخلافات السياسية والصراعات القبلية والنزاعات الدينية والمناطقية , ومع مرور اليمن عبر بوابة الإنفتاح الى آفق المستقبل والاحتكاك المباشر مع متطلبات العصر الحديث, ساهم في خلق روح التوازن والتوافق في جميع مستويات الحياة المدنية الحديثة.
كان العلاّمة الشهيد –رحمه الله- ومعه رفيق دربة العلاّمة الشهيد علي الشامي -رحمه الله- , الذي لم يفارقة لحظة واحدة في قيادة الحركة التنويرية والتصحيحية للشباب , والإسهام المباشر والفعّال في الدعوة والارشاد والتدريس ونشر العلوم والمعارف, وتوجية الشباب والطاقات والكوادر الإجتماعية والتنظيمية للحركة التنويرية آنذاك الى مسارات الإتجاة الصحيح , من نبذ الخلافات المذهبية والدعوة الى الوحدة الإسلامية الحقة تحت سقف الإسلام والوطن ضمن المشروع الإسلامي الكبير من الوحدة العربية والإسلامية , وكان أحد رموز النهضة الجماهيرية والشعبية آنذاك من تحقيق جذور ورواسخ العلم والمعرفة والثقافه في العاصمة صنعاء وبقية مديريات ومحافظات اليمن , وكانت بصماتة الخيرية ومعالمة العلمية لا تنسى ولا تمحى من الذاكرة والوطن , فأكثر المدارس والجمعيات والجوامع والمعاهد العلمية والتربوية خير شاهد ودليل على أدائة الرسالة الوطنية والإسلامية بحب واخلاص متفاني وإقتدار كبير.
فقد وضعت يداه الخيريتين على مدى مسيرتة الوطنية الجسورة والرائدة حجر الأساس للعديد من المدارس والمعاهد العلمية في الأمانة وبقية محافظات الجمهورية , وصارت هذه المدارس وهذا حالها شاهداً على تخرج الأجيال تلو الأجيال من أعمالة الخيرية وبصماتة التي لا تمحي من ذاكرة الأهالي وسكان تلك الأحياء وجمهورة ومريدية من طلبة العلم ومن احتذوا بفكره ومنهجه النير والرشيد , وحتى بعد مرور هذه الأعوام المثقلة من ذاكرة التأريخ و الوطن , ما زال تأثيرة العميق في النفوس التوّاقه للعلم والمعرفة المتطلعة للحرية راسخة رسوخ الجبال في الأذهان والذاكره ,تحن وتشتاق الى ذلك العهد الجميل الذي بدأت ترسم فيها أيادي الخير معالم الطريق على هدى الإسلام والرشاد .
نتذكره الآن بالكثير من الشوق والرهبه في محنة الوطن الكبير , ونتذكر معه جهابذة التأريخ اليمني المعاصر ومفكرية ورجالاته وايادية الخيرة وسواعدة الفتية , التي وان وجدت وقدرت لها الحياة حتى هذه اللحظات والفترات الحرجة والصعبة من الواقع المعاش لكان لها دوراً كبيراً في انتشال الوطن من ازماتة وكوارثة المتفاقمة والمتلاحقة , ولأخذت باليمن الى مرافئ الخير وبرالأمان , ونحن إذ نقف امام شخصية يمنية عظيمة مشهود لها بالخير , سطر لها التأريخ أقوالاً ومواقفاً بأحرف من نور , ونقش أسمها في صفحات التأريخ بأحرف من ذهب , كقدوة ومعلم ونور هدى ورشاد , حين وقفت تلك الشخصية أمام مختلف الإغراءات والتقلبات الفكرية والسياسية والثقافية بصمود امام تشابة الطرق واحتدام الفتن وتلون مسيرة الوطن , وقفت مع اليمن الكبير ووحدتة و سلامة أراضية , ووقفت مع الجهود الشعبية التي قادت اليمن حينها الى مراحل متقدمة من الإستقرار والحوار بين مختلف الاطياف والساحات المتصارعة والمتنازعة فكريا وسياسيا .
وإن كنا بعد عشرين عاما نتذكر هذه الشخصية الوطنية لما تقودنا الى بدايات الثورة الشبابية , وإن كانت غائبة عنها ولكنها كانت أحد روادها ومشعليها , وأحد الدعاة اليها بطرق سلمية ومشروعة , بدون إثارة الصراعات والفتن حقناً للدماء والأنفس وحفاظا على الأرواح والممتلكات , فكان الأستاذ يحيى الوشلي -رحمة الله -يومها- أحد الدعاة والمفكرين الذين دعوا الى ثورة شبابية تغييريه مجتمعية سلمية شاملة على كافة الأصعدة و المستويات الحياتية و الإجتماعية والسياسية اليمنية , وكان -رحمه الله - من رواد الحركة التصحيحية والتنويرية والداعين اليها ومؤسسيها في المجتمع , جمع بين نور العلم والإيمان مع حسن التدبير و سلامة التفكير, وتحرره من قيود الإرهاب الفكري والعقائدي , متحرراً من جموح الجمود وسلبياته وسطوته , وقدم المنهج الإسلامي السمح في بوتقة معاصرة متناغمة مع متطلبات العصر ومنسجمة مع تطوراتة ومتوازية مع مطالب الشباب بالتغيير والتقدم.
