ليس بغريب خروج المتقاعدين العسكريين في 7/7/2007م للمطالبة بحقوقهم المشروعة وإزالة آثار حرب 94 الظالمة ، تلك المسيرة الرائعة التي مثلت ورقة ناصعة البياض في جبين نضالات أبناء الجنوب ومدنيتهم خرج العسكر في ذلك اليوم تاركا سلاحه بزيه المدني مطالب بحقه في العيش الكريم والعودة إلى السلك العسكري ، سبق هذه المسيرة مطالبات كثيرة من شخصيات وقوى وطنية على رأسها الراحل فيصل عثمان بن شملان مطالباً بإزالة آثار الحرب . لكن الغريب هو تحول هذه المسيرة النضالية الرائعة إلى وسيلة للمكايدات والمزايدات السياسية تحول القضية الجنوبية من قضية مطالب وحقوق عادلة إلى آله لتصفية حسابات تأريخية ليتولى زمامها سذج الساسة وبلهاءهم من هم سبب ظلم وقهر أبناء الجنوب ولتصبح القضية الجنوبية قضية عادله محاميها فاشل وجوهرة في يد فحّام أحمق . كلنا يعرف أن جنوب اليمن أو ما يعرف قبل الوحدة بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية منذ الاستقلال إلى الوحدة عاشت مرحلة صراعات و مجازر عديدة راح ضحيتها مئات الآلاف بسبب خلافات رفاق الحكم آنذاك. ولعل أبرز هذه الأحداث هي أحداث 13 يناير 1967م تفجرت حرب عنصرية مناطقية بين زمرة علي ناصر وطغمة علي سالم البيض لتنتهي بنفي الأول إلى الخارج وتودي بحياة أكثر من 30 ألف جنوبي خلال ثلاثة أيام من الصراع . وبعد توقيع المخلوعين علي سالم البيض وعلي صالح على اتفاقية الوحدة اليمنية استبشر الجنوبيون خيرا ليعيشوا في امن وأمان إلا أن حرب 94 كشفت عن نوايا الاثنين في رغبة كل منهم الانقضاض على الآخر وخُلع الأول (البيض) ونفي إلى الخارج بقيادة الثاني ونخبة من زمرة علي ناصر واستباح الثاني البلاد والعباد استباح أراضي الجنوب وكرامة الجنوبيين الذين رفضوا السكوت عن الظلم فخرجوا في وجه الدبابة والرصاص بمسيرات منددة بالممارسات العنصرية ضدهم بطريقة حضارية مدنية سلمية. واصل الجنوبيون صمودهم ونضالهم السلمي ليصل الربيع العربي 2011م وثورات الشباب فخرج مع أبناء الجنوب سنداً إخوانهم الشماليين هاتفين بإسقاط النظام ومطالبين بحل القضية الجنوبية حلاً عادلاً يرضي أبناء الجنوب وتوحدت اغلب ساحات الجنوب والشمال تحت شعار واحد هو الشعب يريد إسقاط النظام . لكن ثورة الربيع العربي أوجدت تحولا جذريا في سياسية الحراك الجنوبي أُعلن الانضمام رسمياً إلى ثورة الشباب الشعبية السلمية إلا أن شخصيات وقوى محلية وإقليمية لم يروق لها هذا القرار وأحست انهُ سيفقدها مصالحها فعملت على تحويل الحراك من حركة حقوقية سلمية يقودها الشباب إلى حراكات وعصابات مناطقية وطائفية اقليمية مسلحة تحارب كل من يخالفها الرأي ويتصدرها مصاصي دماء الجنوب وظهرت الصراعات الجنوبية التاريخية على السطح فبدلاً من أن كان المجلس الأعلى للحراك السلمي الجنوبي اصبح حراك الفيدرالية يقوده جزار 13 يناير وحراك تقرير المصير يقوده سفاح شبوه وحراك ايران يقوده دجال الجنوب وغيرها من الحراكات .. حراك زمره وحراك طغمة .. أصبح لكل منهم أدواته وقواعده يكيد بها على الآخر. عادت الديناصورات الهاربة من وجه العدالة التي تحرر منها الجنوبيون لتتقمص ثوب التحرير فأصبح البيض فخامة الرئيس وقائد الحرير وأصبح علي ناصر حامي حمى الجنوب وباعوم الزعيم والأب الروحي وغيرهم ، يرفعون أصواتهم اليوم للمطالبة بالاعتذار عن حرب 94 الظالمة - الذين هم جزء منها ومن أسبابها- يرفعون أصواتهم من أجل أن ينسونا جرائمهم ومجازرهم في الجنوب يصرخون بالاعتذار ونسوا أننا أيضا نطالبهم باعتذارات واعتذارات يتوعدون باللجوء إلى المحاكم وضحاياهم يتمنون مثولهم أمام العدالة يحلمون بالزعامة ويحلم ضحاياهم أن يروهم في محكمة الجنايات الدولية خلف القضبان. أخيرا إلى كل أبناء الجنوب عشاق الحرية والكرامة تعالوا نفكر بالمنطق والواقع إن كسر البيضة من الخارج ينبئ عن ميت داخلها وان فقسها من الداخل يبشرنا بمولود جديد وهكذا هي السياسة صناعة قراراتها من الداخل تبشر بأمن واستقرار وارتهانها للخارج ينبئ بصراعات ولا استقرار . و ديناصورات الجنوب تحاول اليوم إعادة إنتاج نفسها عبر مشاريع خارجية إقليميه ودولية فهذا يأتي بمسمى الجنوب العربي وآخر بالفيدرالية وغيرها من المسميات يقودها إلى ذلك حنينها إلى ماضيها الدموي ألظلامي الذي عانينا منه ولا زلنا ندفع ضريبته إلى اليوم. إن القضية الجنوبية أصبحت اليوم وبفضل نضالكم وصبركم بعد الله سبحانه وتعالى قضية عادلة معترف بها محليا وإقليميا ودولياً ولا احد يستطيع إنكارها لا جاحد ولا مكابر و المرحلة القادمة تحتم علينا التفكير بعقلية ديمقراطية متنورة حديثة بعيدة عن الارتهان للماضي لنتحرر من الماضي وأفكاره وشخصياته وأحداثه الظلامية ومآسيه و نولي للمرحلة رجالها المخلصين الذين لم يتلطخ تأريخهم بدماء الأبرياء ، إن تجريب المجرب فشل بحد ذاته والرهان على الجواد الخاسر خسارة أخرى واستعانتنا في المرحلة القادمة بالباباوات السابقة وجزاري الجنوب ليساعدونا في بناء مستقبلنا هو كمن يزيل النجاسة ببول كلب أعزكم الله .