وكانت البذور الأولى للتغيير في المجتمع حينها تشكل عجلة تصحيحية ودفعة قوية في المسار الصحيح لتوجية المجتمع الى الفضيلة والرشاد والتوحد والتعاون , وان كان ستار الليل يغطيه وهو يحمل التبرعات و اكياس القمح والشعير مع جالونات الزيت ويوزعها على الفقراء والمساكين في الأحياء و المناطق المجاورة لسكنة , تجعل منه وكما لقب ب''أبو الفقراء'' والمحتاجين , ومازالت تلك الأسر تذكر محاسنة حتى اليوم وتدعو له بالرحمة والمغفرة , وامتدت أيادية الخيّرة الى الجمعيات التعاونية وجمع التبرعات واعمال الخير ودعم وتأسيس مدارس تحفيظ القرآن ومختلف العلوم وساهم في تأطير فكرالإسلام المعاصر في النفوس كفكر وعقيدة ومنهج وحياة , وبذا صار إسلاماً متحركاً يشع نوراً وهداية , متحررا من الجمود الديني والتعصب المذهبي والحزبي .
وكان - رحمه الله- على مدى مسيرتة الحافلة بالخير والعطاء تبث له المقابلات والأحاديث المتلفزة والإعلامية , وتكتب عنه الصحف والمواقع كمرشد وداعية إسلامي ,توّج المجتمع حينها بأكاليل من النصائح والمواعظ الأخلاقية والدينية النافعة , وامتدت رحى وأثار ثورتة الفكرية الخلاّقة حينها ليصبح مدرسة نموذجية خاصة تحمل إسمه ومنهجة التنموي والتوعوي الرائد , انتجت الكثير من الشباب الذين لهم اليوم باع طويل في المجتمع وفي مختلف المرافق الحكومية والخاصة , وتتلمذ على يدية وتخرج من مدرسته أكثر العلماء والأدباء والمثقفين , وان كانت سيرته العطرة وعبق ذكراه تدغدغ المشاعر وتهز الوجدان وتقودنا مباشرة الى ثورة الشباب السلمية اليوم , نجد أن تلك الشعارات الإصلاحية البنّاءة التي بدأت بذورها تظهر في التسعينيات من القرن الماضي على يدية , والتي غرسها في تربة المجتمع وجذورة , اصبحت الآن حقيقة ظاهرة وثورة تحلق في سماء الحرية وتثور في وجة الظلم والطغاه وتدعو الى إسقاط النظام كليا , وتحارب الفساد والرشوة والإختلاس والمحسوبية وتدعو الى إصلاح ذات البين والمجتمع وتدعيم ركائزة الأخلاقية والدينية .
جميعها شعارات طالما صدح به صوتة الجهور الصادق من على منابر المساجد والجوامع , وطالما سعى جاهداً الى تطبيقها والدعوة اليها بقوة وعزيمة , وكان له الأثر البارز في الدعوة الى محاربة الظواهر الفاسدة في المجتمع والدخيلة عليه من غلاء المهور والثأر , ومقارعة الفقر والجهل والبطالة والفساد, بل وسعى جاهداً الى سنّ القوانين والتعهدات الإجتماعية للحدّ منها , وللمضي في هذا الاتجاه تم تكوين جمعيات شعبية وخيرية لتحافظ على الإتفاقيات وتعاقب المخالفين والخارجين عن روح التضامن والإتفاق الاجتماعي ,الذي أسس دعائمة وركائزة على مساحة كبيرة من رقعة الوطن اليمني .
ونظراً لجهودة البارزه والمشجعة حينها كانت الدولة تضع ثقتها الكبيرة في مشورتة ورأية وشخصيتة الإجتماعية القيادية الفذّة , وكان خير ممثلاً لليمن في اكثر الوفود في المؤتمرات الخارجية والمحافل الدولية , لذا -وليس غريباً- ان نجد ان ثورتنا الشبابية السلمية وهي تستلهم من مدرستة الشئ الكثير ,نرى أولادة ومقربية و ابناءه الشباب وطلابة يزينون الساحات الثورية وفي مقدمة الصفوف الأولى حاملين مشعل أباهم ومعلمهم الأول من الحرية والتغيير , ويجسدون الروح الوطنية العالية التي تربوا عليها , ويعكسون ذلك الأدب الرفيع والقدرة العالية في شحذ الهمم ويقدمون دروساً حيه في التضحية والفداء والوفاء,ويأخذون على عاتقهم إكمال الرسالة والدور وحمل الأمانة , وقيادة الثورة السلمية الى النجاح وفرض واقع الحرية والتغيير والإصلاح.
وإن كان الوطن الآن يموج في بحر متلاطم من الخلافات والنزاعات ويفتقد جداً الى هكذا شخصيات وطنية نزيهة تحمل همّ الوطن وتسير به الى بر الأمان وتغلب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية, نتذكرة بالخير وندعو له بالرحمة والمغفرة و رحم الله العلامة الشهيد وأسكنه فسيح جناته , ونتمنى أن تكون اليمن معطاءة ولاّدة بهكذا رجال شحّ أن يجود بهم الزمان والتأريخ , الفاتحة الى روحة الطيبة الطاهرة ,لتبقى ذكراة العطرة معلما وطريقا يسير العابرون والسائرون على هداه.